أَقسَمتُ إِذا طَلَعَت عَلَيَّ شُموسُها

قدم الأمير لقصيدته هذه بقوله ص22:

بينما أنا ذاهب من سورية إلى الأستانة مبعوثا عن حوران في أيام الحرب العامة، نزلت ضيفاً في طرسوس على سعادة الشهم الأمثل محمد بك راسم من كبار أعيان مصر المقيم هناك وكانت حصلت حادثة على فتاة حسناء تشتغل في معمله القطني، وضويقت الفتاة لأجل جمالها، والبيك المشار إليه لا يعلم بالواقع. فلما بلغه الخبر امتعض ومنع من التعرض لها وجعلها في مأمن من سطوة العاشق. وصادف وجودي هناك فقلت على سبيل المداعبة (ثم أورد القصيدة) ثم قال:

وكانت صورة هذه القصيدة وصلت إلى الشام فبعث إليَّ الأديب الكبير خليل بك مردم بك من سراة دمشق بالأبيات التالية على سبيل المداعبة:

الأبيات 23
أَقسـَمتُ إِذا طَلَعَـت عَلَـيَّ شُموسـُها وَزَهَـت بِهـا الأَرجـاءُ وَهيَ عَروسُها
أَعلـى مَحـلٍّ فـي الجَمـالِ مَحلُهـا وَبِهــا فَأَجمَــلَ بَلـدَةٍ طَرسوسـُها
لَــم أَحســُدِ العُشـّاقَ إِلّا واحِـداً أَحظـاهُ رَبُّ العَـرشِ فَهـوَ جَليسـُها
فـي مَجلِـسٍ يَـدَعُ الحَليـمَ مُرَنِّحـاً ســِيّانَ فيــهِ لِحاظُهـا وَكُؤوسـُها
مــا إِن رَأَتهــا مُهجَـةٌ إِلّا فَـدَت ذاكَ المُحَيّــا نَفســُها وَنَفيسـُها
وَمِـنَ العَجـائِبِ وَهـيَ ريمَـةُ رامَةٍ تَعنـو لَهـا غُلـبُ الرِجالِ وَشوسُها
هِـيَ جُـؤذُرٌ وَلَكُـم سـَبَت مِـن ضَيغَمِ لا يَسـتَبيهِ مِـنَ الجُيـوشِ خَميسـُها
جــارَت عَلَيهـا وَهـيَ بَعـدَ ظُبَيَّـةٌ نَكبــاءُ تَصـطَلِمُ الأُسـودَ ضَروسـُها
فَعَـدا عَلَيهـا مُـذ نُعومَـةِ ظَفرِها خَبَبـاً نَعيـمُ الحادِثـاتِ وَبَوسـُها
بَعـدَ القُصـورِ العالِيـاتِ رَأَيتُها فـي كَسـرِ بَيـتِ قَصـرُها ناموسـُها
بَعـدَ الثَـراءِ الجَـمِّ حُلَّـةُ صـانِعِ وَلِكُـلِّ حـالٍ فـي الزَمـانِ لَبوسُها
تَمضـي لَهـا في الغَزلِ بيضُ أَنامِلٍ ظَلَـمَ الَّـذي هُـوَ بِالحَريرِ يَقيسُها
القَطــنُ يَهـزَاُ بِالـدَمَقسِ بِكَفِّهـا وَالخَــزُّ وَدَّ لَــو أَنَّـهُ مَلموسـُها
فـي الغَـزلِ أَصبَحَ شغلها وَلَنا بِهِ مُتَحَرِّكــاً قِطَــعٌ تَيضــقُ طُروسـُها
يَرجـو المُلـوكَ نَظيرُهـا لِبَنيهِـمُ فَيَعـودُ رَبُّ المُلـكِ وَهـوَ يَئيسـُها
اَحْبَبــتُ عيسـى وَالصـَليبَ لِأَجلِهـا حَتّــى يَكــادُ يَـؤُمُّ بـي قَسيسـُها
وَأُخـالِفُ الشـَيخَ التَميمـي الَّـذي مـا كـانَ يُطـرِبُ سـَمعَهُ ناقوسـُها
لَـو كـانَ شـاهَدَ وَجهَهـا وَعَفافَها مَــعَ حُســنِها مـا آدهُ تَقديسـُها
بَطَشـَت بِنـا وَهـيَ الضَعيفُ بِذاتِها بِطَشـاتِ أَنـوَرَ بِالعِـداةِ يَدوسـُها
هُـوَ ذَلِـكَ البَطَـلُ الَّـذي في ذِكرِهِ أَبَـداً يُضـيءُ مِـنَ الوُجوهِ عَبوسُها
عــادَت بِـهِ الآمـالُ خضـراً نُضـّراً مـن بعـد مـا عم البسيط يبيسُها
أبقــى الإلــه سـُعودَهُ مَوصـولَةً فيهـا تَغيـبُ عَـنِ الدِيارِ نُحوسُها
وَأَراهُ كُـــلَّ الكاشــِحينَ أَذِلَّــةً مَخفوضـــَةً بِــذَرى عُلاهُ رُءوســُها
شكيب أرسلان
89 قصيدة
1 ديوان

