طأطِئِ القلبَ للرَدى والهوانِ

القصيدة في رثاء الشيخ زايد بن سلطان (بل الله ثراه) نشرت في صحيفة الخليج يوم 10/ 1/ 2005م بعد 70 يوما من وفاة الشيخ زايد، تحت عنوان (رحيل الفرسان) وهي من أوابد سميح القاسم الخالدة، بل هي في شعره بمنزلة (قفا نبك) من شعر امرئ القيس، تعرض فيها لوصف وباء الطائفية وفتكها في قطعة مطولة أولها:

حقنونا بالسمِّ حبراً زعافاً      باسم سرٍّ مقدّسٍ رَبّاني

 

الأبيات 74
طـأطِئِ القلـبَ للـرَدى والهـوانِ يـا شـفيع الحيـاة والعنفـوان
طـأطِئ القلـبَ يـا وريث المآسي ومغيـــثَ الرمــادِ بــالنيرانِ
طـأطئ القلـبَ بيـن مـوتٍ ومـوتٍ وتقلَّــبْ علــى لظــى الفُقـدانِ
لـم تكفكـفْ على ابن نَهْيَانَ حُزناً يــومَ نــادى بياســرٍ نعيــانِ
نعــي شـعبٍ غَـالتْ عليـه شـعوبٌ وبلادٍ غـــابتْ عـــن الأوطـــان
فــارسْ القـدسِ كفنتـه المراثـي بــالمراثي للفـارس النَّهْيـاني
يــا الإمـاراتُ فـي فلسـطين دوتْ فجــأة النَّعـي بيـن قـاص ودانِ
النــــواقيسُ رنَّمـــتْ بـــوداع وتنـــادتْ أوجـــاعُه بــالأذانِ
وإمـامُ الجِـراحِ فـي القـدسِ صَلَّى للغيـاب المقيـم فـي الوجـدانِ
زايــد الـوقت بُرهـةً مـن أمـام فــي عهـود النكـوص والنقصـانِ
زايــد الحكــم حكمــةً ووقـاراً فـي ارتطـام الجنـونِ بالطغيانِ
ومحيــل الصــحراء بسـتان وعـدٍ وبهــــاءٍ ونهضــــة وأمـــانِ
طــأطئ القلـبَ والعروبـة تنعـى شـيخَها الشـهم شـمعة الـديوانِ
عابــدَ اللــه والمجــالُ طغـاةٌ فَتَنَتْهـــم عبـــادةُ الأوثـــانِ
راعــي النـاسِ إخـوة لا قطيعـاً مســتغيثاً مـن قسـوة الرعيـانِ
بـــدويُّ الخصـــالِ بَســَّاط كــفّ ليجيـــرَ الإنســـانَ بالإنســانِ
ويقيــلَ القريــبَ مــن عَثَــراتٍ ويُعيــلُ الغريــبَ مــن حرمـانِ
عُمَــريُّ الصــفاتِ عزمــاً وعـدلاً يعربـــيُّ الفِعـــالِ والإيمــانِ
فـي خليـجِ التاريـخ شـادَ صروحاً وبيوتــاً علــى ضـفافِ الزمـانِ
شـادَ فـي مصـرَ والشـامِ مُعينـاً مســـتعيناً برحمـــة الرحمــنِ
مغــدقاً للعطـاء فـي غيـر مَـنٍّ مســـتجيبا للواحــدِ المنّــانِ
طـأطئ القلـبَ يا شموخَ القوافي وتجمَّــلْ بالصـبرِ قَبْـلَ البيـانِ
وتحمَّــلْ مـا لا تطيـق احتمـالاً وتأمـل مـن محنـتي مـا دهـاني
بيـن أيـدي الأحزانِ أودعت تاجي والمآســي منحتهــا صــولجاني
مَــن تُرانـي حـتى أطيـقَ رثـاء ورثــاء لا ينتهي. مـن ترانيـ؟
مـــن شــهيد يزفــه شــهدائي لشــهيد مــن نــاره غَلَيــاني
والأحبـــاءُ يرحلـــونَ تباعــاً وســراعاً.. تَســهّلوا إخـواني!
أشـتهي لـي في العمر لحظة زَهوٍ أشــتهي لي.. وبُرهـة للتهـاني
أرهقتنـي عواصـفُ المـوت روحـاً وجموحـــاً وصـــدّعت أركـــاني
أيهـا المـوت لـو تريـح قليلاً فكفـاني يـا مُرهقـي مـا كفاني
أيهـا المـوتُ منـك أنـتَ أعاني وأعــاني مــن الحيـاة أعـاني
هــمُّ شــعبي هَمّــي وهــمُّ بلادي وشــجونُ الوجــودِ مـن أشـجاني
ذاكَ شـأني، كِبْـري على كبريائي وصــدودي عــن مــورْدِ الأقنـان
ذاكَ شــأني، قصــائدي وجمـوحي بلهيــبِ الكفـاحِ فـي الميـدانِ
وثبـاتي فـي غـابتي حَـوْل أُسْدي واطّراحـــي النجـــاة للفئرانِ
واعتصـامي بـالله مـا بين أهلٍ خَصـَّبوا القحـطَ مـن بنـي عدنانِ
أيهـا المـوتُ فـاتَّئدْ ليس فينا مــن يُــداري ضـراوة الحَـدثَانِ
أيهـا المـوتُ واتَّئِدْ ليـس منّـا مســـتكين لســـطوة الطوفــانِ
