في ليلة مجنونة الإعصار ثائرة مثيرة
الأبيات 28
في ليلة مجنونة الإعصار ثائرة مثيرة
تتراقص الأشباح فيها خلف نافذتي الصغيرة
ألقيت فوق وسادتي آلام روحٍ مثقلٍ
مصدومة شاردة أقلب في الظلام كتاب عمري
صور وأطياف كئيبات تلوّن كل سطر
فهنا خيال شاحب لم ترحم الدنيا ذبوله
هذا خيال طفولة لم تدر ما مرح الطفولة
وهنا صباّ عضّت عليه قيود سجنٍ واضطهاد
باكٍ ذوت أيامه خلف انطواء وانفراد
وهنا شباب ما يزال يجوس قفراً بعد قفر
متحرّق أبدا إلى شي إلى ما لست أدري
تغدوه فوق دخانها متعطشاً يقفو السرابا
أحلامه الحيرى معلقّة بأفلاك الغيوم
ستظل أحلاماً عطاشى تائهات في السديم
وهناك عن قمم النزوع هناك عن قمم الطموح
دنيا منىً وبروج آمال تهاوت للسفوح
وتململت بقفار قلبي في فراغ توحدّي
نفسٌ تسائل نفسها في حيرة وتردّد
لم جئت للدنيا أجئت لغاية هي فوق ظني
املأت في الدنيا فراغا خافياً في الغيب عني
أيحس هذا الكون نقصاً حينما أخلي مكاني
وأروح لم أخلف ورائي فيه جزءاً من كياني
إن كان غيري في وجودهم امتداد للوجود
صورٌ ستبقى منهم يحيون فيها من جديد
فانا سأمضي لم أصب هدفاً ولا حققّت غاية
عمر نهايته خواء فارغ مثل البداية
هذي حياتي خيبة وتمزّقٌ يجتاح ذاتي
هذي حياتي فيم أحياها وما معنى حياتي
فدوى طوقان
8 قصيدة
1 ديوان

ولدت فدوى طوقان في مدينة نابلس، وتلقت تعليمها حتى المرحلة الإبتدائية، حيث اعتبرت عائلتها مشاركة المرأة في الحياة العامة أمرًا غير مقبول، فتركت مقاعد الدراسة واستمرت في تثقيف نفسها بنفسها، ثم درست على يد أخيها شاعر فلسطين الكبير إبراهيم طوقان، الذي نمى مواهبها ووجهها نحو كتابة الشعر، كما شجعها على نشره في العديد من الصحف العربية، وأسماها "أم تمّام". ثم أسماها محمود درويش لاحقاً "أم الشعر الفلسطيني".

ومع أنها وقّعت قصائدها الأولى باسم "دنانير"، وهو اسم جارية، إلا أن أحب أسمائها المستعارة إلى قلبها كان "المطوّقة" لأنه يتضمن إشارة مزدوجة، بل تورية فصيحة إلى حال الشاعرة بالتحديد. فالمطوقة تعني انتسابها إلى عائلة طوقان المعروفة، وترمز، في الوقت نفسه، إلى أحوالها في مجتمع تقليدي غير رحيم.

وقد توالت النكبات في حياة فدوى طوقان بعدما توفي والدها ثم أخوها ومعلمها إبراهيم، وأعقب ذلك احتلال فلسطين إبان نكبة 1948، وقد تركت تلك المآسي المتلاحقة أثرها الواضح في نفسية فدوى طوقان كما يتبين من شعرها في ديوانها الأول وحدي مع الأيام. وفي الوقت نفسه فان ذلك دفع فدوى طوقان إلى المشاركة في الحياة السياسية خلال الخمسينيات من القرن الماضي.

سافرت فدوى طوقان إلى لندن في بداية الستينيات من القرن الماضي، وأقامت هناك سنتين، وفتحت لها هذه الإقامة آفاقًا معرفية وإنسانية حيث جعلتها على تماسٍّ مع منجزات الحضارة الأوروبيّة الحديثة.

وبعد نكسة حزيران 1967، خرجت من قوقعتها لتشارك في الحياة العامة في نابلس، فبدأت بحضور المؤتمرات واللقاءات والندوات التي كان يعقدها الشعراء الفلسطينيون البارزون من أمثال محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وسالم جبران وإميل حبيبي وغيرهم

وفي مساء السبت الثاني عشر من شهر ديسمبر عام 2003 ودعت فدوى طوقان الدنيا عن عمر يناهز السادسة والثمانين عامًا قضتها مناضلة بكلماتها وأشعارها في سبيل حرية فلسطين، وكُتب على قبرها قصيدتها المشهورة

كفاني أموت عليها وأدفن فيها

وتحت ثراها أذوب وأفنى

وأبعث عشبًا على أرضها

وأبعث زهرة إليها

تعبث بها كف طفل نمته بلادي

2003م-
1424هـ-