شكيب بن حمود بن حسن بن يونس أرسلان.

من سلالة التنوخيين ملوك الحيرة، عالم بالأدب والسياسة،مؤرخ من أكابر الكتاب، ينعت بأمير البيان.

من أعضاء المجمع العلمي العربي، ولد في الشويفات (بلبنان) وتعلم في مدرسة (دار الحكمة) ببيروت، وعين مديرأً للشويفات سنتين فقائم مقام في (الشوف) ثلاث سنوات وأقام مدة بمصر وانتخب نائباً عن حوران في مجلس (المبعوثان) العثماني وسكن دمشق في خلال الحرب العالمية الأولى ثم (برلين) بعدها وانتقل الى جنيف (بسويسرا) فأقام فيها نحو 25 عاما وعاد إلى بيروت فتوفي فيها ودفن بالشويفات.

عالج السياسة الإسلامية قبل انهيار الدولة العثمانية وكان من أشد المتحمسين من أنصارها.

واضطلع بعد ذلك بالقضايا العربية فما ترك ناحية منها إلا تناولها تفصيلاً وإجمالاً وأصدر مجلة باللغة الفرنسية (La Nation Arabe) في جنيف للغرض نفسه وقام بسياحات كثيرة في أوربة وبلاد العرب وزار أميركا سنة 1928 وبلاد الأندلس سنة 1930 وهو في حله وترحاله لا يدع فرصة إلا كتب بها مقالا أو بحثا.

جاء في رسالة بعث بها إلى صديقه السيد هاشم الأتاسي عام 1935 م، أنه أحصى ما كتبه في ذلك العام فكان 1781 رسالة خاصة و176 مقالة في الجرائد و1100 صفحة كُتُب طبعت.

ثم قال:وهذا (محصول قلمي في كل سنة) وعرفه (خليل مطران) بإمام المترسلين وقال: (حضريّ المعنى،بدويّ اللفظ، يحب الجزالة حتى يستسهل الوعورة، فإذا عرضت له رقة وألان لها لفظه، فتلك زهرات ندية ملية شديدة الريا ساطعة البهاء كزهرات الجبل).

من تصانيفه (الحلل السندسية في الرحلة الأندلسية-ط) ثلاثة مجلدات منه، وهو في عشرة، و(غزوات العرب في فرنسة وشمالي إيطالية وفي سويسرة -ط) و(لماذا تأخر المسلمون -ط) و(الارتسامات اللطاف -ط) رحلة إلى الحجاز سنة 1354ه،1935م، و(شوقي، أو الصداقة أربعين سنة-ط)، و(السيد رشيد رضا، أو إخاء أربعين سنة-ط)، و(أناطول فرانس في مباذله -ط)خ لبنان-خ)، و(ملحق للجزء الأول من تاريخ ابن خلدون-ط).

وغيره الكثير.

وله نظم كثير جيد، نشر منه (الباكورة- ط) مما نظمه في صباه، و(ديوان الأمير شكيب أرسلان- ط).

1946م-
1366هـ-

قصائد أخرى لشكيب أرسلان