رفعت بدمع العين حكم عواذلي

جاءت هذه القصيدة في كتاب تعريف الخلف برجال السلف للحفناوي ج2 ص 318  وقد قدم لها بقوله: (ولابن الشاهد المذكور المدعو بأديب العصر وريحانة المصر مادحا الإمام الهمام خاتمة المحققين سيدي محمد البناني الفاسي لما وصلته حاشيته على الزرقاني وانتفع بها الخلق وتلقتها أكابر المشايخ بالقبول بقصيدة بديعة وضمن أبواب المختصر فيها فقال ولله دره)

ومحمد البناني الفاسي هو أحد أشهر علماء فاس ترجم له الكتاني في كتابه فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات يقول: (خاتمة المنفردين بتحقيق توجيه أحكام القراءات بالمغرب، العالم النحوي التصريفي الجليل أبو عبد الله محمد ابن عبد السلام بن محمد بن العربي بن يوسف بن عبد السلام الفاسي لقباً وداراً المتوفى بفاس سنة 1214 عن نحو 85 سنة، وهو آخر أعلام الشجرة الفاسية، وكتابه " المحادي في علم القراءات " أوسع ما كتبه من تأخر في هذا العلم...)

وكما ترون فإن بعض الأبيات ناقصة وتتخللها فراغات أشير بها إلى أنها هكذا وجدت في الأصل، وفي بعض الأبيات ما ظاهره لحن، وهو في الحقيقة من الألغاز النحوية كقوله: (كي يدركونها) لأن "كي" إذا كانت بمعنى كيف لم تنصب المضارع، فيقال هي كيف نفسها بسقوط الفاء، ومنه بيت الشواهد:

