طَوى دارَها طيَّ الكِتابِ المُنَمنَمِ
الأبيات 40
طَـوى دارَهـا طـيَّ الكِتابِ المُنَمنَمِ وَمَــرَّ عَلــى الأَطلالِ غَيــرَ مُســَلِّمِ
يُخـادِعُ امّـا عَـن جَـوى مِـن تَـذَكَّر بِهـا الرَكـب أَو عَن عبرة مَن توسِّم
وَكَــم وَقفَـةٍ فيهـا أَقَـلَّ مُسـاعِدي عَلـى الـدَمعِ اسـعادي وَأَكثَر لومّي
إِذا مـا بَلَوتُ العَيشَ قالَت عِراصُها لِــدَمعيَ لَيــسَ الفَضــلُ لِلمُتَقَـدِّم
وَسـارٍ أَتـاني العَـرفُ عَنـهُ مُبَشِّراً فَقُمــتُ إِلَيــهِ أَهتَــدي بِالتَنَسـُّمِ
أَتــى بعــد وَهَـنٍ عـاطِلاً مُتَلَثِّمـاً مَخافَــةَ حَلــيٍ أَو مَخافَــةَ مَيسـَمِ
وَنــاوَلَني كأســاً أَراكَ فِــدامَها وَرَدَّ فَمــي عَــن لَثـمِ كـأس مُفـدَّمِ
فَلَيتَــكَ إِذ حَلأتنــي عَــن مُحَلّــل مِــن الخَمـرِ مـا عَلّلتَنـي بِمُحَـرَّمِ
أَيـا لَـذَّةَ الـدُنيا ومنـه بَلاؤُهـا وَيــا جَنَّــةً فيهــا عَـذابُ جَهَنَّـمِ
وَكُنّـا اِغتَنَمنـا لَذَّةَ العَيشِ ليتَها لَــــــذّاتُها لَـــــم تصـــــرَّم
تُلامُ وَنُـــدعى الأَشـــقياءَ خَلاعَــةً وَمَـن مـن يـودي ابتِـداء التَنَعُّـمِ
فَقَـد عـادَ أَيقاظـاً عَلَينـا صُروفُهُ فَمـا نَلتَقـي أَحبابنـا غَيـرَ نُـوَّمِ
أَيـا مَلِكـاً مـا مَـدَّ كَفّـاً لِعِلَّـتي وَمـا زلَ مَخضـوبَ الأَنامِـل مِـن دَمي
وَكــانَ قَــديماً طائِشــاتٍ سـِهامُهُ فَأَصــبح يَرمينــا بأنفــذ أَسـهُم
وَأَرهـــفَ حَــدّيهِ لحــزّي كَأَنَّمــا تَـوَهَّم انعـامَ ابـنِ رزِّيـكَ مُسـلِمي
هُـوَ المَلجأُ المأمولُ وَالوَزَرُ الَّذي أَجــازَ عَلــى أَحـداثِهِ كُـلَّ مُعـدَمِ
سـَليمُ نَـواحي العِرضِ لَم يُعطَ خَشيَةً وَلَـم يُخـفِ عيبـاً تَحتَ ذَيل التَكَرُّمِ
تَوضـَّح فـي الـدَهرِ البَهيـم كَـأَنَّه سـَنا غُـرَّةٍ سـالَت عَلـى وَجـه أَدهَم
وَأَعطــى وَلا مُعــطٍ وَأَضـحى مُمـدَّحاً وَمـا فَـوقَ وَجـهِ الأَرضِ غَيـرُ مُـذمَّم
إِذا لَقَـحَ الرايـاتِ رأيـاً تَمَخَّضـَت بِنَصــر عَلــى الأَيـامِ فَـذّ وَتَـوأمِ
لَــهُ كُــلَّ يَـومٍ مغنَـمٌ مِـن عَـدوِّهِ يَـرى بَـذلَهُ لِلمجتـدي نَيـلَ مَغنَـم
ثَقيــلٌ عَلَيــهِ حَمــلُ أَيسـَر مِنَّـة خَفيــفٌ عليــهِ حَمـلُ أَعظَـمِ مَغـرم
أَعَــدَّ لِنَصــرِ الحَــقِّ كُــلَّ مطهَّـرٍ يَغُــذُّ إِلــى الأَعـداءِ فَـوقَ مُطَهَّـم
لَـهُ شـَرَفٌ الاقـدامِ في الحَربِ شِيمَةٌ َمـا يَبتَغـي غَيـرَ الكمـيِّ المُقَـدَّمِ
وَولهـى مـن التَوديع لَم تَرَ مُنجِداً مِـن الـدَمع يُعديها عَلى بَينِ مُشأمِ
فَقـالَت وَقَـد أَجـرَت سـَوابِقَ عَـبرة أَفـي كُـلِّ يَـومٍ أَنتَ بِالبُعدِ مُؤلِمي
أَتَجمَـعُ لـي فَقـراً وَبينـاً وَكِـبرَةً لَـكَ اللَـهُ مـا تُثنيـكَ خيفَةُ مأثمِ
فَقُلــتُ لَهــا هَـذا فِـراقٌ يَردُّنـا جَميعاً وَيُعدينا عَلى الدَهر فاِعلَمي
أَعـدّي العيـابَ وَالمَرابـطَ واخطبي كَريمـةَ قَـومٍ وارقـبي نجـح مقدمي
سـَأجهدُ نَفسـي فـي اِبتِكـارِ قَصيدَةٍ فَتــونِ المَعــاني لَـذَّةِ المُتَرَنِّـمِ
تَقــول إِذا أَبصـَرتِ حسـنَ بَـديعها لَكَــم تَـرَكَ الماضـونَ مِـن مُتَـرَدَّمِ
وَأَبعَثُهــا غَــرّاءَ بِكــراً عَقيلَـةً لِكفــؤٍ بأَبكــارِ المَعـالي مُتَيَّـمِ
مُعشـــَّقةً زَفَّ التميمـــيُّ دونَهــا إِلــــى دون مَــــولاكُم بــــأَلفِ
ســَيَبلُغ بَغــداداً فَيهجــم قـائِلٌ أَقِـم يـا حُسـامي في صَوائِل واهجم
أَيـا بَحر إِنّي لَم أَسَل غيركَ النَدى وَلَــم أَرَ أَهــلَ الأَرض أَهلاً لمكـرمِ
هُـم الحَمـأُ المَسنون لا ماءَ عِندَهُم وَلَيســوا صــَعيداً طَيِّبـاً لِلتَيَمُـمِ
عــبرتُ أُلاقـي خَيرَهُـم خَيـرَ مـادِح لَــهُ وَأَراهُ دَهــره غَيــرَ مُنعَــمِ
غَنيّــاً بِمــا تُـوليهِ غَيـرَ مُكلَّـفٍ طَلاقَــة بِشــرِ الــوَجهِ أَو مُتَجَهِّـمِ
دَعَوتُـكَ بعـد الجود أُخرى وَلَم يَزَل أَخـــو المحـــل يَــدعو الســُحب
وَصـلتَ المَعـالي فَـوقَ وَصـلِ مُتَيّـم أَخــاهُ فَلا ذاقَــت فِــراقَ مُتَيَّــمِ
ابن الدهان الموصلي
68 قصيدة
1 ديوان