نحـن أهـل الجهـاد كـرَّاً وكـرَّاً ورفــاقُ الزلــزالِ والبركــانِ
مـا لَوانـا عن قيصر الروم جيش أو ثنانــا كســرى أنوشــروانِ
هكـذا نحـنُ لـم نحـدْ عـن صراطٍ مســتقيمٍ فــي عتمــةِ الخـذلانِ
كـم كبَوْنـا فـي عـثرةٍ ونهضـنا وَنَبَونــا.. لكــنْ لشــوطٍ ثـانِ
داهمتْنـا الوحـوشُ مـن كـلّ فَـجٍّ وتَـــوالت شـــراذمُ القرصــانِ
وولاة الأمـــورِ فينـــا قُعــودٌ وســـجودٌ للـــذئب والثعبــانِ
وهُــواة الأقلامِ عــاثوا هــواءً بمعـــانٍ ســـودٍ وحــبرٍ قــانِ
بيـن سـُكْرٍ علـى الحـروفِ وَصـَحوٍ لصــداها فــي محفـلِ الشـيطانِ
وحــواة الكلام فـي سـيرك لغـوٍ عــــربيٍّ.. لكنـــه جِرْمـــاني
فـي قميـئ القميـء لجوا وضجّوا فاشـــمأزتْ مثـــالثٌ ومَثـــانِ
واسـتطالوا وشنشـنوا واشرأبوا بثغـــاءِ التخلُّـــفِ الجــوّاني
مَســـَخَتْهم ثقافـــة مَســـَخوها وأشـــارتْ لحمقهــم بالبَنــانِ
ربطة العنقِ وحْدها ما استزادوا عــن عصــور الإبـداع والإتقـانِ
حقنونــا بالسـمِّ حـبراً زعافـاً باســـم ســـرٍّ مقــدّسٍ رَبّــاني
واضـطَربْنا علـى المـذاهب عُمياً وَضــَرَبْنا بالمســلم النّصـراني
وانقلبنـا عـن جـذرنا وعرانـا واغتربْنـا عـن بيتنا القحطاني
محنـة تلكـ، والحيـاة امتحـانٌ ويمينــاً نبقـى جـوادَ الرّهـانِ
ويمينــاً نَنْضـو العواصـفَ عنّـا ويصــيحُ الربّــان: بـرُّ الأمـانِ
ونحــط الرِّحــالَ شـعباً وشمسـاً فـي أعـالي الجبـالِ والوديـانِ
ونُظِـــلُّ الــدروبَ بالبيلســانِ ونوشــّي الســاحاتِ بــالأقحوانِ
ســـرُّنا الحــيُّ كــوكب أبــدي عَلَّـــمَ الأرضَ مهنــة الــدّورانِ
وأتحْنــا الزكــاةَ للجســماني وَمَنَحْنَــا المشــكاة للروحـاني
ووهبْنـا التـوراةَ أفقـاً رحيباً وحَضـــَنَّا الإنجيـــلَ بــالقرآنِ
وأضـــاءَتْ شــموعَنا بالأمــاني وأنـــارتْ دموعنــا بالأغــاني
وعـــذابات أمنـــا أورثَتْنــا حكمـة القمـحِ مـن حقولِ الزؤانِ
عــربٌ نحنُــ، والعروبـة رؤيـا لا دمــاءٌ تســيلُ فــي شــريانِ
عــربٌ نحنُــ، والعروبـة معنـى نبــــويٌّ للحـــب والعرفـــانِ
عــربٌ نحنــ، والعروبــة حــقٌّ وجمــــال ونـــازع نـــوراني
ليــسَ منّــا رَدْم وطــاغ زنيـم مُســتبدٌّ يَعْتــو بطبْـع الجبـانِ
ليـسَ مـن يقهـرُ اليـتيمَ أبانا أو أخانـــا مُطفــفُ الميــزانِ
وحَلَفْنــا علـى الحيـاةِ يمينـاً نتبــارى خيــراً علــى عُمـرانِ
أيهـا المـوتُ فاحتشم أو فداهِم مُهلـة العُمـرِ فـي يـدِ الـديّانِ
لــم تـؤخِّر ولـم تُقـدّم منايـا حكمــة اللــهِ ســَوْرَة الأحـزانِ
وعــزاءُ الشـعوبِ فـي راحليهـا مــا أدامــتْ مــآثر الإحســانِ
وعــــزائي بزايـــد وأخيـــه ياســرِ القـدسِ نخـوةُ الفرسـانِ
وعــزائي فــي إخــوةٍ ورفـاقٍ مـن سـرايا الأحـرارِ والشـجعانِ
سميح القاسم
11 قصيدة
1 ديوان
سميح القاسم أحد أهم وأشهر الشعراء العرب والفلسطينيين المعاصرين الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والمقاومة من داخل أراضي العام 48، مؤسس صحيفة كل العرب ورئيس تحريرها الفخري، عضو سابق في الحزب الشيوعي. ولد لعائلة درزية في مدينة الزرقاء يوم 11 مايو 1939، وتعلّم في مدارس الرامة والناصرة. وعلّم في إحدى المدارس، ثم انصرف بعدها إلى نشاطه السياسي في الحزب الشيوعي قبل أن يترك الحزب ليتفرغ لعمله الأدبي.

