الأبيات 60
النار فاكهة الشتاءْ
و يروح يفرك بارتياحٍ راحتين غليظتينْ
و يحرّك النار الكسولةَ جوفَ موْقدها القديم
و يعيد فوق المرّتين
ذكر السماء
و الله و الرسل الكرامِ و أولياءٍ صالحين
و يهزُّ من حين لحين
في النار جذع السنديان و جذعَ زيتون عتيـق
و يضيف بنّاً للأباريق النحاس
و يُهيلُ حَبَّ الهَيْلِ في حذر كريم
الله ما أشهى النعاس
حول المواقد في الشتاء
لكن و يُقلق صمت عينيه الدخان
فيروح يشتمّ ثم يقهره السّعال
و تقهقه النار الخبيثة طفلةً جذلى لعوبه
و تَئزّ ضاحكةً شراراتٌ طروبه
و يطقطق المزراب ثمّ تصيخ زوجته الحبيبة
-قم يا أبا محمود قد عاد الدوابّ
و يقوم نحو الحوش لكن
قولي أعوذُ تكلمي ما لون ما لون المطر
و يروح يفرك مقلتيه
يكفي هُراءً إنّ في عينيك آثار الكبَر
و تلولبت خطواته و مع المطر
ألقى عباءته المبللة العتيقة في ضجر
ثم ارتمى
يا موقداً رافقتَني منذ الصغر
أتُراك تذكر ليلة الأحزان إذ هزّ الظلام
ناطور قريتنا ينادي الناس هبوا يا نيام
دَهمَ اليهود بيوتكم
دهم اليهود بيوتكم
أتُراك تذكرُ آه يا ويلي على مدن الخيام
من يومها يا موقداً رافقته منذ الصغر
من يوم ذاك الهاتف المشؤوم زاغ بِيَ البصر
فالشمس كتلة ظلمة و القمح حقل من إبر
يا عسكر الإنقاذ مهزوماً
و يا فتحاً تكلل بالظفر
لم تخسروا لم تربحوا إلا على أنقاض أيتام البشر
من عِزوتي يا صانعي الأحزان لم يسلم أحدْ
أبناء عمّي جُندلوا في ساحة وسط البلد
و شقيقتي و بنات خالي آه يا موتى من الأحياء في مدن الخيام
ليثرثر المذياع في خير و يختلق السلام
من قريتي يا صانعي الأحزان لم يَسلم أحدْ
جيرانناعمال تنظيف الشوارع و الملاهي
في الشام في بيروت في عمّان يعتاشون
لطفك يا إلهي
و تصيح عند الباب زوجته الحبيبه
قم يا أبا محمود قد عاد الجُباة من الضريبه
و يصيح بعض الطارئين افتح لنا هذي الزريبه
أعطوا لقيصر ما لقيصر
و يجالدُ الشيخ المهيب عذاب قامته المهيبه
و تدفقت كلماته الحمراء بركانا مفجّر
لم يبق ما نعطي سوى الأحقاد و الحزن المسمّم
فخذوا خذوا منّا نصيب الله و الأيتام و الجرح المضرّم
هذا صباحٌ سادن الأصنام فيه يُهدم
و البعلُ و العزّى تُحطّم
و تُدمدم الأمطارُ أمطار الدم المهدوم في لغةٍ غريبهْ
و يهزّ زوجته أبو محمود في لغة رهيبه
قولي أعوذُ تكلّمي
ما لون ما لون المطر
ويلاه من لون المطر
سميح القاسم
11 قصيدة
1 ديوان
سميح القاسم أحد أهم وأشهر الشعراء العرب والفلسطينيين المعاصرين الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والمقاومة من داخل أراضي العام 48، مؤسس صحيفة كل العرب ورئيس تحريرها الفخري، عضو سابق في الحزب الشيوعي. ولد لعائلة درزية في مدينة الزرقاء يوم 11 مايو 1939، وتعلّم في مدارس الرامة والناصرة. وعلّم في إحدى المدارس، ثم انصرف بعدها إلى نشاطه السياسي في الحزب الشيوعي قبل أن يترك الحزب ليتفرغ لعمله الأدبي.

شاعر مُكثر يتناول في شعره الكفاح والمعاناة الفلسطينيين، وما أن بلغ الثلاثين حتى كان قد نشر ست مجموعات شعرية حازت على شهرة واسعة في العالم العربي.

كتب سميح القاسم أيضاً عدداً من الروايات، ومن بين اهتماماته إنشاء مسرح فلسطيني يحمل رسالة فنية وثقافية عالية كما يحمل في الوقت نفسه رسالة سياسية قادرة على التأثير في الرأي العام العالمي فيما يتعلّق بالقضية الفلسطينية.

صَدَرَ له أكثر من 60 كتاباً في الشعر والقصة والمسرح والمقالة والترجمة، وصدَرتْ أعماله الناجزة في سبعة مجلّدات عن دور نشر عدّة في القدس وبيروت والقاهرة.

تُرجِمَ عددٌ كبير من قصائده إلى الإنجليزية والفرنسية والتركية والروسية والألمانية واليابانية والإسبانية واليونانية والإيطالية والتشيكية والفيتنامية والفارسية والعبرية والعديد من اللغات .

توفي الشاعر الفلسطيني سميح القاسم، بعد صراع مع مرض سرطان الكبد الذي داهمه مدة 3 سنوات والذي أدى إلى تدهور حالته الصحية في الأيام الأخيرة حتى وافته المنيه يوم الثلاثاء الموافق 19 أغسطس2014

 
2014م-

قصائد أخرى لسميح القاسم

سميح القاسم
سميح القاسم

القصيدة في رثاء الشيخ زايد بن سلطان (بل الله ثراه) نشرت في صحيفة الخليج يوم 10/ 1/ 2005م بعد 70 يوما من وفاة الشيخ زايد، تحت عنوان (رحيل الفرسان) وهي من أوابد سميح القاسم الخالدة، بل هي في شعره بمنزلة (قفا نبك) من شعر امرئ القيس، تعرض فيها لوصف وباء