أَدرَكتَ شَأوَكَ فاتَّقِ الأَسواءَ
الأبيات 85
أَدرَكــتَ شــَأوَكَ فــاتَّقِ الأَسـواءَ فالشـــيبُ حَــلَّ بِلِمَّــةٍ ســَوداءَ
لا حَبَّــذا ضــَيفٌ أَلَــمَّ بعارضــي بَســَمَت لــهُ الآجــالُ لَمّـا جـاءَ
هَبَّـت بفُلـكِ جُسـومنا ريـحُ العفا ســَحَراً وكــان هُبوبهــا نَكْبـاءَ
وَطَمَـت بِحـارُ الحيـن من عَصَفاتِها فَســَرت وكــان مَقَرُّهــا الأَحيـاءَ
ثَغَـرَت لهـا الأَحـداثُ خُلجاناً وَقد ضــَمَّ البَنــونَ برَمســِها الآبـاءَ
وغَـدَت بهـا رُمَـمُ الرُفـاتِ كَأَنَّها ســـِلكٌ يُفَـــضُّ بقاعــةٍ وَعســاءَ
فـالعُمرُ مِضـمارٌ وَأجسـامُ الـورى أَنضــاؤُهُ هــل تَعــرِفُ الإِنضــاءَ
وتَــردُّدُ الأَنفــاس فـي لَهَواتنـا يُغــري المنــازلَ بُكـرَةً ومسـاءَ
فالـدهرُ ينثُرُنـا فُـرادى مثلمـا مــرُّ الحواصــِب يَنثُـرُ الحَصـباءَ
دُنيـاكَ يـا هـذا تُريـك عجائِبـاً إذ كــان ظِئرُ جَنينهــا الأَسـواءَ
النفــس قــد علِقَـت بجسـمٍ مـرَّةً فلــذاك لـم تَهجُـر حِمـاهُ جَفـاءَ
فـدنت وأَكسـبها النِفـارَ دُنُوُّهـا فــاِعجَب لِعــودٍ لا يريــدُ لِحـاءَ
لمّــا غــوَت حَـوّاءُ أَغـوت آدمـاً فكســا بنيـهِ الـرُزءَ والبلـواءَ
وقضـى مُنـاهُ الضـِدُّ منـهُ بمَكـرهِ وَقَضــى فــأَودَعَ بينَنـا الإِمضـاءَ
مُتَرَقِّــبينَ وُرودَ كَــأس حُتوفنــا فنــبيتُ عنــد مَطــافهِ نُــدماءَ
وإذا تَســاقينا بــهِ عـن إِمـرَةٍ مَحتومـــةٍ نُســـقى بِلـــىً وبلاءَ
وخُروجُنــا بـالرَغمِ كَرهـاً مُجبَـرٌ وَدَواؤُنــا يُلقـي إلينـا الـداءَ
وَشــَقاؤُنا يُفضـي إلـى أَسـقامِنا وَبقاؤُنــا يُبــدي لنـا الإعفـاءَ
كــم عَفَّـتِ البَيـداءُ قبلَـكَ أُمَّـةً كــادت تَســُدُّ بجَمعهـا البطحـاءَ
أَيــنَ الأَكاســِرَةُ الَّـذين تَوَطَّـدَت بهـمِ الصَياصـي واقتنـوا الأَرجاءَ
أيـنَ القَياصـِرَةُ الـذين تجهَّمـوا خُطَـطَ الخُطـوب وأرجَفـوا الغَبراءَ
أَيـنَ ابـن داوُدَ الذي فاقَ الورى عِلمــاً وَحَزمــاً ســُؤدُداً وإِبـاءَ
أَينَ الذي ساد المُلوكَ اسكَندَرُ ال نَـدبُ الحُلاحِـلُ وارتقـى العَليـاءَ
أَيـنَ الـذي شـادَ الخَوَرنقَ ثُمَّ أَي نَ القَـرْمُ تيمـورُ الـذي قـد ساءَ
أَيـنَ الـذي حازَ النَباهَة والعُلا شــَرَفاً وســارَ الســيرَةَ الخُيَلاءَ
أَيـنَ الـذي وَطِـئَ الرِقـابَ تَكَبُّراً فَغَـــدَت أَعِنَّتُهــا لَــهُ إيطــاءَ
أَيـنَ الـذي كانت تَمورُ بجيشه ال أَرضـــونَ طُــرّاً رَهبــةً وَحَيــاءَ
أَيـنَ الـذي أَحـى الزَمـانُ رقيقَهُ قَســراً وكــانَ الغُــرَّةَ الغَـرّاءَ
أَيـنَ الملـوك الصـائنونَ ثُغورَهم أَيــنَ الجُيـوشُ الرافِعـونَ لِـواءَ
أَيــنَ اصـطِكاكُ سـُيوفِهِم وقسـيِّهم مــن كُــلِّ شــاكٍ يَقهَـرُ الأَعـداءَ
كالشـوسِ فـي أَجَمِ الرماحِ رَوابضاً قَــد قـارَنَت أَبطالُهـا الجـوزاءَ
