يا مدعي عام اللواء

مصطفى وهبي بن صالح المصطفى اليوسف التل، المشهور ب(عرار). أشهر شعراء الأردن على الإطلاق، وواحد من فحول الشعر العربي المعاصر. في شعره جودة ورصانة، ومناهضة للظلم ومقارعة للاستعمار. كان يتقن التركية والفارسية، وله فيهما آثار، أهمها ترجمة رباعيات الخيام. وله اشتغال في اللغة والأدب، و(أمال) و(مقالات) تدل على اطلاع واسع على آداب الأمم. مولده في إربد، شمال الأردن عام (1315هـ 1897م) من أسرة كانت لها مكانة عند الولاة في العهد العثماني وما تلاه من العهود. وهو والد وصفي التل رئيس وزراء الأردن الأسبق. اختار لقب (عرار) من قول الشاعر عمرو بن شأس الأسدي في ابنه عرار، وكان قد لقي الأذى من ضرة أمه: #أرادت عراراً بالهوان ومن يرد-عراراً لعمري بالهوان فقد ظلم... وتلقى تعليمه في (مكتب عنبر) بدمشق، ولما كانت حوادث عام 1920 نفي فيمن نفي من طلابه إلى حلب، فأتم فيها دراسته، وعاد وانخرط فيما بعد في الأعمال الحكومية، وعين حاكماً إداريا في الشوبك ووادي موسى، واشتهر هناك بمناصرته للنور (الغجر) وتوطدت صلته بهم، فانقطع إليهم، وسمى ديوانه باسم واديهم: (عشيات وادي اليابس) وخصهم بروائع شعره، وشرح ذلك في رسالة سماها (أصدقائي النور)، والتفت حياته بالحزن واليأس، وسجن ونفي غير مرة، وأفرط في الشرب، وكان طويلاً هزيلاً معروق العظام ميّالاً إلى تطويل شعره تأسياً بعمر الخيام، وقد عرّف نفسه بقوله: (وإني في حياتي الطروبة أفلاطوني الطريقة، أبيقوري المذهب، خيامي المشرب، ديوجيني المسلك...غير حاسب لأحد غير الله حساباً... الحسن بنظري مصدر كل خير، والخير عندي أصل كل لذة) آثاره وكتبه كثيرة، منها (المعارف في شرق الأردن) و(قصة شاعر) و(المنقذون) مسرحية، و(الأئمة من قريش) كتيب، و(فن إسقاط الوزارات) ترجمة و(أصدقائي النور) وديوانه: (عشيات وادي اليابس). ومما كتب في سيرته (عرار شاعر الأردن) ليعقوب العودات، و(عرار الشاعر اللامنتمي) لأحمد أبو مطر، و(الشاعر مصطفى وهبي التل: حياته وشعره) لكمال فحماوي و(على هامش العشيات) لزياد الزعبي. أما قصيدته رثاء الهبر، فهي أشهر قصائده وليست بأجودها، بل في شعره ما هو أجود منها وأرفع طبقة. وفي ديوانه قصائد كثيرة خص بها الهبر وأخباره، وأهمها القصيدة التي يقول فيها: ( يا مدعي عام اللواء... وخير من فهم القضية ) .. (الهبر جاءك للسلام ... فكيف تمنعه التحية) .. (ألأن كسوته ممزقة ... وهيئته زرية ) (يا هبر بي فقر كفقرك ... للإِباء وللحمية) (أو ما تراني قد شبعت ... على حساب الأكثرية).. (ولبست إذ قومي عراة ... غير ما نسجت يديه) وهي (66) بيتاً، انظرها في ديوانه المنشور في الموسوعة الشعرية (إصدار المجمع الثقافي بمدينة أبو ظبي). والهبر هذا هو نَوَري من نَوَر الأردن، اسمه (محمد رصاص الفحل) لقبه عرار بالهبر لضخامة جسمه وكثافة شعره وعظم لحيته، وهيئته الزرية. توفي حوالي عام (1950م) بعد وفاة عرار بقرابة عام. وكان عرار قد سمع عام (1934م) أن الهبر توفي، فرثاه بداليته المشهورة، وافتتحها بالبيت الأول من رباعيات الخيام ترجمة وديع البستاني، وهو: (أين جمشيد أين كايو كبادُ... أين زالٌ زالوا جميعاً وبادوا).. ونشرتها جريدة الأردن الصادرة آنذاك يوم (27/ 11/ 1934م) وقدم لها بقوله: قصيدة رثيت بها التشرد وسيد ضاربي الدنيا (صرمة) المتوكل على الله، عبده وابن عبده (الهبر). وظهر بعد ذلك أن الهبر لم يمت، فاتسعت بذلك ندرة القصيدة وشهرتها حتى غدت حديث العرب. وقد عثرت على نشرة محققة لهذه القصيدة ضمن كتاب (مختارات من الشعر العربي الحديث) للأستاذ معاذ السرطاوي (ص95( فارتأيت إعادة نشرها هنا، وهي: 1- أين جمشيد أين كايو كبادُ... أين زالٌ زالوا جميعاً وبادوا.. 2- وعلى الهبر قد رسا فاتعظ يا ... شيخ في مصفق المنون المزاد.. 3- لم تُفَطّر مرائرُ الزط لما ... غيبوه ولا انفرت أكباد.. 4- ودوى طبلهم كما كان يدوي ... يوم للهبر كانت الأمجاد.. 5- واستمر الندمان يسقون صرفا ... من رحيق كرومه جلعاد.. 6- ومضى عازف الربابة يشدو ... لحنه وانبرت لرقص سعاد.. 7- هبر حتى حمير قومك إذ تنهق فحوى نهيقها إنشاد.. 8- مت كما شئت فالندامى بلهو ... ليس من شأنهم عليك الحداد.. 9- مت كما شئت فالحياة متاع ... ما بقينا لا يعتريه كساد.. 10- هبر ساقي السقاة ما زال قد نحاك عما أصابه الوراد.. 11- هبر ما زالت الحياة على مثلك عبئا ناءت به الأطواد.. 12- واعوجاج الزمان يا هبر ما زال اعوجاجاً ينوء فيه السداد.. 13- وبياض النهار ما زال منه ... حظنا كان يا شقي سواد.. 14- لا تخف ظلمة القبور ففيها... يتساوى الأفذاذ والأوغاد.. 15- وينام الصعلوك جنباً لجنب... والسراة الذين شادوا وسادوا.. 16- ايهذا التراب بوركت من قاضٍ لأحكامه استراح العباد... 17- هبر ليست دنياك عبدة رق... لأناس بعرفها أسياد ... 18- كل حي لسوف تحمله يوماً لمثواك مرغماً أعواد .. 19- والشقي الشقي من يحسب العمر بناء لا يعتريه نفاد.. 20- إن حبل الردى مشاع وعنه... قفز الهبر وابن شداد عاد..

