الأبيات 89
إنـــي لأحكـــام القضــاء ملــم ولســان حــالي بــالهوى متكلـم
ظــبيٌ أرى قـدمي بسـعي فـي هـوا هُ قــد أراقَ دمــي لأنــي مغــرمُ
قــد افتـنَ العشـاق بـاهي حسـنه فالحســن فيــه جــوهرٌ لا يعــدم
أنــوارهُ للعيـن قـد راقـت كمـا قــد راق بــدرٌ فـي ليـالٍ تُظلـم
لا عيــب فيــه سـوى جمـال بـاهر تُــزرى بــه الاقمـار ثـم الأنجـم
ابـن البتولـة مريـم وابن العلى ويسـوع يـدعى ذا الوليـد الأعظـم
فـي الغـار مولودا بدا وهو القد يــم فأرضــعته مـن حليـب مريـم
ولــه الملانــك فـي ذراه بخدمـة فمُهلـــــلٌ ومســــبحٌ ومرنــــم
حـاز السـنا فـي بيـت لحـم مذودٌ إذ نـام فـي ذو السـنا المتجنـم
ظـــبيٌ أغــنّ يزورنــا وبلطفــه نلنــا النجــا وبحمــده نـترّنم
لــولا تأنســهُ لمـا خلـص الـورى بـل لـم ينـل مجد السما المتألّم
حمـل النسيم كتابهُ الحاوي السلا م لنــا بمســك مـن يـديه يختّـم
فهــو إلــهٌ كـائنٌ أبـدا وإنسـا نٌ معــــا لا يعــــتريه تقســـّم
حســنُ الطبــاع كريمــةٌ أخلاقــه ربٌّ قــــديرٌ كامــــلٌ متكــــرم
فيــه قنــوم واحــد اعنـي إلـه يــاً بـذا الـدينُ القـويم يعلّـم
هـذا الجميل وبالجميل أتى البرا يـا خلقـهُ الباهي الجميل المنعم
طفـــلٌ بهـــيٌّ ثغـــرهُ متبتـــم نجـــلٌ علـــيٌّ قـــدرهُ متعظّـــم
رشـــأٌ ظريــفٌ ظرفــهُ هــو دائمٌ والظــرف فـي رشـا يـزولُ ويعـدَمُ
ببهــــائه متوحّــــدٌ بطبـــاعه متكمّــــلٌ لكمــــالهِ مســـتلزم
ولطيـــف جســم لطفــهُ مســتغربٌ وظريـــف شـــكل ظرفــه متحكــم
نفــس الجمـال جمـالُ نفـس مـتيّم لكمــال كــلّ العاشــقين متمّــم
باهي السنا كلّ المنى معطي الهنا نـافي العنـا كنزُ الغنا والمكرمُ
فهـو الضـيا والعالمُ القدسي وال خيــراتُ جمــع والنــدى والأنعُـم
طفــلٌ وشــيخٌ فــي فعـال صـبائهِ والكــلّ فــي أمــر لـه مستسـلم
عينـاه مثـلُ حمـامتين علـى مجـا ري المــاء نحـو هيامنـا متوسـّم
نجــلٌ حــبيبٌ أبيــضٌ بــل أشـقرٌ وبياضـــهُ لســواد قلــب يعــدم
فســــناؤهُ متكــــرّمٌ وضـــياؤهُ متصــــرمٌ وســــخاؤهُ متعظّــــم
صــيغت يــداه مـن سـبيكة عسـجد فـي مضـجع النرديـن يومـاً ينعـم
تحكـي ضـفائرهُ سـعوفَ النخـل بـل مثـل الغـراب سـوادُهال المتفحـم
فــرعٌ بــه يشــفي لصــبٍّ قلبــهُ وعـــداهُ مــن تصــحيفهِ تتهــزّم
ويـروقُ منـه العيـنَ مطلـعُ فرقـه والصــبح يحلــو ثغـرهُ إذ يبسـمُ
شــفتاهُ مــرّاً تقطــران وحلقــهُ حلـوٌ يـروقُ العيـن منـه المبسـم
جـاء السـنا فالليـل مـاط أزارهُ وافـى الهنا ونأى الشقاءُ المسئمُ
فـي الأرض ضـاءَ ضـياؤهُ فهو الضيا وبــه استضــا كــلّ الأنـام وآدم
للمعشـر بـن العرب والعجم الضيا ءُ هــداهمُ وعـن الضـلالة أحجمـوا
وبــه العروســةٌ رنّمـت بنشـيدها عقــد المديــح بـدرَ لفـظٍ تنظـمُ
عنقــود كــافور حبيــبي عرفــهُ قــد عــرّف الـدنيا وفيـه تنعـم
مـا روضـةٌ فـاقت شـذاً يوما بأطي بَ مــن شــذاً منــه ينـمّ ويعظـم
لــو شــمّهُ الأعمـى لأبصـر نـاظراً والطيــب منــه لكـل جـرح بلسـم
وإذا علــى ميــت صــباه تنسـّمَت فبـذا النسـيم يكادُ يحيا المعدمُ
فتخـــال جســـما آلشــاعٌ مســّهُ فتبــارك اللَـه المعيـد المحكـم
ظـبيٌ حبيـبي فهـو لـي وأنـا لـه وبنــار حــبّ فـي الهـوى اتضـرّم
قـل أيـنَ ترقد في الظهيرة قائلا أم أيــن ترعــى جــائلاً لا اعلـم
إنّ المحبـــة أصــفعتني للنــوى وأذابنـــي شــوقٌ إليــه مســقمُ
وإذا رأيتـم مـن لـهُ نفسـي حييت صـفوا لـه مـا بـي عسـى لي يرحمُ
فـإذا الحبيب دنا برئتُ من الجوى وإذا الوصـالُ بـدا فيبرا المغرمُ
وهــو السـنا للصـحب طـرّاً مرشـد والنــار للأعــداء ســال معــدمُ