فَيَــرَون صـَهْواتِ الجِيـادِ كأَنهـا فَلَــكٌ يَــدورُ بهـم ضـُحىً ومسـاءَ
عَصـَفَت بهـم ريحُ المَنونِ فَأَصبَحوا جُثَثـــاً بلا أَرواحِهـــا خَرســاءَ
طـافَت بهـم أَيـدي الحِمامِ بأَكؤُسٍ مــن خَمــرَةٍ جاءَتــكَ عَـن حَـوّاءَ
فَثـوَوا علـى البَطحاءِ صَرعى سُدَّراً سـَكِروا فكـانوا بحَسـوِها نُـدَماءَ
لَعِبَـت بِهِـم أَيـدي سـَبا فتَفرَّقوا فِرَقــاً يَضــُمُّ قريبُهـا البُعـداءَ
وجَــرَت علــى آثـارِهم أَجيـالُهم يَتَــــداركونَ بَقِيَّـــةً شـــَنعاءَ
يتَراكَضــوانَ لغايــةٍ حــتى إِذا مــا شـارفوها أَردفـوا الأحيـاءَ
فكَبَـت بهـم خيـلُ الحياةِ بشَوطها وَجَـرَت بِهـم نُجُـبُ الممـاتِ سـَواءَ
قـد كـانَ بطـنُ الأَرضِ يحسُدُ ظَهرَها بِهِــمِ ويوســعُ فيهــمِ الإِغــراءَ
فَثنـى الزَمـانُ حَسـودَهم مَحسودَهم كَســـَجَنجَلٍ إذ تَعكِـــسُ الأَشــياءَ
فتَـرى بعينِـكَ فـي مَواقـع جِرمها شَخصــاً وأَنــتَ بِضـِمنِها تَتَـراأى
كيـف المـزارُ وقد نأَوا عن ساحةٍ كــانَت بهـم تَزهـو سـَناً وَسـناءَ
أَضـحَوا رهـائنَ دهرِهم إِذ أَحرزوا منـهُ السـُرورَ وأَنجَـزوا الإِمضـاءَ
شــهِدَ الكتــابُ عليهــمِ وسـِجِلُّهُ مَوتــاً تــذوقُ وتُسـلَبُ الحوبـاءَ
وَيحـاً لِمـن وافـاهُ طـالبُ دَينـهِ ورآهُ فـي عِبـءِ الخطـا قـد بـاءَ
يَجزيـهِ كالرَجـلِ المُسـيءِ بِفِعلِـهِ ويُبيــدُ منــهُ الأَمــنَ والإِرعـاءَ
حَتّــامَ يـا هـذا تـبيتُ مُعَسعِسـاً فــي مَهمَــهٍ لا تَرتضــيهِ فِنــاءَ
فكأنـك العشـواءُ تخبطُ في الدجى مُتســــكّعاً تتوقّـــعُ الإفضـــاءَ
مُتَســَربِلاً بإِهــابِ دَيجـورِ الأَسـى مُتَلفِّعــــاً بمَســـاءَةٍ دَكنـــاءَ
هـذا وقـد وَفَـدَت عليكَ نجائِبُ ال آجـــالِ مُســـرِعَةً وكُــنَّ بِطــاءَ
وَبَـدَت شُموسـُكَ فـي مَغـارِبِ أُفقها وَصــَباحُك الوَضــّاحُ عــادَ مَسـاءَ
وتَعاكَسـَت فيـكَ القضـايا فاعتبر مــن صــِدقِها الإيجـابَ والإِغـراءَ
وَخِـدِ المَسيرَ الجِدَّ في جَدَدِ التُقى بَمناســِمٍ تَــذَرُ الســَمومَ رُخـاءَ
لَهفــي علـى زَمَـنٍ كَسـوتُ أَديمَـهُ إِثمـاً يحيـلُ الوَشـيَ مِنـهُ عَفـاءَ
كـم بِـتُّ أَنـزِعُ فيـهِ قَـوسَ ضَلالَتي عــن ســاعدٍ أُصــمي بـهِ اللأواءَ
وَنَصـبتُ أَحشـائي علـى بُعدِ المدى غَرَضــاً فكُنــتُ لِمَصــرَعي إيمـاءَ
حَتّــى رَجَعـتُ وفـيَّ أَصـرُ كِنـانَتي نُثِلَــت وَأَصــمَى سـَهمُها الأَحشـاءَ
وَتَمَزَّقَـت مـن قبـلِ تَمزيـقِ الحَشى نَفــسٌ رَأَت غُصــَصَ المَنـونِ ظِبـاءَ
إِن كـان شَخصـي عـن ذُنوبي سائِراً قــدماً فَلــي قَلــبٌ يَحِــنُّ وَراءَ
فَلِـذاكَ عُجـتُ وفـي فُـؤادي صـَبوةٌ تَلهـــو وشــوقٌ لا يَمَــلُّ شــَقاءَ
كـم ليلـةٍ قـد بِـتُّ أَفتُـقُ رَتقَها بنَقـــائِصٍ لا تَـــألَفُ الرَفّـــاءَ
