تعاليتَ لا مولى سواك خلقتني
الأبيات 51
تعـاليتَ لا مـولى سـواك خلقتني ولـم أك شـيئا قبـل بدء وجودي
وأشـهدتني مـا كـان عنّي خافيا وربّ شــهيدِ العيـن غيـر شـهيد
تُعرّفنــي آيــات كونــك أنّنـي قـديم فكـوني فيـه غيـر جديـد
فمعنـى وجودي في معاني وجودها كمعنـى نشـيدي فـي كلام نشـيدي
وإن كان سرّي في الحقيقة مبدعا فسـري فـي الأكـوان قبـل شهودي
تعـاليت ألبست المعاني مظاهرا تشــير إلـى نـور هنـاك بعيـد
وراء حـدود الغيـب تهمى فيوضه علـى خـافق فـي الصدر جد جهيد
مظـاهر تبـدو للعيـون وتختفـى وأسـرارها العليـا وراء قيودي
محجّبــة لــولاك ضـياك جهلتهـا فعشـت بعقـل فـي الوجـود شريد
تسـِرُّ إلـى الأرواح نجوى غرامها بتــدبير مبــد للحيـاة معيـد
تعاليت لم تبدع من الخلق كونة بلا حكمــة تهــدى فـؤاد رشـيد
فمـا ذرّة فـي الكون إلّا وعندها مكــان ركــوع أو مكـان سـجود
أحســن الظـنّ بـالعلى الكـبير فهــو ربُّ الإحســان والتــدبير
واسـأل اللَـه فضـله فهو ربّ ال فضــل واذكـر تيسـيره للعسـير
وتضــرّع إليــه فــي كـل وقـت فـــإليه مصـــير كــلّ مصــير
كـــلّ حيـــنٍ لربّنــا نفحــات فتعـــرّض لهــا بقلــب طهــور
لا تــدع للهــوى عليـك سـبيلا فــالهوى سـيّد الغـويِّ الغـرور
وامحـق اليـأس بالرجـاء وسـلّم وكــل الأمــر للعليـم الخـبير
إن شــرّ النفــوس نفــسُ يـؤوسٍ دائم ســـخطه علــى المقــدور
حـالهُ في الحياة من حال إبليس قنــوط مــن الرحيــم الغفـور
إنّ معنـى الإبليـس من جعل اليأ س مــن اللَـه حظّـه فـي الأُمـور
نــودِّع مــن نــودّع ثـم نمضـى إلــى مـا كـان مـن هـزل كجـدّ
كــأنّ الــذاهبين بنــو فنـاءٍ ونحــن بعــديَهم أبنــاءُ خلـد
نقـول مـتى نتـوب ونحـن نعصـى ونســأله النجــاة بغيـر جهـد
وننســـاه ويـــذكرنا فنطغــى ونســعى فـي الضـلالة دون قصـد
ونطمــع أن يكـون لنـا ظهيـرا ونحــن نعيــش فـي حسـدٍ وحقـد
تعـالى اللَـه كيـف يكـون عونا لمــاضٍ فــي الغوايــة مسـتبد
تركنــا الأمـر بـالمعروف حـتى كــأنّ الأمــر بــالمعروف مـردِ
بيـوت الحـقّ تنعـى مـن بناهـا ودور اللهـــو لا تحصــى بعــد
وصـار العـدل فينـا مثـل بيـت مــن الأوهـام قـام بغيـر عمـد
فــإن شــئنا فبكـرٌ مثـل زيـد وإن شــئنا فبكــرٌ غيــر زيـد
لا بـــدّ للمخلــوق مــن ربّــه فـي صـفوه الفـاني وفـي كربـه
وفــي يســار العيـش أو يسـره وفـي ابتعـاد القلـب أو قربـه
وكيــف لا وهــو القــوي الـذي لا أمــر للمخلــوق فــي جنبـه
هـل مـن غنـىً بـاد سـوى فضـله أو مــن هــوى بـاق سـوى حبّـه
أنــا بالبــاب واقـفٌ فـدعوني أتطهّـــر بفيضـــكم وشـــئوني
أنــا بالبــاب واقـف وسـأبقى واقفــا فاسـمحوا ولا تحرمـوني
أمّنــوني علـى مصـيري إذا مـا ســكبت أدمــع الـوداع جفـوني
وانظرونـي قبـل الممـات بلحـظ قدســي مـن نـور عيـن اليقيـن
وإذا مــا ذكرتكــم فاسـمعوني وإذا مــا نســيتكم فـاذكروني
أذكرونــي أذكركمــو وإذا مـا نمـت يومـا عـن ذكركم أيقظوني
لا تقولـوا عصـيت أو كنـت أولا ترتقــب غيـر أخـذِنا بـالوتين
فرجــائي فيكــم رجــاء ذليـل فـــي عزيــز بحــوله ومــتين
وبكــم أحتمــى ومنكــم أُرجّـى وذنــوبي علــى يــدي وديـوني
إن لـي فـي ومـا خلقـت مكانـاً أزليّــا مـن قبـل أن تخلقـوني
وبنعمـــى ورحمـــتي وبرُحمــى غـافر الـذنب سـوف أمحو ظنوني
وبأسـرار لطـف قـل يـا عبـادي توّجـــوني وبالرضــا جمّلــوني
فأنــا عبــدكم ومـالي سـواكم فـالطفوا بـي بفضلكم وارحموني
أنقـذوني من قبل أن تُغرِقَ الدن يــا بأمواجهــا سـفينة دينـي
شــأنكم رحمــة وفضــل وعفــو والمعاصــي والمهلكـات شـؤوني
وإذا لــم يكــن لمثلـى نصـيب مــن حمـاكم فمـا أشـدّ شـجوني
صالح الشرنوبي
177 قصيدة
1 ديوان

صالح بن علي الشرنوبي المصري.

شاعر حسن التصوير، مرهف الحس، من أهل بلطيم بمصر، ولد ونشأ بها.

دخل المعهد الديني بدسوق، فمعهد القاهرة، فالمعهد الأحمدي بطنطا، ثم كلية الشريعة، فكلية دار العلوم.

ودرّس في مدرسة سان جورج بالقاهرة، ونشر بعض شعره في مجلات الإذاعة والرسالة والثقافة وجريدتي الأهرام والمصري، وعمل في جريدة الأهرام.

ذهب إلى بلطيم ليقضي أيام عيد الأضحى مع أهله، فقضى نحبه منتحراً.

له اثنا عشر ديواناً في كراريس صغيرة، منها مجموعة أسماها (نشيد الصفا -ط).

1951م-
1370هـ-