الأبيات 233
غفــا بعــد أن مــرّت الزوبعــه يقاســـــم أحلامــــه مضــــجَعه
شـــــقيٌّ أحـــــالته أيــــامُه صـــدى نغمـــة بالأســى دامِعَــه
يعيـــش علــى حــرق الــذكريات ويقتــــات آمـــاله الخـــادعه
كــأني بــه فــي جحيـم الحيـاة نـــبيٌّ جفـــاه الـــذي أبــدعه
تـــراه فتقـــرأ فـــي وجهـــه ملاحــــم أيــــامه الضــــائعه
جــــبين كصــــحراء مجهولــــة مشــى الصـمت فـي جوفهـا حالمـا
وعينـــان تســـتغرقان الوجــود ســجى الليــل فــوق جفونَيهِمــا
إلهيتـــــــان وشــــــيطانتان تغشــــّاهما مــــا تغشــــّاهما
ورينهمـــا تجثـــمُ الكبريـــاءُ علـــى جــدولٍ يســكر العالمــا
ســـماتٌ بهـــنّ يهيــمُ الخيــال يمجّــــد فنّانهــــا الأعظمــــا
لــه اللَــه حيــن أفــاقَت رُؤاه وهـــامت مواكبُهــا فــي ســماه
طفـــاوات نـــورٍ تـــرى روحــه بهـا غيـر مـا قـد تـرى مقلتـاه
رأى نفســــه قبســــاً حـــائرا تحـــدّ ســـناه قيـــود الإلـــه
أثيريــــرّةٌ غيــــر محــــدودة وكــونٌ يغيــبُ المـدى فـي مـداه
رأى حلمـــا حقّقتـــه الحيـــاة ليشــتفَّ أعمــاق بحــر الحيــاه
رأى نفســــه ليتـــه مـــا راى وعـــاش علـــى جـــدبه ظــامئا
لقـــــد راعــــه أنــــه زائلٌ ســـتُفنى المنيّـــةُ مــا أنشــأ
وأذهلــــــــهُ أن أيّـــــــامَه زوارقُ لا تعــــــرفُ المرفَـــــأ
تمـــرّ بهـــا صــرخات الريــاح فتحطــــمُ مصـــباحها المطفـــأ
ويجهــــش ربّانُهــــا بالصـــلاة فيغرقُهـــا المـــوجُ مســـتهزِئا
وفــي غمــرةٍ مــن شـعاع الخيـل رأى كوكبـــاً كفّنتـــه الليــال
تـــزفُّ حـــواليه مـــن نـــوره بقايــــا ســـنىً آلهـــيّ الجلال
تحـــدّث عـــن أمــل الوالــدين وعـــن طهــره عيســويّ المثــال
هــو الأمــسُ أو طفلُــه العبقـريّ مضــى والســعادة بنــت المحـال
هــو الأمــسُ منتحــراً والصــفاءُ مهـــالاً عليــه تــراب الــزوال
وعـــانقَه كـــالرُؤى الطـــافِره صـــــبيٌّ تلفّـــــع بـــــالآخره
يقـــول لـــه أيـــن أحلامُنـــا وقــد كُــنَّ كالروضــة الزاهــره
فنــاداه مــن أنـت مـاذا تريـد كفـــى إنّ دنيــايَ بــي كــافره
فقـــال لــه أنــا مــن كنتَــهُ أنــا الفجـرُ أو روحـه الحـائره
أنــا فــي حيتــك معنــىً يطـوف وإن أنكرتنــي الرحــى الـدائره
فــدىً للطفولــة ســحرُ الشــباب ومـــا هــو إلا خــداعُ الســراب
منــىً بعثَرتهــا ريــاح الزمـان وألقــت بهـا فـي ضـمير اليبـاب
وأوتــــارُ قيثــــارة أطرقـــت علــى شــفتيها لحــون العــذاب
تســائلُها الريــح عــن صــمتها فتـــتركُ للصـــمت ردّ الجـــواب