الأبيات 66
يـا مـدعي عـام اللواء وخيـر مـن فهـم القضية
ومنــاط آمـال القضـاة وحــرز إنصـاف الرعيـة
ليــس الزعامـة شـرطها لبـس الفـراء البجدلية
فيفــــوز عمـــرو دون بكـر بالمقابلة السنية
والعـدل يقضي ان تعامل زائريــك علـى السـوية
يـا مـدعي عـام اللواء وأنـت مـن فهـم القضية
الهــبر جــاءك للسـلام فكيــف تمنعـه التحيـة
ألأن كســـوته ممزقـــة وهيئتـــــه زريـــــة
قــد صـده جنـديك الـف ظ الغليـــظ بلا رويــة
وأبــى عليـه أن يـراك فجــاء ممتعضــاً إِليـه
يشـكو الـذي لاقـاه مـن شــطط بـدار العادليـة
ويقـول إن زيـارة الـح كــام لا كــانت بليــة
فاسـرع وكفـر يـا هداك اللّـه عـن تلـك الخطية
وأدخلــه حـالاً للمقـام وفــز بطلعتـه البهيـة
ودع المراسـم والرسـوم لمــن عقــولهم شــوية
فـالهبر مثلـي ثـم مـث لــك أردنـي التابعيـة
يـا هـبر بي فقر كفقرك للإِبــــاء وللحميــــة
أو مـا ترانـي قد شبعت علــى حســاب الأكثريـة
وأكلــت بسـكوتاً وهـذا الشـعب لا يجـد القليـة
ولبسـت إذ قـومي عـراة غيــر مـا نسـجت يـديه
فـأدر كؤوسـك يـا أبـا ناصــيف مترعــة رويـة
وأحــل مقــال الشــيخ إِن أفـتى بحرمتها عليه
إن الـذي تسـبى مواطنه تحـــل لـــه الســبية
عبوديـا نـاعي النهـار علـى المآذن في العشية
قسـماً بمـاحص والفحيـص وبالطفيلــة والثنيــة
وبمـن شـقيت بهـن وهـي بأهلهــا مثلــي شـقية
ليـس الهـدى وقفـاً على فئة الشــيوخ الأزهريـة
إن الحيـاة لهـا قواعد غيــر متــن الخزرجيـة
فنبيـذ قعـوار اللذيـذ وانــة النـاي الشـجية
وهيامنـا بالغانيات من الأمــــور الجوهريـــة
أو مـا ترانـي والمشيب كمــا تــراه بعارضـيه
مـا زلـت خفـاق الفؤاد ولـم تـزل نفسـي طريـة
والقلـب مـا تنفك تملأ ســـاحه خطــرات ميــة
دنــف تطـارده العجـوز ولا تهـــادنه الصــبية
إن القــدود المأدبيـة والعيـــون العجرميــة
أشـواقها ستظل في قلبي وإن أوديــــت حيــــة
ولسـوف تبقـى للصـبابة فــي ثـرى رمسـي بقيـة
وهـــواي ســـوف يظــل يهزأ بالقبور وبالمنية
يــا أخـت رم وكيـف رم وكيـف حـال بنـي عطيـة
هـل مـا تـزال هضـابهم شــماً وديرتهــم عذيـة
سـقيا لعهـدك والحيـاة كمــا نؤملهــا رضــية
وتلاع وادي اليتـم ضـاح كـــة وتربتــه غنيــة
وســفوح شــيحان الأَغـن بكـــل يانعــة ســخية
أيـام لـم يـك للفرنجة فــي ربوعــك أســبقية
والعلـج مـا انتصبت له فــي كـل مومـات ثنيـة
أيـن السـوام وسـرح قو مـك بالعشـية يـا عجية
ومراحكــم لـم أنكرتـه معــاطن الابـل المريـة
وجفتــه حيهلـة الامـاء وهســة العبـد الونيـة
مـاذا أصـاب بنـي أبيك أمـا لهـم فينـا بقيـة
صـمتاً فـان العي في بع ض المواقـــف شــاعرية
وتحـامق الضـعف الهضيم نهايــة فـي العبقريـة
لمـا رأيـت الكـذب سـر تفــوق الفئة الســرية
ورأيـت كيـف الصـدق يذ هـب مـن يقـول به ضحية
ونظـــرت أحلاس الوظــا ئف سـادة بيـن البريـة
أيقنـت أن الأَلمعيـة في ازدراء الألمعيـــــــة
وحللـت عقلـي مـن عقال الهاجســين بحسـن نيـة
وسـبرت أغـوار السـراة وقســـتهم بالسرســرية
فوجــدت رهــط الهــبر قـد بـز الأَماثل أريحية
لا تنخــدع بــالبنطلون ولا تثــق بجمــال زيـه
مــا كـل زخرفـة ابـاء وكـــل خطــب عنجهيــة
كم فارس هو في الحقيقة عنـــد راتبــه مطيــة
ومدجـــج قـــاد الــس ريـة وهـو قواد السرية
هـات اسـقني ما للحياة بغيــر عربــدة مزيــة
واسـبأ لنـا إن الزقاق مبــاءة الأمـم السـبية
واشـرب علـى نمطـي كما تـأتم بالشـيخ المعيـة
تـرك التقـى خيـر بعلم اللّـه مـن نسـك التقيه
مصطفى التل عرار
109 قصيدة
1 ديوان