الأبيات 61
رفعـت بـدمع العيـن حكـم عـواذلي ومطلقــه فــي الخـد غيـره الـدم
دم طــاهر ســود العيــون سـفكنه إزالتــه عــن ميــت الحـب تحـرم
نقضـتُ عهـود الصـبر عنكم وها أنا غسـلتُ سـواد العيـن نوحـا عليكـم
بأعتـابكم مسـح الخـدود يلـذ لـي ومـن لـم يجـد مـاء اللقـا يتيممُ
وإن خــاف مـن ذاك الجمـال فـإنه تحيــض العـذارى إن رأتـه وتسـقم
لـو اخـترت أوقاتـا تليـق بوصلكم لأذن فيهـــا ألــف واش وأعلمــوا
وأغـرب مـا فـي الأرض يلقـى طهارة مـن الرقبـا مـا أصعب الستر منهم
أحــن إذا اسـتغنيت مغنـاكم ومـن فــرائض شــوقي مــن قيـام أسـلم
وأقـض مرامـا لـم أكـن عنه ساهيا وأســجد فـي تلـك البقـاع وألثـم
خـذوا مهجـتي والأخـذ نفلٌ وأشهدوا جماعــة قــومي أنكـم فيـه أكـرم
لـو اسـتخلفت روحـي بكـم بدلا فما أقصر في اقضابها وهي أظلم
جمعـت إلـى حمـل الهوى خوف هجركم أعيـدوا رضـاكم فهـو عيـد وموسـم
فلا كســفت منكــم شــموس منيــرة وســقاكم دمــع مـن العيـن مسـجم
فكـم مـات مـن شـوق لكم إذ منعتم زكـاة نصـاب الحسن صب متيم
وليـس لكـم فـي الحـب مثلـي مصرف وفطــري مــن صـوم المحبـة يحـرم
ولـو منـع الأعـداء منهـا قطعتهـا
تبــاح دمــاء منهـم لـو تعرضـوا لصــاروا ضــحايا للوحــوش تقسـم
يمينـا علـى مـا قلتـه بالذي حوى كتـــاب بنـــاني فـــاس مــترجم
ونــذرا يمشــي نحــو أرض تضــمه إذا لـم أجاهـد فيـه عقلـي فيفهم
وأضـرب مـن جـدي علـى العجز جزية فأســبق قومــا بالتعصــب قـدموا
لقـد خـص من أنشاه بالعلم فابتنى علــى الغيــد مــن إبكــاره ...
بــه رضــيت بعـد الخيـار فكلمـت بــه عتقهــا مــن رق مـن يتعلـم
وأصــدقها مــا حــاز دون منـازع مـن الفهـم والحـد الذي ليس يسأم
وأولـم بـالتحقيق في الدرس قاسما مكــارمه إذ غيــره ليــس يقســم
ولـو سـألته النفـس خلعـا أجابها فطلقهــا فـي نيـل مـا هـو أكـرم
ووالـى التقـى مـأوى وفـوض أمـره إلـى اللـه فـي الدنيا وذلك أسلم
ولمـا يراجعهـا وآلـى مـن الهـوى وظــاهر مـن كيـد اللعيـن الـذمم
بمثلــك تعتــد الرياســة واحـدا ومثلـــك مفقــود ومالــك تــوأم
ليسـتبرئ الـدهر الليـالي فإنهـا حبــالى وإتيانــا بمثلــك تزعـم
فلا مــوجب والجهــل عـم انتشـاره تراضـعه قـوم مـن الرشـد قد عموا
وقـد أنفقـوا الأعمار فيه فأصبحوا رقيقــا عليهــم للجهالــة ميسـم
وبـاعوا الحيـا واسـتبدلوه بضـده فـأربوا علـى فرعـون ثـم هـم هـم
ومـا منعـوا علمـا من العلماء بل إذا عظــم المطلـوب قـل المسـاوم
ولــو أن للعلــم الخيـار بـأهله زوى ربحـــه عمــن بــه يتلعثــم
وكــل بنــاء مــا تنــاول شـكله أساســا مكينـا عـن قريـب سـيهدم
ومــا لاختلاف المسـلمين سـوى فـتى بفــاس مقيــم نعــم ذاك المخيـم
لقــد أقــرض الأيـام حاشـية غـدت فريـدة هـذا العصـر تعلـو وتكـرم
وليــس لهـا يـوم القصـاص مثوبـة سـوى جنـة الفـردوس واللـه أكـرم
غــداة تــوفى كــل نفــس رهينـة بمـا كسـبت والـدين يقضـى ويغـرم
أزلـت بهـا حجـرا علـى كـل عـالم تصــدر للإفتــاء والشــرح مبهــم
وأصــلحت ســهوا فيـه دون إحالـة وضــامنك النقـل الصـحيح المسـلم
وقلــت ولــم تـترك مقـالا لقـائل بغيــر شــريك فســخه لــك تلـزم
وإذ صـرت بـالتحقيق فيهـا مـوكلا أقـــر لـــك الأعلام أنــك أعلــم
وكـــل دعــي فقهــه بــك ملحــق وإن قـــل مــا أودعتــه ســيعظم
أعـرت شـيوخ العصـر منـك محاسـنا وبعــض علــى غصـب المحاسـن صـوم
مـتى يسـتحقون المعـالي ولـم يكن شـفيع لهـم فـي نيلهـا حيـن تقسم
ومـا ضـربوا في الأرض كي يدركونها وبـالكبر عـن سقي المحابر أحجموا
ولكنهــم ظنــوا المــواهب أجـرة علـى قـدر تكـبير العمـائم تقسـم
بهــائم للأســفار تكــرى لحملهـا وحمــامهم يــوم الجــزاء جهنــم
جعلـت علـى القلـب المـوات تميمة حواشــيك لمــا أن وقفــت عليهـم
جــواهر منهـا يـا حكيـم وهبتهـا لملتقــط والشــرح كنــز مطلســم
علــى مشــرق فيهـا قضـيت لمغـرب ومنـــك ومنهـــا شــاهد ومحكــم
ســفكت دمــاء الحاسـدين بحسـنها كـذاك الـذي يبغي على الناس يقصم
إذا ارتـدت الأفهـام عنـد اختلافها إليهـــا ففيهــا مرشــد ومعلــم
فمـا وطـء الغـبرا ولا قـذف الحصى بخيـف منـى فـي فنهـا منـك أعلـم
ولــو أن يمنــى سـارق أو محـارب تلـي كتبهـا كانت على القطع تكرم
ومنهــا تعرفنــا الحـدود كأنهـا إلـى منتهـى مـا لابـن عرفـة سـلم
محــررة لـو كـان تـدبير مـا بـه كتابتهـا لـي قلـت بـالتبر ترسـم
هــي الأم فـي تـدوين مـذهب مالـك مــدونها المــولى الأجـل المعظـم
ألا إن مــن أوصــى بنيـه بحفظهـا وورثهــم تحقيقهــا فهــو أحــزم
وكـانت فهـوم الشـرح مشـكلة ومـذ أتتنــا فلا إشــكال واللـه أعلـم
محمد بن الشاهد
4 قصيدة
1 ديوان
محمد ابن الشاهد: مفتي وشاعر جزائري،  من أعلام النصف الأخير من القرن 12ه والأول من القرن 13ه

