استوقفني منذ مدة أن ترجمة عبد القاهر الجرجاني مختلطة بترجمة أبي عامر الجرجاني التميمي في نشرة الموسوعة لدمية القصر، فرجعت إلى نشرة د. ألتونجي ج1 ص 579 فرأيته قد ذكر أن ذلك في أصل المخطوطة التي اعتمدها وقال معلقا على البيت
وبُمهجتي يا عاذلي قَمرٌ قد شَفَّني في حبّه السَّقَمُ
(من هنا حتى آخر المختارات منسوبة للتميمي في ل كلها، وفي ب1 وب2 وب3) إلا أن المحقق فاته أن ينبه إلى أن السطر التالي وهو قول الباخرزي: (قلت: والله هذا وصفٌ تتطلّع إليه الأحداق، وتتحلّب عليه الأشداق) لا معنى له في سياق كلام الباخرزي، قد ورد بعينه مكررا في ترجمة أبي عامر الجرجاني التميمي، في مكانه المناسب، لذلك قمت في هذه الصفحة بتحرير ترجمة أبي عامر الجرجاني معتمدا نقولات الصفدي وغيره عن الدمية،
قال:
الشيخ الإمام أبو عامر فضل بن إسماعيل التميمي رحمه الله الجرحاني نادرة العصر وناقدة الدهر، ورَيحانُ الروح، وظَرفُ الظرف، وقُرة الطرف. ولمّا قدمتُ جُرجان سنة أربع وأربعين وأربعمائة، زارني زيارةً أفادتني الحُسنى وزيادة، وأطلعَ عليّ جيبُه رأسَ الفضل، وحلّى سَمعي جواره بأقراط الأدب الجزل. واجتنيتُ من عَذَبات أغصانه ثمار الفوائد، دوانيَ القطوف، واتّسعت نحوي بمكانه خطوات الجدِّ القَطوف. ولم أتوصّلْ إلى الغرض من هذا التأليف إلاّ بمعونته واستظهاره. ولم أحمّر في هذا التصنيف إلاّ بانتسابي إلى ظفاره. =قال المحقق: لم أحمّر: أي لم اتكلم الحميرية، وقد قيل: من دخل ظفار حمّر./ عن المستقصى 2/ 355.. وظفار بلدة في اليمن قرب صنعاء بها كان مسكن بني حمير = وإذا سرَّحتَ فيه الناظرَ والتقطت منه الجواهر، تبينتَ بتكرار ذكره فيه أنّ أكثر دُرره من نثار فيه. فممّا كتبت إليه قَولي المرفرف بجناح الشكر عليه فيما جشّم خَطَواته من الاختيال إليّ، وخَطَراتِه من الإقبال عليَّ:تَميمَتي من كُرَبي فَضلُ الفتى ال فضل بنِ إسماعيلَ التَّميمي
لو لم يَزُرْني كان قلبي ضَيِّقاً سَوادُه مثلُ بَياضِ المِيمِ
وما أصدق لهجةَ الإمام عبد القاهر في صفة ظَرفه الظاهر للبادي والحاضر:
إذا ما شئتَ أن تظ هرَ في بَهجتكَ الجدَّهْ
وأنْ يُعطيكَ الوَصلَ سُرورٌ تَشْتكي صدَّهْ
وتَلْقى ظُلَمَ الوَحش ةِ ولّتْ عنكَ مُرتدَّهْ
وأنْ تَنْفيَ عَنْ أجفا ن عينَيْ قلبك الرَّقدَهْ
ففاوِضْ مَن إذا فاوضْ تَ أورى خاطرُ زَندَه
وصادفْتَ بحُسنِ الفَهْ م في نظرته وَقْدَه
وألفَيتَ منَ الإدرا كِ ما تطلبه عندهْ
فلمْ تجْفُ عنِ المغْنى ولم تَشكُ لهُ ردَّهْ
ولكنْ تجِدُ التوفي قَ فيه قاصداً قصدَه
هو الفضلُ بن إسماعي لَ لا تَرجُ فتىً بَعدَهْ
وله أيضاً فيه:
ما أبو عامر سِوى اللطف شيءٌ إنّه جُملةٌ كما هو رُوحُ
كلُّ ما لا يلوحُ من سِرِّ معنىً عندَ تفكيره فليسَ يَلوحُ
فهذا هو المدح اللائق بالممدوح، الفائر منه نسيم الفار المذبوح، المستغني عن الاستغفار منشده، الموصوف بصدق المقال منشئه. وأنشدني أبو الشرف عماد بن علي بن هِنْدو لأبيه أبي الفرج فيه:
هذا سُروري بأبي عامر مُغرِّقي في لُجّهِ الغامِرِ
فتىً إذا جاراهُ في مَفْخَرٍ مُساجلٌ خاطَرَ بالخاطِرِ
النثرُ جسمٌ وهْوَ روحٌ له والنَّظمُ عينٌ وهو كالناظر
بدء ديوان ابي عامر:
فممّا أنشدني لنفسه من شعره الذي يغدو ويروح، ممتزجاً بالروح قوله في الغزل: نفسي الفداء لشادن....إلخ