ومصنفات حسنة في عدة فنون كثيرة الفائدة. اجتمعت به بالقاهرة، وقد توجهت إليها رسولاً، فوجدته شيخاً كيساً، ظريفاً، حريصاً على الاستفادة لما يورده في تصانيفه ويودعه مجاميعه وأوقفني علي شيء من تصانيفه الحسان، وأهدى إلي بخطة منها كتاباً وسمه بالدرة الفائقة في محاسن الأفارقه، وأنشدني مقاطيع من شعره.
وذكر لي أنه ولد بقفصة من بلاد إفريقية، وأنه خرج وهو صبي، واشتغل بالديار المصرية على شيخنا أبي محمد عبد اللطيف بن يوسف البغدادي، ورحل إلى دمشق وقرأ بها على شيخنا أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي، وأحب المقام بها ثم إن نفسه اشتاقت إلى الوطن، فعاد إلى قفصة، ثم إنه حن إلى المشرق وطالبته نفسه بالمقام بدمشق، فباع أملاكه وما يثقل عليه حمله، وأخذ معه أولاده وزوجه وماله، وركب البحر في مركب اتخذه لنفسه، فغرق أهله وأولاده، وخلص بحشاشة نفسه، وخلص عرب برقة بعض متاعه، فخرج معهم متفكراً خوفاً منهم أن يهلكوه بسبب أخذ متاعه، وسبقهم إلى الاسكندرية، وتوصل بعمل مقامة يذكر فيها ما جرى له في طريقه، وعرف الملك الكامل أبو المعالي محمد بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب ملك الديار المصرية بذلك فكتب إلى الاسكندرية بتخليص ماله، فخلص له منه جملة، ثم إنه لما رحل الملك الكامل إلى آمد وافتتحها، توجه إلى دمشق، ومنها إلى حلب، ومنها إلى آمد، فوجد الملك الكامل راجعاً إلى الديار المصرية، فعاد معه إليها، وسكن بها.
وذكر لي أن مولده بقفصة في سنة ثمانين وخمسمائة، وأن ولايته القضاء كانت بعد رجوعه من المشرق إليها، وحكى لي غيره أن سبب عزله عن القضاء أنه وجد في داره خمر، فعزل بسبب ذلك.
وسمعت صاحبنا نور الدين أبا الحسن علي بن موسى بن محمد بن سعيد يحكى أن أبا
العباس التيفاشي لما حصل مع عرب برقة وخاف منهم، كتم نفسه، وسألوه من هو، ومن أين هو، وما صنعته ؟ فقال لهم: أنا قواد، فقالوا: الله الأحد، وأنفوا منه، وكان ذلك سبب خلاصه منهم.
وترجم له الصفدي في الوافي ترجمة قال في أثنائها: (له كتاب كبير إلى الغاية وهو في أربع وعشرين مجلدة جمعه في علم الأدب وسمّاه فصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لأولي الألباب، ورتبّه وجمع فيه من كل شيء وتعب عليه إلى الغاية. ولم أقف عليه لكن رأيت الذي اختصره منه الفاضل جلال الدين محمد بن المكرّم وسماه سرور النفس بمدارك الحواس الخمس وهو كتاب جيد يدلّ على فضل جامعه. قال ابن سعيد في المشرق في أخبار أهل المشرق هو مقرّ بأنّه استعان في هذا الكتاب المذكور بالخزائن الصاحبية. قلت: هو الصاحب محيي الدين محمد بن محمد بن سعيد بن ندى الجزري، لأنّه عند وروده من الغرب وما اتفق عليه في البحر من سلب ماله وكتبه أتى إلى الصاحب فآواه وأقام عنده مدة. وللتيفاشي مجلد جيد في معرفة الجواهر. وتوفي شرف الدين التيفاشي بالقاهرة سنة إحدى وخمسين وستمائة)
وقال ابن أبي الإصبع (ت 654هـ) في مقدمة كتابه تحرير التحبير أثناء تسمية ما ألف في فن البديع: (وبديع شرف الدين التيفاشي، وهو آخر من ألف فيه تأليفاً في غالب ظني، وجمع ما لم يجمعه غيره لولا مواضع نقلها كما وجدها ولم ينعم النظر فيها، وبعض الأبواب التي تداخلت عليه).
وفي حسن المحاضرة للسيوطي: (قال أحمد بن يوسف التيفاشي في كتابه سجع الهديل في أوصاف النيل: ذكر أئمة التاريخ أن آدم عليه الصلاة والسلام أوصى لابنه شبث، ...إلخ)
وانظر في صفحة القصيدة الثالثة في ديوانه ما حكاه جمال الدين ابن المكرم عنه وعن كتابه (فصل الخطاب) وجمال الدين ابن المكرم هو المشهور في العصور المتاخرة بابن منظور صاحب لسان العرب وأول من سماه ابن منظور السيوطي كما فصلت الحديث عن ذلك في موضوع مطول في الوارق
وشرف الدين التيفاشي هو ابن أخي يحيى بن أحمد التيفاشي الذي ترجم له العماد الكاتب في خريدة القصر، وله في "فصل الخطاب" قطعة أولها:
أتتني وقلبُ البرقِ يخفقُ غَيْرةً عليها وعينُ النجم تنظرها شَزْرا
انظر ديوانه في موسوعتنا هذه