مصطفى وهبي بن صالح المصطفى اليوسف التل، المشهور ب(عرار). أشهر شعراء الأردن على الإطلاق، وواحد من فحول الشعر العربي المعاصر. في شعره جودة ورصانة، ومناهضة للظلم ومقارعة للاستعمار. كان يتقن التركية والفارسية، وله فيهما آثار، أهمها ترجمة رباعيات الخيام. وله اشتغال في اللغة والأدب، و(أمال) و(مقالات) تدل على اطلاع واسع على آداب الأمم. مولده في إربد، شمال الأردن، من أسرة كانت لها مكانة عند الولاة في العهد العثماني وما تلاه، وهو والد وصفي التل رئيس وزراء الأردن الأسبق. اختار لقب (عرار) من قول الشاعر عمرو بن شأس الأسدي في ابنه عرار، وكان قد لقي الأذى من ضرة أمه: أرادت عراراً بالهوان ومن يرد عراراً لعمري بالهوان فقد ظلم وتلقى تعليمه في (مكتب عنبر) بدمشق، ولما كانت حوادث عام 1920 نفي فيمن نفي من طلابه إلى حلب، فأتم فيها دراسته، وعاد وانخرط فيما بعد في الأعمال الحكومية، وعين حاكماً إداريا في الشوبك ووادي موسى، واشتهر هناك بمناصرته للنور (الغجر) وتوطدت صلته بهم، فانقطع إليهم، وسمى ديوانه باسم واديهم: (عشيات وادي اليابس) وخصهم بروائع شعره، وشرح ذلك في رسالة سماها (أصدقائي النور)، والتفت حياته بالحزن واليأس، وسجن ونفي غير مرة، وكان طويلاً هزيلاً معروق العظام ميّالاً إلى تطويل شعره تأسياً بعمر الخيام، وقد عرّف نفسه بقوله: (وإني في حياتي الطروبة أفلاطوني الطريقة، أبيقوري المذهب، خيامي المشرب، ديوجيني المسلك...غير حاسب لأحد غير الله حساباً... الحسن بنظري مصدر كل خير، والخير عندي أصل كل لذة). ومما كتب في سيرته (عرار شاعر الأردن) ليعقوب العودات، و(عرار الشاعر اللامنتمي) لأحمد أبو مطر، و(الشاعر مصطفى وهبي التل: حياته وشعره) لكمال فحماوي، و(على هامش العشيات) لزياد الزعبي.

1949م-
1368هـ-

قصائد أخرى لمصطفى التل عرار

مصطفى التل عرار
مصطفى التل عرار

القصيدة من أشهر قصائد عرار، في ديوانه (عشيات وادي اليابس)  انظر ما نشرته اليوم في نافذة من التراث عن وادي اليابس في مقالة بعنوان (السفياني ووادي اليابس) وأخرى بعنوان (مناجاة وادي اليابس) وفي هذه القصيدة قوله يخاطب نورية من نور