أجمــال وجـهٍ أم سـنا قمـر بـدا منــه علــى أهـل الهـوى يتحكّـمُ
بــدرٌ محــلّ الحــب منــي مالـكٌ وعلامــة التمليــك فيــه توســم
وبحبــه اســتولى علــى أجـزائه فـــإدا بجملتــه لــه لا يقســمُ
فــالحب والتمليـك منـه والـولا هــو مغنـمٌ هـو مغنـمٌ هـو مغنـم
لوصــاله اهــوى البكــا وفنـاءَ عيـن بـل أجـود بمـا ملكت وأكرمُ
لـه انـثرُ الـدمع السـخيّ تشـوُّقاً درّاً وفـي سـلك الهـوى لـهُ انظـمُ
فهـو المسـيح الناصـريّ المشـتهي والنصــر يـؤتى مـن إليـه يقـدمُ
ختـــم العتيقــة شــرعهُ ومجيئهُ للأنبيــاء وقــولهم هــو مختــمُ
حمــلٌ فــدا كــل الأنـام بـذبحه فســما حنـوّا والفـدى ذاك الـدمُ
قـد مـات طوعـاً بالصـليب معلّقـاً ونجــا بــذاك المــوت حقّـا آدم
وبفصــحه نجـت الأنـام كمـا نجـا فــي فصـح موسـى شـعبهُ المتظلـم
بقيــامه وصــعوده فتــح السـما لاهــــوتهُ للمعجــــزات متمّـــم
ربٌّ تســــامى رأفــــةً فمـــذكر نعمـاهُ ذاك البحـرُ سـوف القلـزمُ
أنعــامهُ عــم العفــاة معزيّــا وجميعهــم عــادوا بعــزّ يعظــم
سـاوى الملائك بالطهـارة والتقـى وعليهــــم بكرامــــة متقـــدم
مــولى تعيّــن مـن أبيـه حاكمـاً للنــاس أجمعهــم يــدين ويحكـم
قـاس رحيـم فـي القضـا يقسو على الأشــرار أمّـا التـائبين فيرحـم
منـه النـدا عـم الأنـام باسـرهم كالسـيل والمـزن النـدى والمعصم
بـالامس ثـمّ اليـوم ثـمّ غـدا ندا هُ فــائضٌ أبــدا لهــم لا يحســمُ
فـالحلم والاشـفاقُ والغفـران مـر حمــةٌ بــه فينالهــا مـن ينـدمُ
كــم يرحــق الصــديق حيـن بلائه والمعتــدي مـن رحمـة كـم يحـرم
يجـزي الفضـيل بفضـله ثـم الأثـي م بــإثمه يومــا بحكــم يجــزم
لا يمنـع العـافي الصـديق وصـاله بـل يمنـع العـاتي العـدوّ ويصرم
بــالمن قطعــا لا يشــين نـوالهُ بــل مــن زحـام عُفـاته لا يسـأم
كـــفٌّ واعطـــاءٌ وجـــودٌ فــائقٌ بحـــرٌ وأمـــواجٌ وســيلٌ مفعــم
يــا ســائلين اســتعطفوهُ بـأمّه مجـرى النـدى وبهـا تجينا الانعم
فيـهَ الشـفيقة والمحبّـة والرجـا والخيــرُ والانعــامُ ثـمّ المغنـم
احســانها عــمّ البرايــا كلهـا أبوابهــا مــن قاصــديها تزحـم
يـا عاشـقين هـي الشـفاء لجرحكم وطلا هواهــا حســوه هــو مرهــمُ
تســـمو بإحســـان ســموّ تــرأف وتغيــث عبـدا فـي حماهـا يخـدمُ
فتقـــدّموا وتلطفّــوا وتوســّلوا واسـتعطفوا واستغفروا واسترحموا
يــا رب نفســي انّهـا فـي حاجـة فســخاك فـي حاجاتهـا هـو أعلـم
بلــواي شــدّت ازر مــرّ حــاقني نعمــاك حلّــت طعمــهُ يـا منعـمُ
فالبـدر مـن أنـوار وجهـك اهدني ســبلَ الخلاص أيــا سـراجاً يضـرم
إنــي إلــى صــلةٍ لأحـوج كالـذي عــدني وصــلني يـا سـخيّا يكـرمُ
ولـك الثنـا والشكرُ من كل الورى والحمـد يهـدي القلـب مني والفم
وإليــك خـذني غيـر مـأمور وفـي ربـع العلـى البـاهي بخدركَ أخدم
والــدرّ انظمــهُ بـه للمـدح فـي عليــاكَ والفـم بـالنظيم يدمـدمُ
يشــدو بــه ثغـر الملائك مجريـاً صــوتا رخيمــاً بالمديــح ينغـم
ويــروق صــدح بلابــل فـي عرشـه بنشـــيد تســبيح بلفــظ ينظــم
وعلـيّ سـدل الرحمـة اسـدل منعما ولـك الثنـا فمـن البلايـا اسـلم
حسـن الختـام أنا الرقيق فارتجي انعـم بـه يـا خيـر مـولى ينعـم
أرسانيوس الفاخوري
5 قصيدة
1 ديوان

أرسانيوس بن يوسف بن إبراهيم الفاخوري.

أديب لبناني، من رجال الكنيسة المارونية في بيروت. ولد في (بعبدا) بلبنان وتعلم بمدرسة (عين ورقة) واشتغل بتعليم العربية، وله نظم.

توفي ببيروت.

له: (روض الجنان في المعاني والبيان-ط)، و(الميزان الذهبي في الشعر العربي-ط).

1883م-
1300هـ-