أأبكى هوى أم فرحةً أم أمانيا
الأبيات 60
أأبكـى هـوى أم فرحـةً أم أمانيـا عييــتُ ومــا يجـدى علـى بكائيـا
إذا قلـتُ إنّ الفجـر بُشـرى هنـاءَةٍ تُنــازعني نفســي فأرتــدّ راضـيا
رضـا الحمـل المشـلول في كفّ جازر وصبر الذي لم يلق في الناس حانيا
وإن أطبـق الليـل الرهيـب جفـونه علــى ترامــت فــوق صـدري آهيـا
تنــوح نـواحَ الظـلِّ ألـوى بعمـره هجيـر الفلا حـرّانَ يشـوى المآقيـا
فـوا رحمتـا للناس بل لي فما أرى علـى الأرض ناسـاً حالهم مثلُ حاليا
وجامحــةِ الأشـواقِ مخمـورة الـرؤى تــرفُّ صــبابات وتنــدى أغانيــا
تعيـشُ علـى الماضـي وتخشـى رجوعَه وتهفـو إلى المجهول ما دام خافيا
وتحـرِقُ بالأوهـام مـا كـان زاهـرا وتنعـشُ باللـذات مـا كـان ذاويـا
تراهــا فتنســاها كــأنَّ وجودَهـا فنـاءٌ فـإن غـابت أطلـتَ التناجيا
وتحسـبُها أُنـثى مـن الطيـن روحُها وتعشـَقُها طيفـاً مـن النـور ساميا
هـي الجنّـةُ الحمـراءُ تغريكَ ناظِراً وتجفــوكَ قديســا وتسـبيك جانيـا
أرقـتُ علـى أقـدامِها خمـرةَ الصبا وأفنيــتُ فـي لـذّاتِها كـلّ مالِيـا
وضــيّعتُ فيهـا العمـرَ حبّـاً ولـذّةً ونادَمتُهــا كأسـي مريـراً وحاليـا
وضــمّختُ أيّــامي بعطــر شــبابها وشعشــَعتُ أحلامــي بنــور خياليـا
وقـامرت بالمجـد الـذي كان رائدي وشــوّهتُ تمثــالي وحطّمــتُ ذاتيـا
وقلـت لنفسـي إنهـا مرفـأ المُنـى ومهـوايَ مـا عاشـت وعـاش غراميـا
وظــاهرَني قلــبي عليهـا فـأذعَنَت وأرخيــتُ للعشـقِ المريـض عنانيـا
ومـا كنـت أدري مـا يجـرُّ غرامهـا ولكـنّ قلبـاً فـي الضـلوع دعانيـا
وفـي ليلـةٍ خرسـاءَ مقـرورةِ الدجى تمـرّدَ فيهـا الشـوقُ هيمـان عاتِيا
وعـانقتُ فيهـا السهد عينا وخاطِراً وسـامترُ فيهـا الوجدَ جهشانَ باكيا
سـعيتُ إليهـا جـائعَ الـروح ظامئاً إلـى نبعِهـا المسموم حيران شاكيا
كـأني خط السكران يشقى بها الثرى مغلّـــةً شـــلّاء تفنـــى توانيــا
أُرَتّــل أشــعاري حنينــاً وصــبوةً وأســكب روحـي فـي الظلام مراثيـا
ويسـبح ظلّـي فـي سنا البدر شائعاً ويزحـم صـوتي ضـجّةُ الريـح شـاجيا
وللصــمت أصــداءٌ كــأنّ زفيفهــا فحيـح سـقيم الـروح يشجى الأفاعيا
ورحـتٌ أناديهـا علـى بعـد دارهـا وأطيافهـا الرعنـاء ترثـي لحاليا
ومــازلت أقتــافُ الظلام وأحتفــى بقربِـــيَ مســـرفاً فــي رجائيــا
وأســألُ نفســي هـل تُسـَرُّ بمقـدمي وترحــم أنّــاتي وتحــي رُفاتِيــا
وقـالت لـي الأوهـام أيـن وفاؤُهـا فقلــت لأوهــامي وأيــن وفائيــا
لقـد وهبتني الجسم والروح والهوى ولــم أعطهــا إلا فتــاتَ شـبابيا
ومـا أنـا يـا أوهـامُ إلا حياتهـا ومــا هـي يـا أوهـامُ إلّا حياتيـا
ســأكفرُ بالأقـداس فـي ديـرِ حبّهـا وأجعــلُ شــيطان الغــرام إلهيـا
ومـــا هــي إلّا وثبــةٌ وانطلاقــةٌ وألفَيتُنـي أغشـى عليهـا المغانيا
وأقـدمتُ إقـدامَ الجبان على الوغى تـرى المـوتَ عينـاه بعيدا ودانيا
وألهبــتُ بالأشــواق روح إرادتــي وأُنســـيتُ إلّا لـــذّتي ومتاعيـــا
ومـزّقَ صـوتي هـدأةَ الليـل ضـارِعاً ومـزّقَ وجـدى هـدأة الـروح طاغيـا
وهبّــت تبـاريني الهتـاف وخلتُهـا تصــارعُ مثلــي رهبــةً وتــداعيا
وحيّيتُهـــا فاســتعجمَت وســألتُها فكـانت كصـَمتِ القبر هاج النوازِيا
وقــالت بعينيهــا وهبـتُ عـواطفي لغيـرك فـاقطع فسـحةَ العمر خاليا
وأطرقـتُ إطـراقَ اليـتيم على الأسى وضــجّت بألحـان الثكـالى سـمائيا
وودّعــت دنياهــا بشـجوى وأدمعـي وهدهـدتُ بالصـبر الجريـح فؤاديـا
وقلــتُ لقلــبي ربّمـا كنـتُ مخطئاً طريـق الهـوى أو أننـي كنت جانيا
ويــا ربّ ليــل طـال حـتى ظنَنتـهُ خلـوداً فكـان الفجـرُ للظـنِّ ماحيا
لعَنتُـكِ يـا خرقـاءُ مـا كنتُ خائناً ولا كــان قلـبي فـي غرامـك لاهيـا
ولكنـــه دهــري وحظّــي ومحنــتي تقاســـَمن أيّــامي وزِدنَ شــقائيا
سأصـبرُ يـا حمقـاءُ إلّا عـن البُكـا وعــن ذِكريـاتي آه مـن ذكرياتيـا
وللــدّهر أن يقســو وإنـي لصـامدٌ وإن حطّمــت سـود الليـالي جلاديـا
ألِفـتُ صـراع الـدهر من يوم مولدي كــأنّي علـى الـدنيا مُلاقٍ حسـابيا
ويـا سـلوتي عنهـا إليـكِ فلم أكُن لأســلوَ مــن كـانت مَنـارَ حياتيـا
سـئمتُ غنـاءَ الحـظ وانسـاب غائمي دموعــاً علــى مـا ذقتـه ومآسـيا
وطهّــرتُ نفســي مــن تـراب مرقّـشٍ يحــنُّ إلـى رجعـاه لهفـان صـاديا
ومزّقــتُ آمــالي فبــاتت ذبيحــةً مشــرّدةَ الأشــلاءِ تطـوى اللياليـا
وأودعـت صـفوي قُمقمـاً مـن غيـاهب وأنكــرتُ حــتى بســمتي وعبوسـيا
وغـامَت علـى عيني الحقائقُ وانتضى لـيَ الشـكّ سيفاً ظامىء الحد ماضيا
وحيّــرتُ مـن يأسـى أأدنـى مَنيّـتي فــأرحمُ نفســي أم أُميـت حياتيـا
حيـاتي طريـقٌ لسـتُ أدرى انتهـاءه وقبلاً جهِلـتُ البـدءَ منـذ ابتدائيا
ومـوتى بيـدٌ يعـزف الغيـبُ فوقَهـا مزاميــرَ أشــباحٍ تهـزُّ الـدياجيا
فمــالي وللــدّنيا سـئمتُ نـداءَها أكرّشــها إمّــا اسـتجابت نـدائيا
دعينــي لأبقــى الخالـدين يضـمّني لأخـــرج منـــك لا علـــيَّ ولاليــا
صالح الشرنوبي
177 قصيدة
1 ديوان

صالح بن علي الشرنوبي المصري.

شاعر حسن التصوير، مرهف الحس، من أهل بلطيم بمصر، ولد ونشأ بها.

دخل المعهد الديني بدسوق، فمعهد القاهرة، فالمعهد الأحمدي بطنطا، ثم كلية الشريعة، فكلية دار العلوم.

ودرّس في مدرسة سان جورج بالقاهرة، ونشر بعض شعره في مجلات الإذاعة والرسالة والثقافة وجريدتي الأهرام والمصري، وعمل في جريدة الأهرام.

ذهب إلى بلطيم ليقضي أيام عيد الأضحى مع أهله، فقضى نحبه منتحراً.

له اثنا عشر ديواناً في كراريس صغيرة، منها مجموعة أسماها (نشيد الصفا -ط).

1951م-
1370هـ-