فيــا ذرَّةً فــوق ســطح العُبــاب نــأى الشــطُّ فـالتحمي بالعُبـاب
يقيــــنُ الحيـــاة وأوهامُهـــا ســــواءٌ إذا جــــفَّ إلهامُهـــا
ومــا نحــن إلّا ســطورُ الكتــاب وأعمارنــــا هــــي أرقامُهـــا
وكاتِبُهـــا الخـــالقُ الســرمديّ وتلــــك المقـــاديرُ أقلامُهـــا
نكفّـــر عمّــا جنــى الوالــدان فيـــا للبريّـــة مـــا جرمُهــا
تحــــفُّ الرزايــــا بميلادهـــا وترتقــــب المــــوت أيامهـــا
أتُفّاحـــةٌ ســـرُّ هــذا الشــقاء ومــن أجلهــا كــلُّ هــذا البلاء
تعــاليت يــا ربّ مــاذا أقــول وأنــت القــدرُ علــى مـا تشـاء
أنـا ابـن الطريـدين أشـكو إليك وملـــءُ دمــى ثــورة الأبريــاء
ألـــم تــكُ قــدّرتَ أن يعصــياك فلــم يخرجـا عـن محيـط القضـاء
وإلا فلــم صــُغتَ هــذا الوجــود دحــوتَ الــثرى ورفعــتَ السـماء
ألـم تخلـق النـار نـار الجحيـم كخلقـــك للـــدار دار النعيــم
ألــم تقــض أن يبعــث الأنبيـاء لكـــلٍّ هـــدى وطريـــق قـــويم
فهــــذا نـــبيُّ بنـــي يعـــربٍ وهـــذا الخليــلُ وذاك الكليــم
وتلــك الشــياطين بنــت اللظـى فمنهـــم ولـــيٌّ وفيهــم رجيــم
ودنيـــا الملائك فــوق الســحاب ونمــلُ الــتراب وطيــر السـديم
تبــاركت مـا نفـع هـذا الوجـود إذا لــم نفــارق جنـان الخلـود
ومــــا بإرادتنـــا أن نجىـــء ولا بمشــــــيئتنا أن نعـــــود
نُقاســــي الحيــــاة وآلامهـــا وآخرهــــا غمــــرات الهمـــود
وتنــــذرُنا بعســـير الحســـاب ومـــن ذكــره تقشــعِرُّ الجلــود
ومــا ذنبنــا نحــن مـا ذنبنـا ولــم نقـترف مـا جنـاه الجـدود
حنانَيــك لــو أن لـي مـا أشـاء لكنـــتُ نبيّـــاً مــن الأنبيــاء
أطَهّـــر قــومي مــن الموبقــات وأدفــع عنهــم صــروف القضــاء
أو اخــترتُ عرشــاً كهـذي العـرو شِ أو كنــتُ فــرداً مـن الأثريـاء
أو اخـــــترتُ ألّا أرى علمـــــاً بقــائي علــى أرضــه كالفنــاء
فكنـــتُ ترابــاً كهــذا الــترا ب أو مُزنــةً فــي جفـون السـماء
حنانيـــكَ أرضــُك تشــكو إليــك وترجـــو رضــاكَ وجَــدوى يــديك
لقـــد أجـــدبت وهـــي مخضــلَّةٌ ومـــا ســـرُّها بخفـــيٍّ عليـــك
بحولــــك ســــوّيتَ أبناءَهــــا فعاشــوا كمـا شـئتَ فـي عالَمَيـك
يعــــذّبُهم جهلهـــم بـــالغيوب ومُظلِمُهــــا مُتنســــيرٌ لـــديك
وتحـــدو المقـــادير أحلامهـــم فتطــوى الطريــق علــى ناظريـك
خلقتهمــــو وخلقــــتَ الـــردى وبــــاركتَ منجلـــةُ الحاصـــِدا
وأغريتَهـــم بجمـــال الوجـــود يـــرون بـــه صــنعك الخالِــدا
فلــــم يعرفـــوك وإن مثّلـــوك فــأنت النشــيد ونحــن الصــدى
