جلل أصابك والخطوب جسام

القصيدة في حض أهل مصر على النهوض لتحرير دمياط قدّم لها ابن رشيد بقوله:

ومن نظم شيخنا أبي اليمن رضي الله عنه مما قاله عند موافاته المنصورة، تحريضا للمجاهدين، وتحضيضا للمتثاقلين إلى الأرض، أن ينفروا في سبيل الله، والقاعدين، من قصيد في قضية دمياط عام 647، أفادها لنا صاحبنا الوزير أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بن أبي القاسم عنه: (ثم أورد القصيدة ثم نقل عن الوزير قوله رواية عن أبي اليمن:

لما كان في وقيعة دمياط عام هياط ومياط، واشتد الحال في بعض الأيام، وعاين الناس وقع الحمام، تقدم رضي الله عنه للقتال مع رفيق كان له، وهبا أنفسهما له، فاستشهد رفيقه وخلص هو جريحا، بالعوم فقال: شيء وهبته لله فلا أرجع فيه فغادر الأهل والوطن، واقتعد غارب الغربة إلى محل الأنس، حرم الله الشريف، فتبوأه دارا ووالي مدة عمره حجا واعتمارا، وزيارة إلى المصطفى، إلى أن توفي على ذلك، وقد قضى من ذلك لبانات وأوطارا رَحِمَهُ اللَّهُ عليه

