ألا قل للـسري بن السري

جاء نص القصيدة كاملا في كتاب "رحلة العبدري المسماة الرحلة المغربية"، وفيها يصف أبو علي الحسن بن الفكون رحلته من "قسنطينة" إلى "مراكش" وما مر به من مدن، وقد نقدها العبدري في رحلته من "حاحة" بالمغرب إلى بلاد الحجاز والشام وعارضها بقصيدة من نفس رويها اختتم بها رحلته، مطلعها: (عليك النصح رده بكل حي=وإن ألفيت وارده فحي).

وأبو البدر هذا هو كما قال العبدري في رحلته التي كانت سنة 668ه=1289م (وسألته –يعني الشيخ أبى علي ابن بادس المتقدم ذكره- عن الأديب أبي علي حسن بن علي بن محمد القسنطيني المعروف بابن الفكون فذكر لي أنه أدركه وهو طفل صغير ولم يحفظ له مولدا ولا وفاة ورمت أن أجد من أروى عنه قصيدته المشهورة في رحلت من قسنطينة إلى مراكش فلم أجده فقيدته هنالك غير مرورية. وكان القسنطيني كتب بها إلى أبي البدر مردنيش وهو بقسنطينة وهي هذه.)اهـ

فهل هو أبو القمر هلال بن محمد بن سعد المعروف بابن مردنيش، يقول عنه الزركلي في الأعلام (وخلفه ابنه أبو القمر (هلال بن محمد) وكان محمد ابن سعد قد اوصى، فبيل وفاته، بتصيير ملكه إلى يوسف بن تاشفين، بعد عدائهما الشديد ؛ فرعى ابن تاشفين حق الوصية، وجعل أبا القمر من خاصته، وتزوج أختاً له (سنة 570) وولى عمه على بلنسية وجهاتها) والمذكور أيضا في المعجب في تلخيص أخبار المغرب للمراكشي ص72.

الأبيات 32
ألا قــل للـــسري بــن السـري أبـي الـــبدر الجواد الأريحي
أيـا معنـى السـيادة والمعالي ويـا بحـر النـدى بـدر النـدي
أمــا وبحقــك المبـــدي جلالا ومـا قـد حـزت مـن حسـب علـي
ومـا بينـي و بيــنك مـن ذمام ومــا أوتيــت مـن خلـق رضـي
لقـد رمـت العيـون سـهام غنـج ولــيس ســوى فـؤادي مـن رمي
فــحسبك نـار قلـبي مـن سـعير وحــسبك دمـع عينـي مـن أتـي
وكنـــت أظــن أن النـاس طـرا ســــوى زيـد و عمـرو غير شي
فلمــــا جئت ببلــة خيـر دار أمـــــــالتني بكـل رشى أبي
وكــم أورت ظبـاء "بنـي ورار" أوار الـــشوق بـالريق الشهي
وجــئت "بجايـة" فجلـت بـدورا يضـيق بوصفــــها حـرف الروي
وفـي أرض الجــزائر هـام قلبي بمعــــسول المراشــف كـوثري
وفـي "مـــليانة" قد ذبت شوقا بلــــين العطف والقلب القسي
وفـي "تنسـ" نســيت جميل صبري وهمـــــت بكـل ذي وجـه وضـي
وفــي "مازونــة" مـازلت صـبا بوســـنان المحــاجر لــوذعي
وفـي "وهـران" قد أمسيت رهـنا لظـامي الخصــــر ذي ردف روي
وأبـدت لـي "تلمسـانٌ" بــدورا جلبن الشوق للقلـــب الخــلي
ولمـا جئت "وجـدة" همـت وجـدا بمــــــنخنث المعـاطف معنـوي
وحـل رشـا "الرباط" رشى رباطي و تيمنــي بـــــطرف بابــلي
وأطــلع قطـر "فاسـٍ" لي شموسا مــــغاربهن فـي قلـب الشـجي
ومــا "مكناســة" إلا كنــــاس لأحــوى الطــرف ذي حسـن سـني
وإن تسـلا عـن أرض "سـلا" ففيها ظبــــاء صـائدات للـــــكمي
وفـي "مــــراكش" يا ويح قلبي أتـي الـوادي فطمّ على القـري
بــــدور بـل شـموس بـل صـباح بهـــــي فـي بهــي في بهــي
أبحـــــن مصـارع العشـاق لما ســعين بــه فكــم ميـت وحـي
بــــــقامة كـل أسـمر سـمهري ومقلــة كــل أبيــض مشــرفي
إذا أنسـوني الوالـدان حــسنا أنسـّيهم هـــــــوى غيلان مـي
فهـا أنـا قد تخذت الغرب دارا و أدعـــى اليـوم بالمراكشـي
علــى أن اشـتياقي نحـو زيــد كشـوقك نحـو عمرو بالســــوي
تقســمني الهـوى غربـا وشـرقا فيـا للمشرقي المـــــــغربي
فلــي قلـب بـأرض الشـرق عـان و جســم حــل بـالغرب القصـي
فهذا بالغدو يهيـــم غربــــا وذاك يهــــيم شـرقا بالعشـي
ولـولا اللـه مـت هوى ووجـــدا وكــم للــه مــن لطـــف خفـي
أبو علي ابن الفَكّون
4 قصيدة
1 ديوان

الحسن بن علي بن عمر الفَكّون أبو علي القسنطيني نزيل مراكش: شاعر  من كبار أدباء عصره ترجم له الإمام الذهبي في التاريخ في وفيات سنة 630هـ قال: (الحسن بن عليّ بن ألفكون. أبو علي، القسنطينيّ. رئيس الكتّاب، وعلم الآداب. قال ابن مسدي: انقاد العلم إلى بنانه، وسلّم قسٌّ إلى بيانه، فبذّ أهل زمانه نظماً ونثراً، ونفث في الأسماع سحراً. لقيته ببجاية، ومات على رأس الثلاثين، وله نيّف وستون سنة).والفكون على وزن الحسّون.