عبد الله بن أسعد بن علي أبو الفرج مهذب الدين الحمصي الشافعي. المعروف بابن الدهان الموصلي ويعرف بالحمصي أيضا. لانتقاله إلى حمص. وديوان شعره مطبوع جمع الأستاذ عبد الله الجبوري (بغداد: 1968م). وله كتاب (شرح الدروس -خ). قال ابن خلكان: كان فقيها فاضلا أديبا شاعرا، لطيف الشعر مليح السبك حسن المقاصد، غلب عليه الشعر واشتهر به وله ديوان صغير وكله جيد، وهو من أهل الموصل ولما ضاقت به الحال عزم على قصد الصالح بن رُزّيك وزير مصر، وعجزت قدرته عن استصحاب زوجته فكتب إلى الشريف ضياء الدين أبي عبد الله زيد بن محمد بن محمد بن عبيد الله الحسيني نقيب العلويين بالموصل هذه الأبيات:

وذات شجوٍ أسال البين عبرتها         باتت تؤمِل بالتفنيد إمساكي

(انظر القصيدة في ديوانه ص 186 وفيه: خاطب بالقصيدة والدته) فتكفل الشريف المذكور لزوجته بجميع ما تحتاج إليه مدة غيبته عنها. ثم توجه إلى مصر ومدح الصالح بن رزيك بالقصيدة الكافية، وقد ذكرت بعضها هناك، ثم تقلبت به الأحوال وتولى التدريس بمدينة حمص، وأقام بها فلهذا ينسب إليها.

قال العماد الكاتب فيه الخريدة: مازلت وأنا بالعراق، إلى لقائه بالأشواق، فإني كنت أقف على قصائده المستحسنة، ومقاصده الحسنة، وقد سارت كافيته بين فضلاء الزمان كافةً فشهدت بكفايته، وسجلت بأن أهل العصر لم يبلغوا إلى غايته. ثم قال بعض الثناء عليه: فيه تمتمة تسفر عن فصاحة تامة، وعقدة لسانٍ تبين فقه في القول. ثم قال بعد ذلك: ولما وصل السلطان صلاح الدين رحمه الله إلى حمص وخيم بظاهرها خرج إلينا أبو الفرج  فقدمته إلى السلطان، وقلت له: هذا الذي يقول في قصيدته الكافية التي في ابن رزيك:

أأمدح الترك أبغي الفضل عندهم         والشعر ما زال عند الترك متروكا

قال: فأعطاه السلطان وقال: حتى لا يقول إنه متروك، ثم امتدح السلطان بقصيدته العينية

التي يقول فيها:

قل للبخيلة بالسلام تورعاً         كيف استبحت دمي ولم تتورعي

وزعمت أن تصلي بعامٍ قابلٍ         هيهات أن أبقى إلى أن ترجعي

ما كان ضرك لو غمزت بحاجبٍ         يوم التفرق أو أشرت بإصبع

قال ابن خلكان: وتوفي بمدينة حمص في شعبان سنة إحدى وثمانين، وقيل اثنتين وثمانين وخمسمائة، والثاني ذكره =يعني العماد= في السيل والذيل والأول أصح، رحمه الله تعالى، وقد قارب ستين سنة. (ثم ترجم ابن خلكان للشريف ابي عبد الله ضياء الدين نقيب أشراف الموصل، الذي استنجد به الشاعر لرعاية زوجته)

 

 

1185م-
581هـ-