الأبيات 89
جلـــل أصـــابك والخطــوب جســام فـــالقلب دام والـــدموع ســـجام
ومصـــيبة عظمـــت وخطـــب فــادح ذهلـــت لـــه الألبــاب والأفهــام
أضــحى بــه الإسـلام منفصـم العـرى يجنـــى عليـــه برغمهــا ويضــام
وشـــكت شــريعة أحمــد لمــديلها جــور الألــى إذلالهــا قـد سـاموا
كسـفت لـه الشـمس المنيـرة واغتدى وجــــه الصـــباح وقـــد علاه ظلام
لبســت لــه الأيــام ثــوب كآبــة فلحزنهـــا حـــتى الممـــات دوام
ذهبــت بشاشــة كــل عيــش ناضــر فعلــى التهــاني والســرور ســلام
فــالروض لا نضــر ولا خضــل الربـى مــا مــاس فيــه للغصــون قــوام
لـم يسـر فيـه لنـا النسـيم معطرا والــدوح مــا غنــى عليــه حمـام
وتعطلــت ســبل اللســان فلا هــوى مســـتعذب فيـــه جـــوى وغـــرام
هجــر الحــبيب فلا وصــال يرتجــى منــــه ونقــــض وداده إبــــرام
وتقطعــت ذمــم المــودة وانقضــى زمــــن الســــرور كــــأنه أحلام
وغــدا الزمـان كمـا تـراه وثغـره لا ضـــــاحك فرحــــا ولا بســــام
يـا ناصـري الـدين الحنيـف أهكـذا عنكـــم يجـــازى ديننــا الإســلام
أســلمتموه إلــى الصــغار وأبتـم والعـــار مقــترن بكــم والــذام
خـــارت عزائمكــم وشــتت جمعكــم وتقطعـــت مـــا بينكـــم أرحــام
أيــن الحــروب المتقــى سـطواتها منكمــ؟ وأيــن الكــر والإقــدام؟
أيـن الصـواهل ضـمرا؟ أيـن البـوا ســـل زؤرا والفـــارس المقـــدام؟
أيـن الصـوارم شـرعا؟ أيـن الـذوا بــل رعفـا؟ أيـن الفـتى الهمـام؟
أيــن الـذي قـد بـاع مهجـة نفسـه للهــ؟ فهــو علــى الـردى حـوام؟
أين الكريم الخيم؟ أين أخو الوغى؟ أيـن الـذين عـن العـدى ما حاموا؟
لا تضـــعفوا جبنـــا ولا تتهيبــوا مــــن شــــأنه الإذلال والإرغـــام
لكــم الكرامـة والمهابـة والحجـا والأيـــــــــــــد والآراء والأحلام
لكــم المثوبـة والجـزاء المرتضـى وعليهـــــم الآصــــار والآثــــام
أنتـــم برضـــوان الإلــه وقربــه منهــــم أحــــق وفيكــــم الأعلام
كــم فيكــم مــن باســل فتكــاته يحنــو لــديها الصــارم الضمضـام
ومدجــج يـوم الكريهـه مـا اجتلـى إلا وقـــد نـــثرت عليــه الهــام
خـــواض غمــرة كــل مــوت كافــل ديــــن الإلـــه بنصـــره قـــوام
يــردي الفــوارس معلمـا لا ناكصـا يــوم الهيــاج إذا الحـروب تقـام
ويشــن فــي الأعــداء غـارة بأسـه فلنـــار عزمتـــه يشـــب ضـــرام
ومــدرعين إذا الـردى يـوم الـوغى شـــيمت بـــوارقه وحـــم حمـــام
لبسـوا القلـوب على الدروع وجردوا العزمــات فهــي لهــم لعمــرك لام
بــذلوا نفوســهم لنصــرة دينهــم فلهـــم عليـــه حرمـــة وذمـــام
رامـوا النعيـم السـرمدي فأبعـدوا فـــي نيلــه مرمــى وعــز مــرام
جنحوا إلى العلياء فاهتجروا المنى فعلـــى جفــونهم المنــام حــرام
قـد أعربـوا لغـة الـردى في لحنهم فلهــــم بألســـنة الرمـــاح كلام
أفعــالهم تبنــى علــى حركاتهــا كســر العــدى والحــذف والإدغــام
إخــوان صــدق منهـم مـن قـد قضـى نحبــا ومنهــم مــن لــه يســتام
بــاعوا النفـوس فحبـذا مـن مشـتر رب لــــديه الــــبر والإنعــــام
فعلـــى نفوســهم الزكيــة رحمــة مــــن ربهــــم وتحيـــة وســـلام
وعلــى وجــوههم البهيـة نضـرة ال إجلال موصــــول بهــــا الإكــــرام
جنـــات عـــدن فتحـــت أبوابهــا لهـــم ومثـــوى حظـــوة ومقـــام
أرواحهــم تحيــا وتحــبر بـالمنى وكأنمـــا لـــم تـــألم الأجســام
وســقوا شــرابا مــن رحيـق سلسـل عــذب لــه المســك السـحيق ختـام
يستبشــــرون بنعمــــة وكرامـــة مــن ربهــم هــذا النعيـم التـام