وَأَحـالَ صـِبغَ الليـلِ صِبغُ فَعائلي فظَلامُــهُ مــن دَجنِهــا قـد فـاءَ
وكرعــتُ فيــهِ مـاءَ عيـشٍ آجنـاً أَضــحى الفُـؤادُ بسـُؤرهِ يتقـاءى
فغَــدَوتُ أوســِعُهُ إِقامــةَ تَوبَـةٍ وَأَشــارَ يوســِعُني أَســىً وبُكـاءَ
يـا رَبِّ هَـب لـي تَوبَـةً أَمحو بها نَصــّاً غــدا مَضــمونُهُ الأَســواءَ
يــا ربِّ تَوبَــةَ ناصــِحٍ مُتَنَصــِّلٍ يَــذري الــدُموعَ ســَخينةً حَـرّاءَ
يــا رَبِّ إِنــي فـي حِمـاكَ مُـوَلَّهٌ وحِمــاكَ رَبّــي يُنجــدُ الضـُعَفاءَ
يـا رَبِّ قـد وَخـدَت إِليـكَ مَطيَّـتي ســـَحَراً وزدتٌّ بحثِّهــا الإِغــراءَ
يـا رَبِّ عُـدني عِنـدَ مَـوتي إنَّنـي ســَوءٌ وعِــدني بَعـدَها العَليـاءَ
يـا ربِّ أُشـدُد فيـكَ أَزري واكفِني ضـُرّاً أَثـارَ عَلـى ضـَنائي الـداءَ
يـا ربِّ قـد عَجَـزَ الطبيبُ فَداوِني ســَقياً لــداءٍ كُنــتَ فيـهِ دَواءَ
يـا رَبِّ قـد قَـرُبَ الرَحيلُ وهاجني بــرقٌ بأَكنــافِ الحِمـى يَتَـراءى
مُستَشـفِعاً فـي زَلَّـتي تِلـكَ الـتي رأَتِ الأَنــامَ بفَضــلِها الإِرضــاءَ
تلـكَ الـتي وَطِئَت بـأَخمصِ رِجلِهـا فَلَــكَ الســُعودِ وآســَتِ الضـَرّاءِ
مَلَأَت بُطــونَ الأَرض أَمنــاً وافِـراً عنـــدَ اِمتِلاءِ حَشــائها نَعمــاءَ
وتَوَســـَّدَت شــَرَفَ الأَرائِك ليلــةً وَفَــدَ المُبشــِّرُ يَحمِـلُ البُشـراءَ
هـذا زَعيـمُ الرُسـلِ يَهتِـفُ مُنذراً بأَلوكَــةٍ تَــذرُ الحضــيضَ سـماءَ
أهـدى السلامُ عليكِ يا فخرَ الورى إذ كُنــتِ أَنــتِ مريـمَ العَـذراءَ
يـا عَرشَ مجد اللَهِ يا شَمسَ الهُدى قــد مزَّقــت ببزوغِهـا الظَلمـاءَ
وافيتُهـا والعَيـنُ شـَكرى بالدِما أَســَفاً كــأَنَّ بطَرفِهــا الأَقـذاءَ
إِن كـانَ ذَنـبي يَقتَضـي لي شافعاً حَقّــاً ففَضــلُكِ يَجمَــعُ الشـُفَعاءَ
هَـب يـا عَـذولي أَنَّنـي لـكَ سامعٌ مــا عُــذرُ شـَيبٍ يَنسـخُ الأَفيـاءَ
فَنَـأى الشَبابُ وعادني زَمنُ الضنى وكـــأَنَّني فــي طَيِّــهِ أَتــراءى
وبـدا لسـانُ الشـيب نَحوي مُنشِداً أَدرَكــتَ شــَأوكَ فــاتَّقِ الأَسـواءَ
جرمانوس فرحات
375 قصيدة
1 ديوان
جبرائيل بن فرحات مطر الماروني. أديب سوري، من الرهبان، أصله من حصرون (بلبنان) ومولده ووفاته بحلب. أتقن اللغات العربية والسريانية واللاتينية والإيطالية، ودرس علوم اللاهوت، وترهب سنة 1693م ودُعي باسم (جرمانوس) وأقام في دير بقرب (إهدن) بلبنان، ورحل إلى أوربة، وانتخب أسقفاً على حلب سنة 1725م. له (ديوان شعر-ط)، وله: (بحث المطالب-ط) في النحو والتصريف، و(الأجوبة الجلية في الأصوال النحوية-ط)، و(إحكام باب الإعراب-ط) في اللغة، سماه (باب الإعراب)، و(المثلثات الدرية-ط) على نمط مثلثات قطرب، و(بلوغ الأرب-خ) أدب. (عن كتاب الأعلام للزركلي) وفي كتاب (أعلام الأدب والفن) للمرحوم أدهم الجندي ترجمة مميزة له جديرة أن تنقل إلى هذه الصفحة قال:

المطران جرمانوس فرحات 1670-1732

مولده ونشأته-. هو أحد أعلام العرب الأفذاذ في عصره، ولد في حلب في 20 تشرين الثاني سنة 1670م، وأسرته لبنانية قديمة الأصل كانت نزحت إلى حلب واستوطنتها، درس العلوم العربية على أعلام عصره ونبغ وفاق، وقد زهد في الحياة الدنيا الزائلة، فنزح إلى لبنان سنة 1695م وسيم كاهناً، وفي سنة 1711م قام برحلة إلى روما وأسبانيا وتعمق في دراسة فلسفة اللاهوت، ثم عاد إلى لبنان سنة 1716م وتولى الرياسة العامة على الرهبانية المارونية الحلبية، ثم انتخب رئيساً عاماً لها، فمطراناً على حلب في 19 تموز سنة 1725م ودعي باسم جرمانوس.

آثاره العلمية والأدبية-. يعتبر المترجم من أنبغ رجال عصره في علمه وأدبه، وقد جادت قريحته الجبارة بمصنفات بين مؤلف ومترجم ومعرب، فبلغ عددها (104) أثراً، أهمها 1- كتاب الرياضة 2- مختصر سلم الفضائل 3- المحاورة الرهبانية 4- مجموع قوانين الرهبانية، 5- التحفة السرية لإفادة المعرف والمعترف 6- فصل الخطاب في صناعة الوعظ 7- رسالة الفرائض والوصاية 8- رسوم الكمال 9- المثلثات الدرية 10- بحث المطالب 11- رسالة الفوائد في العروض 12- التذكرة في القوافي 13- الفصل المعقود في عوامل الإعراب 14- بلوغ الإرب في علم الأدب 15- الإعراب عن لغة الإعراب وهو معجم 16- الأجوبة الجليلة في الأصول النحوية 17- الأبدية 18- ميزان الجمع 19- تاريخ الرهبانية المارونية 20- السنكسار في أخبار القديسين 21- سلسلة البابوات عصراً فعصر 22- العهد الجديد. وأكثر هذه الآثار العلمية والأدبية مطبوعة مرات.

أدبه-. 23- له ديوان شعر نفيس يدل على تضلعه في اللغة العربية وأسرارها، وفي عام 1924م أقيم لهذا العلامة النابغة في مدينة حلب تمثال بمناسبة الذكرى المئوية لوفاته تخليداً لآثاره ومآثره العلمية الفذة.

وفاته-. وفي تموز سنة 1732م رحل إلى عالم الخلود بعد جهاد متواصل في خدمة الفضيلة والعلم والأدب.

 
1732م-
1145هـ-

قصائد أخرى لجرمانوس فرحات

جرمانوس فرحات
جرمانوس فرحات
القصيدة الأولى في مدح السيد المسيح قالها في حلب سنة 1695م معارضا همزية البوصيري (كيف ترقى رقيك الأنبياء) وفيها يضمن البيت:
جرمانوس فرحات
جرمانوس فرحات

القصيدة في الديوان ص7  وقد ختم عروضها بالمقصور وضروبها بالممدود من المقصور ذاته، ألفها سنة 1713م

جرمانوس فرحات
جرمانوس فرحات
ص11 في مدح المطران عبد الله الحلبي معرضا بوقعة عرضت له سنة 1719م منها: