وأطلّ وجهك مشرقاً من خلف عام
الأبيات 40
وأطلّ وجهك مشرقاً من خلف عام
عام طويل ظلّ في عمري يدب كألف عام
عام ظللت أجرّه خلفي وأزحف في الظلام
وعواصف ثلجية تصطكّ حولي والطريق
كانت تضيق كأنها أمل يضيق
ويضيع في تيه القتام
عام طويل ظلّ يفصلنا به بحر صموت
بحر دجت أمواجه و تجمدت بحر تموت
فيه الحياة و تغرق الجلجات في برد السكوت
و أنا على شط الأصم
أنا و الفراغ و ليل وهمي
أصغي لعل صدى يمر
بي علّ شيئاً منك همس نبأة
شيئاً يمر
بي منك عبر مدى السكوت
لا شيء إلا وطأة ثقلت و صمتٌ مستمر
عام و دبت بعده بعده في البحر معجزة الحياة
لم أدر كيف هناك رفّت بغتة فوق المياه
و هفت حمامه
زرقاء في طهر السماء هفت إلي على غمامه
و طوت جناحيها وقرت في يديه
و رنت إليه
و تنفست دفئاً و عطراً
و شممت فيها منك شيئاً هاجني وجداً و ذكرى
فمضيت ألثم ريشها
و جعلت صدري عشها
و شعرت أنك عدت أنك في الطريق
و اجتاحني فرح الغريق
حضنته شطآن النجاة
و أطل وجهك من بعيد
حلواً يرف على وجودي
و رأيت أحزاني تموت على تعانق راحتينا
و أضاء في فمك ابتسام
البسمة الجذلى التي أحببتها منذ التقينا
عادت تضيء كأنها قلب النهار
و تصب في نفسي فيشربها دمي
و يعبها قلبي الظمي
و نسيت آلامي الكبار
و نسيت في فرح اللقاء عذاب عام
عام طويل ظلّ في عمري يدب كألف عام
فدوى طوقان
8 قصيدة
1 ديوان

ولدت فدوى طوقان في مدينة نابلس، وتلقت تعليمها حتى المرحلة الإبتدائية، حيث اعتبرت عائلتها مشاركة المرأة في الحياة العامة أمرًا غير مقبول، فتركت مقاعد الدراسة واستمرت في تثقيف نفسها بنفسها، ثم درست على يد أخيها شاعر فلسطين الكبير إبراهيم طوقان، الذي نمى مواهبها ووجهها نحو كتابة الشعر، كما شجعها على نشره في العديد من الصحف العربية، وأسماها "أم تمّام". ثم أسماها محمود درويش لاحقاً "أم الشعر الفلسطيني".

ومع أنها وقّعت قصائدها الأولى باسم "دنانير"، وهو اسم جارية، إلا أن أحب أسمائها المستعارة إلى قلبها كان "المطوّقة" لأنه يتضمن إشارة مزدوجة، بل تورية فصيحة إلى حال الشاعرة بالتحديد. فالمطوقة تعني انتسابها إلى عائلة طوقان المعروفة، وترمز، في الوقت نفسه، إلى أحوالها في مجتمع تقليدي غير رحيم.

وقد توالت النكبات في حياة فدوى طوقان بعدما توفي والدها ثم أخوها ومعلمها إبراهيم، وأعقب ذلك احتلال فلسطين إبان نكبة 1948، وقد تركت تلك المآسي المتلاحقة أثرها الواضح في نفسية فدوى طوقان كما يتبين من شعرها في ديوانها الأول وحدي مع الأيام. وفي الوقت نفسه فان ذلك دفع فدوى طوقان إلى المشاركة في الحياة السياسية خلال الخمسينيات من القرن الماضي.

سافرت فدوى طوقان إلى لندن في بداية الستينيات من القرن الماضي، وأقامت هناك سنتين، وفتحت لها هذه الإقامة آفاقًا معرفية وإنسانية حيث جعلتها على تماسٍّ مع منجزات الحضارة الأوروبيّة الحديثة.

وبعد نكسة حزيران 1967، خرجت من قوقعتها لتشارك في الحياة العامة في نابلس، فبدأت بحضور المؤتمرات واللقاءات والندوات التي كان يعقدها الشعراء الفلسطينيون البارزون من أمثال محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وسالم جبران وإميل حبيبي وغيرهم

وفي مساء السبت الثاني عشر من شهر ديسمبر عام 2003 ودعت فدوى طوقان الدنيا عن عمر يناهز السادسة والثمانين عامًا قضتها مناضلة بكلماتها وأشعارها في سبيل حرية فلسطين، وكُتب على قبرها قصيدتها المشهورة

كفاني أموت عليها وأدفن فيها

وتحت ثراها أذوب وأفنى

وأبعث عشبًا على أرضها

وأبعث زهرة إليها

تعبث بها كف طفل نمته بلادي

2003م-
1424هـ-