وكـــم وحّـــدوك وكـــم عــدّدوك فكـــان هـــداهم ضــلال الهــدى
ومعنــاك فــوق الخيـال الشـرود ودون مـــداك انفســـاح المــدى
رآك خليلُــــك نـــور الشـــموس وظنـوك فـي الهنـد نـار المجـوس
وفرعـــون خالـــك فـــي نفســه وناجـــاك آبـــاؤُه فــي أبيــس
وســــمّاكَ مانـــا ظلام الـــدجى ونــاداك بــوذا بنفــس النفـوس
وكـم فـي المحـاريب مـن سـاجِدين أفــاءوا إليــك بــذلّ الــرؤوس
وكــم فــي المذابــح مـن راهـب يريــقُ اللحــون ويُزجـى الطقـوس
وأنــت تســاميت فــي كــل مــا حــوى الكـون فـي أرضـه والسـما
أحســُّك فــي الفجـر روح الضـياء وفــي الطيــر تغريـده المُلهمـا
وفــي الزهــر سـرّ حنـان النـدى وفــي العطــر تهـويمه الناسـما
وفــي النهــر تهزيــم أمــواجه وفــي الطــل إطراقــه الحالمـا
وفــي الطفــل يـا ليتنـي قلبُـه أُحِســــّك تســــبيحه الباغمـــا
أُحِســُّكَ فـي الليـل صـمت النيـام وســحر النجــوم وهــول القتـام
وشــكوى المناكيــد مــن دهرهـم ونجــوى المعاميـد أهـل الغـرام
وأذكــــار مســــتَوحشٍ عابــــدٍ رآك فأقســـــــمَ ألّا ينــــــام
وأدمُـــعَ أفّاقـــة فــي الــدجى تــبيعُ الهــوى لتنــال الطعـام
تحـــــجّ إليـــــك بآهاتهــــا لتنقـــذها مـــن أفــاعي الظلام
أُحِســـّك فـــيّ منـــار الســفين وعصـــف الشــكوك وروح اليقيــن
أحسـّك فـي الحسـن معنـى الجمـال رفيــفَ الشــفاه وهمــس الجفـون
وفـي القبـح إذ أنـت خلف التراب جمـــالٌ زوهُ الـــتراب الغــبين
أحسّك في الحيّ في الميت في القبر فــي الـدود ينهـشُ جسـمَ الـدفين
وفـــي الفـــنّ مشــرقُ أنــواره ونـــاموسُ أبنـــائه الخالــدين
لـك الأمـرُ بـي مـن هـواك افتتان ولا زلــت أشــكو إليــك الهـوان
يقرّبنــــي منـــك ذلُّ العبيـــد ويبعــدني عنــك قهــر المكــان
أريــد الســمو وأخشــى السـقوط فهبنـــي ممـــا قضــيتَ الأمــان
نشـــدتك فــي صــبوات الحســان وفــي نشــواتي بخمــر الــدنان
فقـــالوا غــويٌّ شــقيُّ الخيــال يعربِـــدُ فــي رأســه الأفعــوان
وزرتــكَ فــي الــدير والمســجد فلــم تــدنُ منــي ولــم تبعــد
وألفَيتنــي مغرقــاً فـي الرجـاء فلــم تكشــف الحجــبَ أو أشــهد
أشـــعتَ وجــودَك بيــن الوجــود ففــي الحــان ألقــاكَ والمعبـد
وطمــــأنت قلــــبي وفزّعتــــه فيـــا ويــح للمــؤمن الملحــد
وأفزعتنـــي فوســـعتُ الفضـــاء إلّا فضـــــاءً بـــــه ترتــــدي
أطـــوف بكونـــك فـــي عزلــتي فأنســـــى بــــآلامه محنــــتي
وأرقـــبُ خلقَـــك مـــن عــالمي جيــــاع ذئابٍ علــــى جيفــــةٍ
تســــخّرهُم شــــهوات الحضـــيض ويخنقهــــم جشــــَعُ الطينــــة
