أخي يا أحب نداء يرف

إلى روح شقيقي إبراهيم

الأبيات 72
أخي يا أحب نداء يرف
على شفتيّ مثقلاً بالحنان
أخي لك نجواي مهما ارتطمت
بقيد المكان وقيد الزمان
أحقاً يحول الردى بيننا
ويفصلني عنك سجن كياني
فمالي إذا ما ذكرتك أشعر
إنك حولي بكل مكان
أحسّ وجودك أؤمن أنك
تسمع صوتي هنا وتراني
وكم طائف منك طاف بروحي
إذا ما الكرى لفّني واحتواني
أخي أمس والليل يعمق غورا
ويحضن قلب الوجود الكبير
وذكراك تعمر أقطار نفسي
وتملأ قلبي بفيض غمير
تفلّت بين انعتاق الرؤى
خيالك في غفوة من شعوري
تحدّر من فاشرت الخلود
على هودج من غمام وثير
وقوس السحاب على الأفق تحتك
تطويه معبر لون ونور
كأن يد الله مدّته درباً
إلى الخلد بين حقول الأثير
أخي وهتفت بها واندفعت
إليك بكل حناني وحبي
أخي غير أنك رحت تصوّب
عينيك نحو المدى المشرئبّ
وكنت حزيناً وكانت على
جبينك مسحة غمّ وكرب
وجرح عتيق بجنبك يدمى
شعرت به يتنزّى بجنبي
وأرسلت عينيّ حيث رنوت
وقد دبّ ثقل خقيّ بقلبي
خلال دخان علا واستدار
رأيت الحمى خربةً ماحله
على العتبات تدبّ هوام
وتعبر قافلة قافلة
وبين الزوايا عناكب تحبو
وتمعن في زحفها واغلة
وأبصرت أشلاء قومي هنا
وهناك على طرق السابلة
عيون مفقّأة بعثرت
على الأرض حباتها السائله
وأيدٍ مقطّعة ووجوه
غزا الترب ألوانها الحائلة
وكان هناك وراء الدخان
قطيع تشتت في كل بيد
قطيع وديع بقية قومي
فهذا شريد وهذا طريد
تظللهم في العراء الخيام
وقد أخلدوا في هدوء بليد
براكين خامدة لا تفور
استحال اللظى في حشاها جليد
قصارى مطامحهم لقمة
مغمّسة بهوان العبيد
تجود بها كفّ جلادهم
لتخديرهم كل صبح جديد
وأرجعت نحوك طرفأً ثقيلاً
وفي شفتيّ سؤال كئيب
أخي أرأيت القضية كيف
انتهت أرأيت المصير الرهيب
أتذكر إذ أنت ترسل شعرك
يطوي الحمى عاصفاً من لهيب
تحذّرهم من هوان المآل
كأنك تقرأ لوح الغيوب
ولكن طيفك كان يغيب
وراء المدى صامتاً لا يجيب
وجرحك يقطر أزكى دماء
همت في حواشي غمام خضيب
وراحت تعانق جرح الحمى
حمانا المسمّر فوق الصليب
فدوى طوقان
8 قصيدة
1 ديوان

ولدت فدوى طوقان في مدينة نابلس، وتلقت تعليمها حتى المرحلة الإبتدائية، حيث اعتبرت عائلتها مشاركة المرأة في الحياة العامة أمرًا غير مقبول، فتركت مقاعد الدراسة واستمرت في تثقيف نفسها بنفسها، ثم درست على يد أخيها شاعر فلسطين الكبير إبراهيم طوقان، الذي نمى مواهبها ووجهها نحو كتابة الشعر، كما شجعها على نشره في العديد من الصحف العربية، وأسماها "أم تمّام". ثم أسماها محمود درويش لاحقاً "أم الشعر الفلسطيني".

ومع أنها وقّعت قصائدها الأولى باسم "دنانير"، وهو اسم جارية، إلا أن أحب أسمائها المستعارة إلى قلبها كان "المطوّقة" لأنه يتضمن إشارة مزدوجة، بل تورية فصيحة إلى حال الشاعرة بالتحديد. فالمطوقة تعني انتسابها إلى عائلة طوقان المعروفة، وترمز، في الوقت نفسه، إلى أحوالها في مجتمع تقليدي غير رحيم.

وقد توالت النكبات في حياة فدوى طوقان بعدما توفي والدها ثم أخوها ومعلمها إبراهيم، وأعقب ذلك احتلال فلسطين إبان نكبة 1948، وقد تركت تلك المآسي المتلاحقة أثرها الواضح في نفسية فدوى طوقان كما يتبين من شعرها في ديوانها الأول وحدي مع الأيام. وفي الوقت نفسه فان ذلك دفع فدوى طوقان إلى المشاركة في الحياة السياسية خلال الخمسينيات من القرن الماضي.

سافرت فدوى طوقان إلى لندن في بداية الستينيات من القرن الماضي، وأقامت هناك سنتين، وفتحت لها هذه الإقامة آفاقًا معرفية وإنسانية حيث جعلتها على تماسٍّ مع منجزات الحضارة الأوروبيّة الحديثة.

وبعد نكسة حزيران 1967، خرجت من قوقعتها لتشارك في الحياة العامة في نابلس، فبدأت بحضور المؤتمرات واللقاءات والندوات التي كان يعقدها الشعراء الفلسطينيون البارزون من أمثال محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وسالم جبران وإميل حبيبي وغيرهم

وفي مساء السبت الثاني عشر من شهر ديسمبر عام 2003 ودعت فدوى طوقان الدنيا عن عمر يناهز السادسة والثمانين عامًا قضتها مناضلة بكلماتها وأشعارها في سبيل حرية فلسطين، وكُتب على قبرها قصيدتها المشهورة

كفاني أموت عليها وأدفن فيها

وتحت ثراها أذوب وأفنى

وأبعث عشبًا على أرضها

وأبعث زهرة إليها

تعبث بها كف طفل نمته بلادي

2003م-
1424هـ-