حضــروا حظيــرة قدســه فتنعمــوا بجـــواره فهـــم لـــديه كـــرام
هـذي المعـالي هـل لهـا مـن طالب؟ هــا أنتــم عنهــا الغـداة نيـام
هــذي الســعادة قـد أضـل سـحابها بــــدت الطلــــول ولاحـــت الأعلام
هــذي جنــان الخلـد تحـت سـيوفكم وبهـــا إليكـــم لوعـــة وهيــام
تجلــى عليكــم حورهــا وقصــورها ويشــــوقها شــــعث بكــــم وكلام
وتنفســـت أنفاســـها مســـكية ال نفحـــات لا ضــال الحمــى وخــزام
ربحـــت تجــارتكم ألا فاستبشــروا هاتيـــك ســوق المكرمــات تقــام
يــا أخــوة الإســلام كيــف قعـدتم عـن نصـرة وأرى العـدى قـد قـاموا
ورقـــدتم عنهـــ، وعيـــن عــدوه بــالبغي والظفــران ليــس تنــام
عــدمت نفوســكم الأبيــة نخـوة ال إيمـــان فهـــي لــذاك ليــس تلام
أم هــل تــرى رضـيت بذلـة دينهـا فلهـــا المذلــة منــه والإجــرام
أمســت مســاجدكم كنــائس لا يــرى فيهــا لكــم عنــد الصــلاة زحـام
لا يســمع التــأذين فــي عرصـاتها خــوف العــداة، ولا الصــلاة تقـام
رفـع الصـليب علـى المنابر وانبرى النـــاقوس فيـــه بشـــركهم إعلام
وغــدا منـار الحـق منهـدم البنـا فــــالحرم حــــل والحلال حـــرام
درســت رســوم العلـم فهـي محيلـة وتبـــدلت مـــن بعـــده الأحكــام
وتحكمــت فـرق الضـلالة فـي الهـدى فتصـــــــيدت آســـــــاده الآرام
فــالبيت والأركـان ينـدب ركنـه ال واهــي القــوى والحــج والإحــرام
والحجــر والمسـعى ومـروة والصـفا والأبطحــــان وزمــــزم ومقــــام
مــا طــل نعمــان الأراك ولا ســقى مــن بعــده وادي العقيــق غمــام
وتغيـــرت صـــفة الزمــان لأجلــه وتنكـــرت مـــن بعـــده الأيـــام
فالشـمس تبـدو اليـوم غيـر منيـرة حزنـــا، ومـــا زان الهلال تمــام
ونبيهــا الهـادي بطيبـة قـد شـكا بــث الجــوى، فجــواه ليـس يـرام
نســـخت شـــرائعه، وبــدل دينــه وانحــل مــن ســلك الزمـان نظـام
يـا عصـبة التوحيـد كيـف تحكـم ال ثـــالوث فيكـــم والعلــى أقســام
وعلا علــى الحــق اليقيـن لـديننا مـــن دينــه البهتــان والإيهــام
ميلـوا عليـه واسـتعينوا واصـبروا لا تــــدبروا ولتثبـــت الأقـــدام
وترقبـوا النصـر العزيـز وأوبة ال فــــرج القريــــب فربنــــا علام
لابـــد مــن يــوم يشــيب لهــوله فــود الوليــد ويفشــل الضــرغام
لا تمــتروا فــي هلـك قـوم كـذبوا فلســوف يــا قــومي يكــون لـزام
يــا مــدعي ديــن المســيح وإنـه ليطــول منــه لمــا ادعـوه خصـام
غيرتــم ديـن المسـيح ومـا انتحـى موســى ومــا قــد ســن أبراهــام
وحســـدتم خيــر البريــة أحمــدا فلنعتـــه فـــي كتبكـــم إبهــام
هيهــات نــور الشـمس ليـس بمختـف والمســـك كيـــف كتمتـــه نمــام
منـــا عليــه صــلاة صــادٍ صــادق ولنــا بــه بــرق الســعود يشـام
يـا بـاعث المختـار مـن خير الورى فهـــو الـــذي للمتقيـــن إمــام
يــا خيــر مســئول وأكــرم منعـم ومريـــد مـــا تجــرى بــه الأقلام
يــا كاشــف الغمـاء يظلـم خطبهـا فلهــا علــى ســعة الفضـاء ركـام
انصــر شــريعتنا، وســدد أمرنــا فلنــا الحراســة منــك والإعظــام
عجــل دمــار الكــافرين وأردهــم حــتى يكــون لهــم بنـا استعصـام
وأتــح لهــم محنــا تأجـج نارهـا يبـــدو عليهـــا زفـــرة وقتــام
واحلــل عزائمهمــ، وشــتت جمعهـم حـــتى يـــرى لوجـــودهم إعــدام
وأذل عزتهمــــ، وخيـــب ســـعيهم ليكـــون منهــم للــردى استســلام
وارأب ثــأى الإســلام واجـبر كسـره حـــتى يعـــود وشـــمله ملتـــام
أبو اليمن ابن عساكر
29 قصيدة
1 ديوان

