عبد البر بن فرسان بن إبراهيم بن عبد الرحمن، الغسّاني، الوادي آشي، أبو محمد: وزير من الشعراء الفرسان الأبطال، كان من رجال ابن غانية الميرقي يحيى بن إسحاق في ثورته على المنصور ابن عبد المؤمن، عام581 هـ/ 1185م وبعثه سفيرا إلى دار الخلافة ببغداد أيام المستنصر العباسي، فاحتفلوا به ولم يأبهوا بابن غانية، ترجم له ابن الأبار في "تحفة القادم" قال:
(أبو محمد عبد البر بن فرسان الغسّاني الكاتب: من أهل وادي آش، وأخذ بمالقة عن أبي القاسم السُّهيلي، ثمَّ لحق بإفريقية فكتب ليحيى بن إسحاق بن غانية وحضر معه حروبه، وكان من رجالات وقته براعةً وشجاعة، وأصابته في بعض الوقائع جراحةٌ انتقضت به فهلك منها سنة إحدى عشرة وستمائة، قبل وفاة مخدومه بأزيد من عشرين سنة، فلم يسُدَّ عنده أحدٌ مسدَّه بعد ذلك). ثم أورد له ست قطع من شعره، ونقل الصفدي كلام ابن الأيار بحذافيره في الوافي ولم ينسبه إليه إلا أنه زاد في شعره قصيدتين الجيمية والبائية التي اولها: (متى تتجلى عن بدور المطالب)
واكتفي الحميري في "الروض المعطار" بذكره فيمن ينسب إلى وادي آش وذكر أنه توفي 622 قال:
(منها عبد البر بن فرسان الوادياشي المتصل بعلي بن غانية الميورقي، ثم استوزره بعده أخوه يحيى الطويل الفتنة بإفريقية وجهاتها، وكان صاحب رياسة السيف والقلم، وإليه
تنسب الأبيات المشهورة:
أجبنـاً ورمحـي ناصـري وحسامي | وعجـزاً وعزمـي قائدي وزمامي |
ثم أورد قطعة أخرى انفرد بذكرها عن بقية من ترجم لابن فرسان ثم قال: (ذكره ابن سعيد وابن نخيل، ومات بفزان سنة اثنتين وعشرين وستمائة، ثم قال وهو القائل:
بيـن الحجازِ وبين الغرب قاطعةٌ | من العوائقِ سُدَّتْ دونها الطُّرُقُ |
عَـوفٌ وزُغْـبٌ ودبَّـابٌ وسـالمها | والهَيَّبـون ودومُ البحرِ والغرقُ |
وترجم له ابن سعيد في المغرب واكتفى من شعره بالقطعة التي أولها (امنن بتسريحٍ عليّ فعلّه)
وترجم له المقري في "نفح الطيب" وأورد خمس قطع من شعره قال: وله أخبار كثيرة في الحماسة وعلوّ الهمة. وكان - رحمه الله تعالى - من جلّة الأدباء، وفحول الشعراء، وبراعة الكتّاب، كتب عن ابن غانية الأمير أبي زكريا يحيى بن إسحاق بن محمد بن علي السوفي الميرقي الثائر على منصور بني عبد المؤمن، ثم على من بعده من ذريته إلى أيام الرشيد منهم، وكان منقطعاً إليه، وممّن صحبه في حركاته، وكان آيةً في بعد الهمة، والذهاب بنفسه، والغناء في مواقف الحرب، والجنسية علة الضم، إذ ابن غانية كان غاية في ذلك أيضاً، ووجّه الميرقي المذكور عشية يوم من أيام حروبه إلى المأزق، وقد طال العراك، وكاد الناس ينفصلون عن الحرب إلى أن يباكروها من الغد، فلمّا بلغ الصدر اشتدّ على الناس وذمر أرباب الحفيظة، وأنهى إليهم العزم من أميره في الحملة، فانهزم عدوّهم شرّ هزيمة، ولم يعد أبو محمد إلاّ في آخر الليل بالأسلاب والغنيمة، فقال له الأمير: وما حملك على ما صنعت؟ فقال: الذي عملت هو شأني، وإذا أردت من يصرف الناس عن الحرب ويذهب ريحه فانظر غيري..
وتشاجر له ولد صغير مع تربٍ له من أولاد أميره أبي زكريا فنال منه ولد الأمير، وقال وما قدر أبيك؟ فلمّا بلغ ذلك أباه خرج مغضباً لحينه، ولقي ولد الأمير المخاطب لولده فقال: حفظك الله تعالى، لست أشكّ في أني خديم أبيك، ولكني أحب أن أعرفك بنفسي ومقداري ومقدار أبيك، اعلم أن أباك وجّهني رسولاً إلى دار الخلافة ببغداد بكتاب عن نفسه، فلمّا بلغت بغداد أنزلت في دار اكتريت لي بسبعة دراهم في الشهر، وأجري عليّ سبعة دراهم في اليوم، وطولع بكتابي، وقيل: من الميرقي الذي وجّهه؟ فقال بعض الحاضرين: هو رضا مغربي ثائر على أستاذه، فأقمت شهراً، ثم استدعيت، فلمّا دخلت دار الخلافة وتكلمت مع من بها من الفضلاء وأرباب المعارف والآداب اعتذروا إلي، وقالوا للخليفة: هذا رجل جهل مقداره، فأعدت إلى محل اكتري لي بسبعين درهماً، وأجري عليّ مثلها في اليوم، ثم استدعيت فودعت الخليفة، واقتضيت ما تيسر من حوائجه وصدر لي شيء له حظ من صلته، وانصرفت إلى أبيك، فالمعاملة الأولى كانت على قدر أبيك عند من يعرف الأقدار، والثانية كانت على قدري؛ وترجمته رحمه الله متسعة.
وفي الفصل الذي وصف ابن خلدون دول الأندلس قال بعدما وصف دولة بني عبد المؤمن:
ولم يزالوا في استقامتهم إلى أن خرج عن الدولة بنو غانية المسوفيون أمراء ميورقة، أجازوا البحر في أساطيلهم إلى بجاية فكبسوها سنة إحدى وثمانين وخمسمائة لأول دولة المنصور، وكشفوا القناع في نقض طاعة الموحدين ودعوا العرب بها فعادت هيف إلى أديانها.
وكانت قبائل جشم ورياح وجمهور الأثبج من هؤلاء الهلاليين أسرع إجابة إليها. ولما تحركت جيوش الموحدين إلى إفريقية لكف عدوانهم تحيزت قبائل زغبة إليهم وكانوا في جملتهم ولحق بنو غانية بفاس ومعهم كافة جشم ورياح، ولحق بهم جل قومهم من مسوفة وإخوانهم لمتونة من أطراف البقاع، واستمسكوا بالدعوة العباسية التي كان أمراؤهم بنو تاشفين بالمغرب يتمسكون بها فأقاموها فيمن إليهم من القبائل والمسالك ونزلوا بفاس. وطلبوا من الخليفة ببغداد المستنصر تجديد العهد لهم بذلك وأوفدوا عليه كاتبهم عبد البر بن فرسان، فعقد لابن غانية وأذن له في حرب الموحدين. ..إلخ