وعـــدُلكَ فـــي ظلمهـــم تــائهٌ وإيمــــانهم شــــبه أســـطورة
ويغـــذو الـــترابُ أبـــاطيلهم فتســــخر منهــــم ألوهيّــــتي
جنـــونُ الــرؤى وســُعارُ الألــم رفيقـــاي منــذ صــحبت القلــم
عرفــت مـن الفـن معنـى الحيـاة وكُنـــهَ الخلــود وســرّ العــدم
وأكرمــــت نفســـي فطامَنتُهـــا زمانــاً وغــامرت فــي المُزدحَـم
فروّعنــــي أن أري العــــالمين مقـــابرَ تنبــضُ فيهــا الرِمَــم
فعُـــــدتُ وكلـــــيّ ربوبيّــــةٌ تطهّرهــــا عــــبراتُ النـــدام
شـــرِبتُ برغمـــي كئوسَ القـــدَر وجــابهتُ وحــدي ســهام الغيــر
ومـــا كنــتُ إلّا لســاناً أبــان وقلبـــاً أحـــسّ وروحـــاً شــعَر
أُحلّـــقُ فــوق مراقــي العقــولِ وأزحــم فــي الطيـن دودَ البشـر
وقـــد أحتفـــى ببكـــاء الظلام وأنفِـــرُ مـــن ضــحِكات القمــر
فلــم أرَ كالنــاس فــي أرضــهم تهاويــــلَ مختلفـــات الصـــُوَر
فهـذا فـتى فـي الشـباب الغريـر يعيــش الحيــاةَ كــدودِ الحريـر
حــوى كــونُه الكـون والكائنـات ففيــه التقــى بـدؤها بالمصـير
وقلّـــده الفــنُّ تــاج الخلــود ومــا الفـنُّ إلا الوجـودُ الكـبير
فلـــم تهـــدِه غيـــر أضــوائه ولــم يُصــغِ إلا لصــوت الضــمير
فــأعيَت مــذاهبُه فــي الحيــاة فيـــا حســرتا للإلــه الفقيــر
وهــذا ابـنُ أُنـثى غـويُّ الفـؤاد رســـالتُه أن يعيـــثَ الفســـاد
رقــــاب الأمــــانيّ منقــــادةٌ إليــه وطبــع الأمــاني العنـاد
حبَتــه المقــادير ملــك الـثرى وألقــت إليــه أمــور العبــاد
فجُــــنَّ بــــأهوائِه الآثمــــات يــرى بحرهــا مــاله مـن نفـاد
فمـــا خنقتـــه دمـــوع الأســى ولا طـــوّقته معـــاني الحِـــداد
وفــي الكـوخ حيـث تقيـم المحـن علــى ســاكنيه ليــالي الشــجن
براعِــمُ لــم تحتضــنها الريـاض ولا نشـــقت غيــر ريــح الــدمن
يمــوت النــدى فــوق أوراقِهــا وينكرُهـــا الغيــث إمــا هتــن
وتقتُلُهـــا العاصــفاتُ الشــداد فيــدفنها القفــرُ فيمــا دفَــن
وكـــــل جنايتهـــــا أنهــــا تريــد الحيــاة فيــأبى الزمـن
وفــوق الــذرا حــاكمٌ فــي علاه يــرى قــومَه أمّــةً مــن شــياه
شــياهٍ تــودُّ اخضــرار الجــديب لتَســــمنَ للـــذئب لا للحيـــاه
تنــامُ علــى الشــوكِ حتّــى إذا نمــا الـورد كـان دخانـاً شـذاه
وراع طـــوت نـــايَهُ الســافياتُ وغــاب بجــوف الروابــي صــداه
يهَـــشُّ إلـــى رقصـــات المنــى وكــلُّ الــردى كــامنٌ فـي منـاه
ويهفــو إلــى الكـأس إن عربـدت ويســـجد للمـــرأة المشـــتهاه
وللـــذئب مـــن حـــوله شـــرَّةٌ تصــول إذا مــا وهــى جانبــاه
