أرى الملة البيضاء جل مصابها
الأبيات 51
أرى الملـة البيضـاء جل مصابها ففاضـت مئاقيهـا وطال انتحابها
وقاسـت بفقـد الشـيخ وجد مصابة بواحــدها لمــا تـولى شـبابها
وضـاق لـه عـرض البسيطة والتفى علـى أهلهـا ظفر الخطوب ونابها
وأظلــم وجــه الأرضـحتى كأنمـا تــردّت مـدادا غوطهـا وحـدابها
وزلــزل أقطــار البلاد فأصـبحت شـــواهقها مهـــتزّة وهضــابها
وقمصـت السـبع الطبـاق بزهرهـا فمـا راع أهل الأرض إلا انقضابها
وزعــزع ءاطـام الهـدى وحصـونه وقــوض فسـطاط العلـى وقبابهـا
وغيـض مـن الأيـام مـاء وجوههـا فلــم يبــق الا مرهـا وابابهـا
فبعـد كمال الدين ما نقع الصدى رواء ولامــد الصــحاب صــحابها
ولا طــاب مشــمومٌ ولا راق منظـر ولا لـذّ مـن غـر الثنايا عذابها
الا رب مـن يبكـي الكمـال بعبرة حـرام على غير الكمال انصبابها
وخــود تلقـت بالبنـان دموعهـا تشــابه لونـا دمعهـا وخضـابها
ويسـبقها طـورا مـن الدمع سابقٌ قـد ابتـل منـه عقـدها ونقابها
تخـاطبني وهنـا وفـي الصدر غصّة فلأيــاً بلأي مــا يـبين خطابهـا
تقـول أبعـد الشـيخ تنعـم عيشة ويهنــأ أرضـا أن يثُـجّ سـحابها
أليـس الـذي أحيى به اللّه خلقه ولـولاه لـم تحمـل رؤوسا رقابها
ومـن فـي حمـاه المسلمون كأنّهم رغـاثٌ مـن الأروى حمتهـا صعابها
ومـن كـان يرعانـا بعيـن بصيرةٍ سـواءٌ علينـا بعـدها واقترابُها
وهـل نحـن الا كالـدعاميص أعصفت بها الريح هيفا حين نشّت ثغابها
فقلـت لهـا والنفس تغلى ومقلتي شـبيهٌ بمنثـور الجمان انسكابها
ثقــى بــإله لا يمــوت ورحمــة مـن اللّـه مقصـور عليها حجابها
وان شــموس الـدين تطلـع خلفـةً سـريعاً على مر العصور اعتقابها
وان السـيول المكفهـرات تنـزوي فعتقبهــا أخــرى يعـب عبابهـا
وكـم روضـة تخضـرّ بعد اصفرارها فتصـبح مبثوثـا عليهـا رضـابها
ونحـن بنـي الاسـلام أبنـاء ملـة قـد أصـبح محروس الجناب جنابها
فهـذا بحمـد اللّـه منـه خليفـةٌ بـه انزاح عنها بثّها واغترابها
وماســت بـه أغصـانها ورياضـها فرجــع لحنــا طيرهـا وذبابهـا
وأقبـل ما ءافاقها الصبح طالعا وفـي أثـره شـمس ثقـوبٌ شـهابها
ووافـى بـإحراز المؤمّـل ركبهـا وجـاءت بـألوان النجـاح ركابها
وأرسـت أواخيهـا وأرخـت ستورها والقـت عصـاها واسـتقر غرابهـا
وردت أنــوف الشـامتين رواغمـاً عليهـا جميعـا ذلهـا واكتئابها
ليهنـأك ان قـد قام بالأمر بعده فـتى هـو بيـت المكرمات وبابها
تضـلع مـن علـم الشريعة وانتهى إليـه مـن اسرار الطريق لبابها
أغـر وسـيم يغبـط الشـهد خلقـه علـى أنـه طلـق اليميـن رحابها
لـه همـة يهوى بها النسر واقعا ويهبـط مـن جـو السـماء ربابها
فـتى مـا نجـت نجب المطى بمثله ولا حملتـــه بختهــا وعرابهــا
ولا نيطـــت الآمــال إلّا بفضــله ولا فــاض إلا مـن يـديه ترابهـا
ولا ضــاء وجــه الأرض الا بـوجهه ولا طــاب إلا مـن شـذاه ترابهـا
علا فــوق أعلام البريــة رتبــة تقاصــر عنهـا شـيبها وشـبابها
وأصــبح محتلا مـن المجـد سـورةً علىكـل ذي مجـد قـد أعيى طلابُها
لـه حضـرة جـابت بـه حلل السنا فطــابت بـه اكنافُهـا ورحابُهـا
تـرى حولهـا المستضـعفين أعِـزّةً كمـا كـنّ آسـاداً بـبيئة غابُهـا
وتلفـى بهـا المسـتكبرين أذلّـةً كمـا ظلّ في أيدي الرعاء ذئابها
همـت مـزن جـدواه ومـزن علـومه بمـا شـاء جهـال الورى وسغابها
همـت فكفـى الجادين واكف جودها واذهـب لـوح الـواردين ذهابهـا
ويعتقـب المـدلون أعـداد فضـله مدى الدهر لا يوذى الدلاء عقابُها
سـقى اللّـه أيـام الخليفة طحمةً من الرحمة الوسعى طموحا أبابها
ولا عطلـت أزمـانه بعـد مـا غدت منوطـاً عليهـا شـنفها وسـخابها
ولا عريـت منـه عصـورٌ بـه ازدهت وأسـبغ مـن نـور عليهـا ثيابُها
وتـم لـه بالمصـطفى كـلّ مرتجـىً وءاب مرجــوه حميــدا مئابهــا
عليــه صــلاة لا تغيــب ورحمــة وفيضــات تســليم مـرب ربابهـا
محمد بن حنبل الحسني
6 قصيدة
1 ديوان

محمد بن حنبل بن الفال الحسني.

شاعر من أهل شنقيط، من الفال البوحسني، أصله من تاكنيت. من العلماء الأعلام، اشتهر في اللغة في ذلك القطر، حتى قيل بتقدمه على معاصريه فيها، كان نحوياً، حريصاً على طلب العلم، وله اليد الطولى في البيان، مكث سبع سنين منقطعاً لطلب اللغة.

1884م-
1302هـ-