وترجم له الغبريني في "عنوان الدراية" قال: أبو علي الحسن بن الفكون من الأدباء الذين تستظرف أخبارهم، وتروق أشعارهم. غزير النظم والنثر، وكأنهما أنوار الزهر. رحل إلى مراكش وامتدح خليفة بني عبد المؤمن وكانت جائزته عنده من أحسن الجوائز. وله "رحلة" نظمها في سفرته من قسنطينية إلى مراكش، ووافق في مقامه بمراكش طلوع الخليفة لزيارة قبر الإمام المهدي رضي الله عنه فنظم في ذلك. وله ديوان شعر، وهو موجود بين أيدي الناس ومحبوب عندهم. وهو من الفضلاء النبهاء، وكان مرفع المقدار، ومن له الحضوة والاعتبار. وكان الأدب له من باب الزينة والكمال، ولم يكن يحترف به لإقامة أود أو إصلاح حال. واصله من قسنطينة من ذوي بيوتاتها، ومن كريم اروماتها. وتواشيحه مستحسنة) ومن مشاهير أحفاده فيما يذكر المقري في "نفح الطيب" الشيخ عبد الكريم الفكون (1)

والخليفة المذكور في كلام الغبريني هو المنصور الموحدي أبو يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن خليفة الموحدين بين عامي 580-595ه= 1184-1199م، صاحب وقعة الأرك الشهيرة في التاريخ، ولا تزال نهايته المحيرة لغزا من ألغاز الدهر، وقبره في البقاع في لبنان ويقال في سلا، ويقال في مركش، وهو صاحب القصيدة السائرة في تأليب العرب على قراقوش والتي يقول فيها:

يقودهم ارمني لا خلاق له   كأنه بينهم من جهله علم

ويؤيد كونه هو المراد بكلام الغبريني خبر خروجه لزيارة قبر المهدي كما جاء في المعجب في تلخيص أخبار المغرب للمراكشي (وخرج أمير المؤمنين أبو يوسف إلى تينمل للزيارة ومعه هؤلاء الغز المذكورون فقعدوا تحت شجرة خروب مقابلة للمسجد وقد كان ابن تومرت قال: لأصحابه فيما قال لهم ووعدهم به ليبصرن منكم من طالت حياته أمراء أهل مصر مستظلين بهذه الشجرة قاعدين تحتها فلما جلس الغز على الصفة المتقدمة تحتها كان ذلك اليوم في تينمل يوما عظيما اتصل التكبير من كل جهة وجاء النساء يولولن ويضربن بالدفوف ويقلن ما معناه بلسانهم: صدق مولانا المهدي نشهد أنه الإمام حقا! فأخبرني من رأى أمير المؤمنين أبا يوسف حين رأى ذلك يتبسم استخفافا لعقولهن لأنه لا يرى شيئا من هذا كله وكان لا يرى رأيهم في ابن تومرت فالله أعلم.) ومعاصرته لأبي الحسن علي بن أبي حفص عمر بن عبد المؤمن الذي يقول عنه ابن سعيد في الغصون اليانعة في محاسن شعراء المائة السابعة: (ولابن الفكون الشاعر فيه أمداح مخلدة، ولغيره من الشعراء وكان من أعلم الناس بأمور الري والمباني. فرأى المنصور تركه بمراكش يدبر مبانيه في إحدى سفراته)

(1) قال معقبا على رسالة وصلته منه وتاريخها يوم السبت سابع او ثامن رجب من عام (1038هـ) :(والمذكور عالم المغرب الأوسط غير مدافع، وله سلف علماء .. ولأشهر أسلافه العلاّمة الشيخ حسن بن علي بن عمر الفكون القسمطيني أحد أشياخ العبدري صاحب الرحلة قصيدة مشهورة عند العلماء بالمغرب، وهي من درّ النظام، وحرّ الكلام، وقد ضمّنها ذكر البلاد التي رآها في ارتحاله من قسمطينة إلى مراكش، وأوّلها:

(ألا قل للسّريّ ابن السّري         أبي البدر الجواد الأريحيّ

ثم اورد 26 بيتا منها.

1233م-
630هـ-

قصائد أخرى لأبي علي ابن الفَكّون

أبو علي ابن الفَكّون
أبو علي ابن الفَكّون

أورد هذه الأبيات الغبريني في كتابه عنوان الدراية، والناصرية في البيت الأول هي مدينة بجاية الجزائرية ونسبتها إلى مؤسسها الناصر بن علناس بن حماد بن زيري أحد ملوك بني حماد في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري، وهي مدينة ساحرة الجمال تجمع طبيعتها

أبو علي ابن الفَكّون
أبو علي ابن الفَكّون

أورد هذه الأبيات الغبريني في كتابه عنوان الدراية) قال: (ومن نظمه رحمه الله، هذه القصيدة القافية، والقطعة الميمية التي تذكر بعدها، نظمها في بعض سادات بني عبد المؤمن رحمهم الله تعالى. قال في سياق ذكره وقد ذكروا جمال قصر الربيع:) أي قصر الربيع

أبو علي ابن الفَكّون
أبو علي ابن الفَكّون

قال الغبريني عقب القصيدة السابقة وقد نص في مقدمتها أن القصيدة الميمية من شعر ابن الفكون: ولما نضب ماء الأصيل، ورق نسيمه العليل، وهم العشي بانصرام، وودع النهار بسلام، وأرخى الليل فوقنا سدوله، وجرر على الأفق ذيوله، عدنا إلى زورقنا ذلك، ومحيا الجو