يـرى الراعـيَ الغـرّ ينسى الحياةَ وينســى الرعيــل وينســى عصـاه
فيشـــرع مــن نــاظريه المُــدى ليقطــع عنهــا ســبيل النجــاه
وإن أيقــظ الـذئب صـوتُ الـدماء فلا ترتقــب غيــر نــوم الرعـاه
وذي لحيـــةٍ ترهِـــقُ الماشــطين ومســــبحةٍ تعجـــزُ الحاســـبين
يهـــزّ النهــارَ بــأي الســماء فيُبكـــى بترتيلهــا الســامعين
فـــإن جمـــع الليــل نــدمانه رآه إمامـــاً علـــى الشــاربين
يضـــــجُّ بلَعنـــــة أقــــداره ويســخرُ مــن خــالق العــالمين
فـــإن أنــت ذكّرتــه بالحســاب أقامَــك رمــزاً إلــى الجـاهلين
وراح بعينيـــه يُزجـــى الصــلاه إلـــى كـــلّ فتّانـــةٍ قـــاهره
بهـــا مــا بــه شــهوةٌ قُيّــدَت فشــبّت فثــارت بهــا الثــائره
ويلتقيـــان فيبكـــى المســـيح ويشـــكو إلــى أمّــه الطــاهره
ومُســـتقتلٍ فــي صــراعِ الضــنى ويغســِلُ بالــدمع ميــت المُنــى
تنقّـــل فــي جــانبيه الجــراح وتأكــــل جثمـــانه المُشـــخنا
مضـــى المــوت يغــزل أنفاســه لأيّـــــامه كفنـــــاً واهنــــا
وأبنـــاؤه الجــائعون العــراة يقــدّون بــالنوح صــمتَ الــدنى
ملاهيـــف يستصـــرخون الســـماء لــــــترزقهم زائرا محســـــنا
ومنتحــــر بحبــــال المنــــى ونيـــاهُ مـــن نورهــا يائســه
يقــــود الحيــــاة بأوهـــامه وتقتـــاده القـــدرة العابســه
عجبــت لــه كيـف ينسـى الفنـاء ويعشــــقُ أحلامــــه البائســـه
ويُغمـــض عينيـــه عمــا يكــون إذا اعتصـــرت جســمه اليابســه
وقـــامت مـــن الــدود ندّابَــةٌ تــــؤبِّن أيّــــامه الدارســــه
وكــم واقــفٍ عنـد بـاب الصـباح وفـــي عَينـــهِ لهفــةٌ للمســاء
يحـــسُّ كـــأنّ لـــه بـــالوجود عهــداً شــطوناً طــوته الســماء
وأنّ لــه ماضــياً فــي الفنــاء تقـــدّمَهُ غـــابرٌ فــي البقــاء
فكـــل الــذي ضــمّنته الحيــاة بمــا لقّنــت مـن فنـون القضـاء
لـــه تحـــت أعمـــاقه صـــورةٌ تؤكّـــدُ أن الختـــام ابتـــداء
ويــا ربّ شــيخٍ ســقاهُ الزمــان أعتـــقَ مـــافي كئوس الزمـــان
تحطّـــم حــتى لــو أن الهــوان تجســـّم كـــان مثــال الهــوان
وأطعمـــه الـــدهر والفرقــدان ليـــأكله الـــدهر والفرقــدان
وتســأله مــا معــاني الحيــاة ومــاذا وعـى مـن غريـب المعـان
فيعيــا ويشــكو إليــك الشـباب وكيــف مضــى قبــلَ فــوتِ الأوان
وطفـــــــلٍ يبـــــــاركُ ميلادَهُ حنــــانٌ مــــن الأمِّ والوالـــد
ينـــادونه بـــالملاك الصـــغير ويكفــــونه نظــــرة الحاســـد
ويســــتقبلون بــــه عالمــــاً مـــن الأمَــلِ الباســم الراغــد
ولــو أنّهــم علمــوا مـا ينـال إذا امتــدّ فــي الزمـن الخالـد