عبد الصمد بن عبد الوهاب بن الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الحسن بن هِبَةِ اللَّهِ الدمشقي،أمين الدين أبو اليمن المعروف بابن عساكر الشافعي نزيل مكة: شيخ الحجاز في عصره وأحد أبطال معركة تحرير دمياط (1) من الفرنسيس ومؤرخ وقائعها وجده زين الأمناء الحسن بن محمد هو ابن أخي الحافظ ابن عساكر (علي بن الحسن بن هبة الله) صاحب تاريخ دمشق.

ترجم له الرحالة ابن رُشيد السبتي في "ملء العيبة" ترجمة مطولة ضمنها الكثير من شعره ثم قال: (وشعره رضي الله عنه كثير، وقد كتبنا منه جملة في غير هذا الموضع تركناه هنا اختصارا) وكان قد التقاه في ذي الحجة عام 684هـ قبل وفاته بسنة وخمسة أشهر.

قال: أبو اليمن العالم المحدث الأديب الشاعر الشيخ . سمع من جده زين الأمناء أبي البركات الحسن بن عساكر، والموفق بن قدامة والمجد محمد بن الحسين القزويني، وأبي القاسم بن صصرى وأبي محمد المنى، وجماعة بدمشق والقاهرة والإسكندرية وخلق ببغداد، وأجاز له المؤيد بن محمد الطوسي، وأبو روح عبد المعز بن محمد الهروي، وأبو محمد القاسم بن عبد الله الصفار، وإسماعيل بن عثمان القارئ، وعبد الرحيم بن أبي سعد السمعاني، وزينب بنت عبد الرحمن الشعري، في آخرين، وحدث بالكثير، وله تأليف كثيرة وشعر حسن، وخط جيد، وكان ثقة فاضلًا عالما، جيد المشاركة في العلوم، بديع النظم، صاحب دين وعبادة وإخلاص، وكل من يعرفه يثني عليه، ويصفه بالدين والزهد، وجاور أربعين سنة، وكان شيخ الحجاز في وقته، ورحل به أبوه إلى العراق سنة أربع وثلاثين، فسمع بها مع أبيه تاج الدين، ثم حج من بغداد سنة خمس وثلاثين، ورجع إلى الشام ونال بها وبمصر الرتبة العليا، والجاه العظيم عند السلطان، ولم يزل كذلك إلى عام سبعة وأربعين وست مائة، حتى وصل الفرنسيس إلى الديار المصرية في العام المعروف بعام دمياط ...إلخ

وترجم له الحافظ ابن فهد في كتابه "لحظ الألحاظ" قال ما ملخصه: (الإمام العلامة الحافظ الزاهد أمين الدين الدمشقي ثم المكي: مولده في سنة أربع عشرة وستمائة وكان قوي المشاركة في العلوم لطيف الشمائل بديع النظم خيرا صالحا صاحب صدق وتوجه، اعتنى من صغره بالعلم خصوصا الحديث ... وانقطع بمكة المشرفة نحوًا من أربعين سنة ومات بالمدينة الشريفة -على الحالِّ بها أفضل الصلاة والسلام- في جمادى الأولى سنة ست وثمانين وستمائة -رحمه الله تعالى).

(1) انظر في ذلك قصيدته الميمية قبل الحرب وأولها:

جلــل أصــابك والخطـوب جسـام فــالقلب دام والــدموع سـجام

وقصيدته الرائية في وصف النصر وأولها:

أما شاقكم روض القتال وقد سرى إليكـم نسـيم النصـر وهو معطر

وكان ذلك يوم 21/ صفر/ 647هـ الموافق 4/ 6/ 1249م ولا تزال دمياط حتى اليوم تحتفل بهذا النصر، وباعتقالها لويس التاسع عشر قائد الحملة الفرنسرية وسجنه في دار فخر الدين ابن لقمان (كاتب الإنشاء) كما وصف ذلك الشاعر جمال الدين ابن مطروح في قصيدته:

قـــل للفرنســـيس إذا جئتـــه مقــال صــدق مـن قـؤول نصـيح

وهذه المعركة أشهر معارك الفرنجة بعد حطين وقد ذكرها دانتي في "الكوميديا الإلهية" أما لويس التاسع عشر فاسمه في التاريخ العربي (ريد إفرنس) وترجم له الصفدي باسمه (بولش) وترجم له ابن تغري بردي في المنهل الصافي باسم (بواش) ووفاته عام (661هـ) وكانت جيوش مصر بقيادة بيبرس في أول أيام شجرة الدر وكان زوجها الملك الصالح نجم الدين أيوب قد توفي أثناء محاصرة دمياط وكان ابنه الملك المعظم تورانشاه خارج مصر فلما عاد اغتيل أثناء الاحتفال بالنصر. والمنصورة التي تذكر في أخبار دمياط هي قلعة بناها والد نجم الدين أيوب بالقرب من دمياط لتحريرها من يد الفرنجة انظر حديث ابن خلدون المفصل عن هذه الوقعة عن طريق البحث عن: (وكان أبوه قد اتخذ لنزله هنالك قلعة سماها المنصورة)

1287م-
686هـ-

قصائد أخرى لأبي اليمن ابن عساكر

أبو اليمن ابن عساكر
أبو اليمن ابن عساكر

 القطعة من شعر أبي اليمن في ترجمته في كتاب "العقد الثمين" للفاسي (الترجمة رقم (1812) وقدم لها بقوله:

أبو اليمن ابن عساكر
أبو اليمن ابن عساكر

القصيدة من شعر أبي اليمن في ترجمته في كتاب "العقد الثمين" للفاسي (الترجمة رقم (1812)

أبو اليمن ابن عساكر
أبو اليمن ابن عساكر

القصيدة من شعر أبي اليمن في ترجمته في كتاب "العقد الثمين" للفاسي (الترجمة رقم (1812)

أبو اليمن ابن عساكر
أبو اليمن ابن عساكر

القصيدة من شعر أبي اليمن في ترجمته في كتاب "العقد الثمين" للفاسي