القرن 18 م   وصفه معاصره المؤرخ الفقيه الشهير محمد أبو راس الناصر المعسكري الجزائري (1165-1238 ه) في مخطوط فتح الإله ومنته بقوله: عالم الجزائر، وقطب رحاها، فقيها علامة، حافظا بارعا، ناظرا، مفتيا، مدرسا محققا. ونعته الحفناوي في كتابه "تعريف الخلف برجال السلف" بأديب العصر وريحانة المصر

عاش في النصف الثاني من القرن الثاني عشر للهجرة (18م) والنصف الأول من القرن الثالث عشر، ولا نعرف بالرغم من شهرته بين معاصريه تاريخ مولده ولا وفاته، غير أن بعض قصائده المؤرخة تجعلنا نضع تاريخا تقريبيا لمولده وهو 1150 ه ولوفاته أيضا حوالي سنة 1260م.

تولى عدة وظائف دينية وعلمية في مدينة الجزائر، فبدأ حياته العلمية مدرسا في جامع حسين ميزمورط باشا وفي الجامع الكبير وجامع علي باشا، كما شغل وظيفة الفتوى على مذهب الإمام مالك، لا ندري إن كان تقلد وظائف أخرى. عاشت الجزائر في عصره اضطرابات عدة أهمها الغارات الأجنبية الأوروبية والاحتلال الفرنسي للجزائر سنة 1830م الذي وصفه في أحد قصائده، وقد كان من الشعراء القلة المجيدين في العصر العثماني، غير أن ديوانه ضائع، كما لم يتناوله أحد حياته بالدرس حتى الآن، وهناك إشارات عنه في الأرشيف الجزائري العثماني. وتشير الوثائق إلى أنه عرف في نهاية حياته فقرا مدقعا، وقد تدهورت صحته كما أصيب بالعمى، وعاش على الصدقات التي يحصل عليها من أوقاف الجامع الكبير، وقد عمر كما يبدو زهاء مائة سنة.

بالتصرف عن كتاب "تجارب في الأدب والرحلة"، أبو القاسم سعد الله، المؤسسة الوطنية للكتاب،  الطبعة الأولى 1983.

1844م-
1260هـ-

قصائد أخرى لمحمد بن الشاهد

محمد بن الشاهد
محمد بن الشاهد

أورد هذه القصيدة أبو القاسم سعد الله في كتابه (تجارب في الأدب والرحلة) وأشار إلى أنه نقلها من نص نشره السيد فانسان في المجلة الأسيوية سنة 1839 م يقول فيه إن ابن الشاهد نظم مجموعة كبيرة من شعر الرثاء وغيره من الأغراض الاجتماعية الخفيفة التي يحب مسلمو

محمد بن الشاهد
محمد بن الشاهد
كتب الشاعر هذه القصيدة في مدح أحمد الغزال، متأثرا بقصيدة الغزال في مدح شيخهما ابن عمار التي يقول في مطلعها  (روينا أحاديث الألَى ورثوا العلا=قديما ففازوا بالثناء المؤبد)  (فقيل أناس قد تقضى زمانهم=فهل
محمد بن الشاهد
محمد بن الشاهد

هذه الأبيات من قصيدة في التوسل لله، جاء مطلعها في كتاب تجارب في الأدب والرحلة لأبي القاسم سعد الله ، ونقلت نصها الكامل عن أحد مواقع الزاوية التجانية بالجزائر وهي من القصائد المشهورة التي لا تزال تنشد في أوساطهم إلى يومنا هذا كانون الثاني (2017)