أراحــوه مــن نكبــات الحيــاة ومــن دهــره الكــافر الحاقــد
وطفــــل كريحانــــةٍ فـــي علاه بنـــــاه وهــــدّمَه والــــداه
تلقّفـــه الليـــلُ مـــن أمّـــه وأســـكنه جانبـــاً مــن حمــاه
وزفَّ إليـــه القضـــاءُ العجيــبُ يــدى مــترَفٍ أعتَمتــهُ الحيــاه
فربّبَـــــهُ وحَبـــــاه اســــمُه ومــا لاســمه مــن ثــراءٍ وجـاه
فمَــن عمــرك اللَـه أدنـى إليـه أمــن غـرسَ الغـرس أم مـن جنـاه
وطفــــلٍ تخِـــفُّ لـــدى ذكـــرهِ قلـــوبُ المســاكين مــن شــعبِه
يحيّــونَ فيــه الرجــاء البعيـد ويرجــون لــو شــبَّ فــي قلبــه
ويخشــون منــه الـوريث الجديـد لظلـــم الأب الحــيّ فــي ثــوبه
ويجــرى بــه الفلــك الســرمدي عتِـــيّ الألوهـــة فـــي جـــذبه
فينتفِـــضُ المهـــد عــن فاتــكٍ تحـــارُ المصـــائبُ فــي حربــهِ
وطفـــلٍ تمـــوتُ علـــى مهـــده منــى الأمــس والغــدِ والحاضــر
أنــــــى دون داعٍ ولا مـــــوجبٍ ولا ســـــبب واضـــــح ظــــاهر
ســوى نــزوَةٍ فــي دم الوالـدين تــــؤجّ بيحمومهــــا الفـــائر
همــا ورِثاهــا عــن الوالــدين وذابــا علــى جمرهــا الســاعر
فكانــــا امتـــداداً لأحلامهِـــم وبؤســــهم الخالـــد القـــاهر
وطفـــــل يفىـــــءُ بآمــــاله إلـــى ظـــلّ والـــده الباســِق
أنــى يطــرقُ الأرض مــن ســقفها فيــــا للطروقَــــةِ والطـــارقِ
فمــا شــاء فــالأرض والسـاكنون فــدى أمــره النافــذ الســابق
ومـا لـم يشـأ فالزمـان العنيـد مطيــــعٌ كخنجــــره البــــارق
وبيــن الســموم وبيــن الصــبا كمــا بيــن فجــرٍ إلــى غاســق
وطفـــلٍ يســـير إلـــى قـــبره ولمّــا يــزل فـي ضـمير الغيـوب
تُغَــذّيه أنفاســها فــي الحيـاة طريــدةُ بــأسٍ دهتهــا الخطــوب
ففـــي قلبــه جــذوات الشــروق وفـــي عينــه ظلمــاتُ الغــروب
ويفتحُهــــا فيــــرى عالمــــاً يعــذّبه الســلم قبــل الحــروب
تتــوهُ الشـياهُ بـه فـي الـذئاب وشــرعتُه النهــشُ قبــل الوثـوب
وبـــاك علـــى أمســـه ضـــاحك لغــــرّة فجــــر بعيـــد الظلال
يعيـــدُ الحكايــةَ مــن بــدئِها وينســــجُها بشـــعاع الخيـــال
وللــــدهر طاحونــــةٌ لا تمـــلّ تُــــدوّرها نكبــــات الليـــال
وفــي جوفهـا مثـل عمـقِ الفضـاء إذا ســـــوّرَتهُ رؤوس الجبــــال
فمـا هـو مـا الكون ما الكائنات لعـــلّ الإجابــةَ عيــنُ الســؤال
وبـــاكٍ علـــى يــومه قبــل أن يحـــرّره الغيـــب مـــن قيــده
يــرى فجــرَه مــن دجــى ليلــه قريـــبُ الزمــان علــى بعدشــه
فيرصــد بــالوهم مــا فــي غـدٍ وكـــل التعاســـةِ فـــي رصــدِه
