سقى عهدَ الصِّبا صوْبُ العِهادِ
الأبيات 49
سـقى عهـدَ الصـِّبا صـوْبُ العِهادِ فمــا زال ادِّكـارُه فـي فـؤادي
وإن كنـتُ مـا أصـبتُ بـه رشاداً ولا أوريــتُ فــي عِلــمٍ زِنـادي
ولكـنْ كنـتُ فيـه أخـا ارتيـاحٍ خليّــاً مِــنْ مكافحـة العَـوادي
يَلــذُّ لـي التجـاوُلُ فـي لِـداتٍ أشخِّصـــــمْ بمعمعـــــة الجِلاد
فكـــلٌّ مُقْلَـــدٌ ســيفا مُحلَّــى بلا غِمْـــدٍ لــه أبهــى نِجــاد
ورمـــحٍ لا يجــورُ علــى مُــوَلٍّ إذا جــدَّ التَّنــازُلُ والتَّعـادي
علــى خيــلٍ تســيرُ بلا ركــابٍ وتــأنَفُ مــن مُسـابقةِ الجيـاد
فيــا عجبــاً لحــربٍ كـلَّ يـومٍ تؤجَّـــجُ ثـــم تَرجــع لاتِّحــاد
كـــأن قَتامَهــا ثــوبٌ عــتيقٌ تَخـــرَّقَ بيــن راحــاتٍ شــِداد
ولا يُلْفـــى بموقعِهـــا قتيــلٌ ولا بِخُطوطهـــا عـــانٍ يُفــادي
ولــم نـكُ نرتجـي فقـداً لِشـخصٍ ســوى شـخصٍ نَـراه مـنَ الأعـادي
فقيــهٍ إنْ تنحنــحَ فــي سـكونٍ تَـرى منّـا الفـرائضَ في ارتِعاد
كـــأنه فـــي مِنصــَّته أميــرٌ يُخــوِّفُ بطشــُه أهــلَ العِنــاد
ومـا تَجنـي الهديَّـةُ منـه رِفقاً ولا تَثْنيــه عـن شـتِم المُعـادي
أحــقٌّ بحرْفــةِ التــأديبِ مَـرءٌ بطبعِــه حِــدّةُ الصــُّمِّ الصــِّلاد
إذا حَلُـــم المعلــمُ عــن غُلامٍ فلا نُجـــحٌ لـــديه بِمُســـتفاد
إن أغضــى المعالِـجُ عـن سـقيمٍ فقــد أخْطـا بـه نهـجَ السـَّداد
ولــم أفتَــن بقُـربٍ مـن رُوَيْـمٍ ولــم أحــزَنْ لـبيْنٍ مـن سـُعادِ
ولـــم أكُ لِلتَّقــدمِ فــي أوامٍ أهيــمُ بمــدحه فــي كــلِّ واد
ولــم أعلــقْ بآمــالٍ فأخشــى عليـه مـن الضـِّياع ومـنْ نَفـاد
وأعمــلُ بالإشــارةِ مــن نـبيهٍ يحــضُّ علـى الحِسـاب والاقتصـاد
قليــلُ المــالِ تُصـلحُه فيبقـى ولا يَبقـى الكـثيرُ مـع الفَسـاد
فلــو أعطيـتُ كنـزاً مـن نضـارٍ لَباريْتُ في السَّخا ابنَ أبي دُؤاد
ومــا أنضـيتُ فكـري فـي عـويصٍ ولا أحقـــدْتُ غيــريَ بانْتِقــاد
ومـا أسـهرتُ عينـي فـي احتفاظٍ بنـــادرةٍ أقرِّرُهـــا بِنـــادي
ومـا بالشـِّعر كنـتُ أخـا شـُعورٍ يُـــؤلفُه كأشـــراكِ اصـــطياد
فيظفَــرُ تــارةً ويخيــبُ أخـرى ولا يَســتاءُ مــن طـولِ اجتهـاد
فجــاء بُعيْـدَ ذاك العهـدِ عهـدٌ تطــرَّقَ بيــن نفســيَ والمـراد
وصــار القــولُ والأفعـالُ منّـي تُقيَّــدُ فــي الكتـاب بلا مـداد
فلا حــالي كحـالي فـي ابتـداءٍ ولا مِشــكاةُ زهــريَ فـي اتِّقـاد
أرى مــا كنــتُ أعهَـدُه كرؤيـا نَعِمْــتُ بِحســنها حيـن الرقـاد
وأغبِــطُ كــلَّ ذي مــرَحٍ وبســطٍ خَلٍّــي فــي مِهــادِ الأمـنٍ هـادِ
وليــدٍ قــد كفــاهُ أبٌ شــقيقٌ وحَفَّـــه بـــالمبرّةِ والــوداد
مُبـــوّإ ظـــلِّ والــدةٍ تَــراهُ أعــزَّ مــنَ الطِّــرافِ ومـنْ تِلاد
مُـــدِلٍّ بالحنــانِ لــه شــفيعٌ مكيـنُ القـول عـزَّ عـنِ ارتـداد
يُــراوحُ وجــهَ عيشــته بهيجـاً علـى طبْـقِ المـراد كمـا يُغادي
فأمَّــا والشــبابُ مضــى دُجـاهُ ووجــهُ الشــَّيْبِ الصــبح بــاد
فلا منجــى لقلــبيَ مــن عنـاءٍ لأغـــراضٍ وحِـــذْرٍ مــن مَعــاد
وســعيٍ لليســار بِكــدِّ يُمنــى تُجلِّــل أبيضــاً ثــوبَ السـواد
فيـــاليتَ الســبيبةَ زودتنِــي بكـــفٍّ تســـتخفُّ عُصــَيْرَ عــاد
فأغفَــلُ بانتشــائي عـن شـُؤونٍ نَبــذتُ لهـا علـى رُغـمٍ قيـادي
أمثِّلُهــا فتُكســِبُني انبســاطاً فيُرجعُنـي الزمـانُ إلى اعتيادي
وكــان بنــاتُ ناصـيتي غُرابـاً فأصــبحَ مثــلَ أجنحـةِ الجـراد
وحـالَ الـى الفتـورِ شديدُ عزمي كمثــلِ الجمــرِ آلَ إلـى رمـاد
كــأنَّ الشـيبَ ضـيفٌ ليـس يَرضـى بشــيءٍ غيــرِ شــغلي بالمَعـاد
ولــولا مَضاضــةُ الأيــامِ حثَّــتْ ركــائبَه فــزارَ علـى اعتمـاد
لقلــتُ لــه ولـم أكـثرْ ملامـاً عجلــتَ فكنـتَ أظلـمَ مـن زيـاد
ولــو أن الــدّنا خُلقَـتْ لِلَهْـوٍ أبيــحَ بهــا التَّهتُّـكُ للبعـاد
ســـلامٌ للشـــبيبةِ والتَّصــابي تجــولُ بــه الصـِّبا كَـلَّ البلاد