شاعر مُكثر يتناول في شعره الكفاح والمعاناة الفلسطينيين، وما أن بلغ الثلاثين حتى كان قد نشر ست مجموعات شعرية حازت على شهرة واسعة في العالم العربي.

كتب سميح القاسم أيضاً عدداً من الروايات، ومن بين اهتماماته إنشاء مسرح فلسطيني يحمل رسالة فنية وثقافية عالية كما يحمل في الوقت نفسه رسالة سياسية قادرة على التأثير في الرأي العام العالمي فيما يتعلّق بالقضية الفلسطينية.

صَدَرَ له أكثر من 60 كتاباً في الشعر والقصة والمسرح والمقالة والترجمة، وصدَرتْ أعماله الناجزة في سبعة مجلّدات عن دور نشر عدّة في القدس وبيروت والقاهرة.

تُرجِمَ عددٌ كبير من قصائده إلى الإنجليزية والفرنسية والتركية والروسية والألمانية واليابانية والإسبانية واليونانية والإيطالية والتشيكية والفيتنامية والفارسية والعبرية والعديد من اللغات .

توفي الشاعر الفلسطيني سميح القاسم، بعد صراع مع مرض سرطان الكبد الذي داهمه مدة 3 سنوات والذي أدى إلى تدهور حالته الصحية في الأيام الأخيرة حتى وافته المنيه يوم الثلاثاء الموافق 19 أغسطس2014

 
2014م-