ويمـــزجُ مـــا ذاقَ مــن أمســه بمــا يخبــأ الغيــب فـي بـرده
فيســكب مــا حــار مــن دمعــه ويــوقظ مــا نــام مــن وجــده
وذي صــــبوَة شــــغفت قلبَــــه وأضـــنَتهُ إحـــدى ذوات الخفــر
تــــوَلّه حــــتى رأى حســــنَها تخلّــــق ممــــا وراء الفكـــر
ففيهــا مــن الشــعر والأغنيـات وســحر الــرؤى والنـدى والزهـر
روى أملاً وروَت مثلـــــــــــــه علــى الحــبّ وانتظــرت وانتظـر
وشــقّ علــى الــدهر أن يســعَدا فجـــفّ الغــراسُ ومــات الثمــر
وأعمـــى العواطـــف شـــيطانُها غـــويُّ الهــوى عبقــريّ النــزَق
رأى فتنــةً مــن بنــاتِ الخـدورِ فمــا زال بــالطير حـتى انطلَـق
وألقــى عليهــا شــباكَ المنــى وجاذَبهــا الثــوب حــتى انفتـق
فجـــاء بـــه نســـباً شـــائعاً يجـــوعُ فيأكـــلُ ممّـــا ســـرق
ســــواءٌ لــــديه دام الآدمـــيّ وخمــــرٌ بكاســــاتها تُغتَبَـــق
وطـــاوٍ علـــى الفقــر أيّــامَه يحـــبّ فيـــا للهــوى المتعــب
رأى بشـــــت ســـــيّدهِ مــــرّة فقـــال هنـــا غايــة المطلــب
وراح يصــــــــبّ أمـــــــانيّه أغاريـــدَ فــي نــايه المطــرب
تئِنُّ مــــن الجــــوع أمعـــاؤُه بكـــاءً علـــى جــوفه المجــدب
فيحســـبه مــن أنيــن القلــوب إذا احــترقت بالضــنى الملهــب
وأعجـــبُ منـــه ابنــهُ الســيد تــبيع الغنــى بـالغرام الصـدى
رأت فيــه فــوق معـاني الشـباب ذراعـــا أشـــدّ وصـــدرا نــدى
وبيــــن زواجهمــــا حــــائلان مــن الحســب الضــخم والمحتــد
ولكنّـــه الحـــب قـــاس عنيــد ولا بـــدّ للســـهم مـــن منفــد
وكــم جمــع الحــبّ فــي قيــده أخــا البــؤس بــالأروع الأمجــد
مواليــد تجــرى الليــالي بهـم علـــى قـــدرٍ فـــوقهم قـــادر
كمــا كـان آبـاؤهم فـي الحيـاة يكونــــون والفـــرخ للطـــائر
وربتّمـــا خـــالفوا الوالــدين فقـــد يولَـــدُ الــبرّ للفــاجِر
حقـــائق جلّــت عــن العــالمين وغــابت عــن البــاحث الســاهر
أرى وجهَهــا المظلــم المــدلهم فمـــن لــي بــوجه لهــا آخــر
صالح الشرنوبي
177 قصيدة
1 ديوان

صالح بن علي الشرنوبي المصري.

شاعر حسن التصوير، مرهف الحس، من أهل بلطيم بمصر، ولد ونشأ بها.

دخل المعهد الديني بدسوق، فمعهد القاهرة، فالمعهد الأحمدي بطنطا، ثم كلية الشريعة، فكلية دار العلوم.

ودرّس في مدرسة سان جورج بالقاهرة، ونشر بعض شعره في مجلات الإذاعة والرسالة والثقافة وجريدتي الأهرام والمصري، وعمل في جريدة الأهرام.

ذهب إلى بلطيم ليقضي أيام عيد الأضحى مع أهله، فقضى نحبه منتحراً.

له اثنا عشر ديواناً في كراريس صغيرة، منها مجموعة أسماها (نشيد الصفا -ط).

1951م-
1370هـ-