عَزاءً فَما يُغنِي الأَسى والتَّفَجُّعُ
الأبيات 65
عَــزاءً فَمـا يُغنِـي الأَسـى والتَّفَجُّـعُ وإِن دَهَـمَ الخَطـبُ الجَليـلُ المُزَعـزِعُ
وَلـو كـانَ سَكبُ الدَمعِ يُغنِي أَخَا شَجىً بَكينــا دَمــاً لَكنَّــهُ ليــسَ يَنجَـعُ
فَلا تَتوجَّـــع مِـــن مُصــَابٍ فَإِنَّمَــا يَســُرُّ الأَعــادِي مِنـكَ هَـذا التَوجُّـعُ
وَذُو العـزمِ قَـد يَشجَى ولَكِن بِقَدرِ ما يُــرَى ثُــمَّ يَنهــاهُ نُهَــاهُ فَيَشـجَعُ
لَنــا اللَــهُ مِـن رُزءٍ عَظيـمٍ مُحَيِّـرٍ تَكــادُ لــهُ صــُمُّ الجِبــالِ تَصــدَّعُ
وَواقِعــــةٍ عـــمَّ الخَلائِقَ وَقعُهـــا ولَـم يَخـلُ مِنهـا فـي الجَزيرَةِ موقِعُ
وَواخـبراً عَـن مُنتَـدىً فـي العُلا غَدَت بِــهِ تُخفَــضُ الأَصـواتُ طَـوراً وتُرفَـعُ
أَلـــمَّ بنــا ليلاً فبِتنــا بِلَوعَــةٍ وســُمُّ الأَفــاعِي عَــذبُ مــا نتجـرَّعُ
تقـولُ لنـا سـُودُ الصـَحائِفِ إِذ أَتَـت بــهِ نحـنُ أم بِيـضُ الصـَفائِحِ أَقطَـعُ
أَقــولُ وَعَينــي بالــدُموعِ غَريقــةٌ كَــذا فلتَجِــلَّ الحادِثــاتُ وتفجــعُ
خليلَــيَّ مــا لِلأُفـقِ أَسـوَد والسـَمَا تَســـُحُّ دَمـــاً والأرض حَــرَّى تســفَّعُ
نَعـم غـابَ بَـدرُ التِّـمِّ فَـالكَونُ لابسٌ ثِيـابَ حِـدادٍ مِـن سـَدى الهـمِّ تُصـنَعُ
فَوَالَوعــةَ القَلـبِ المُحـرَّقِ بـالجَوى عَلَـى مَـن بـهِ أَمسـَى يُـوارِيهِ مَربَـعُ
مَضــَى راشــِدُ الأَفعــالِ غيـرَ مُـودَّعٍ وبِالحَمــدِ والــذِّكرِ الجَميـلِ يُشـَيَّعُ
مَضــَى ومَشــَوا مِــن خَلفِـهِ وَأمـامَهُ وأَبصــَارُهُم مــن شـِدَّةِ الهَـولِ خشـَّعُ
فَيــا لــكَ مـن جَفـنٍ يَسـيلُ ومُهجَـةٍ تُســَلُّ بأَيـدِي الوجـدِ كرهـاً وتُنـزَعُ
لئِن راحَ مَطويـــاً بـــأَذرُعِ خامــةٍ فنَشـــرُ عُلاهُ لـــم يَـــزَل يَتَضــوَّعُ
فيـا قَمـراً قد بانَ في الشَرقِ غارِباً وعَهـدِيَ بِالأَقمـارِ فـي الشـَرقِ تَطلُـعُ
رحلـــتَ لجنّــاتِ النَعيــمِ مُرَوَّحــاً وظَلنَـا بنَـارِ الكَـربِ والبُـؤسِ نُلذَعُ
أَظُــنُّ الـرَدى يَختـارُ فِينـا سـِهَامَهُ وإِلا فَفــي الأَحيــاءِ دُونَــكَ مَقنَــعُ
خَليلـيَ مـا حُزنِـي الغـداةَ بِمُقنِعِـي عَلــى أنَّ مِثلِــي بِــالعَزا يَتَقَنَّــعُ
وَليــسَ بَقــائِي ســَلوةً بَعـدَ فقـدِهِ ولكــنَّ أَمـرَ اللَـهِ مـا مِنـهُ مَجـزَعُ
وأَنَّـى لنـا السـُلوَانُ والصـَبرُ بعدَهُ وفــي أَربـعٍ منّـا خَلَـت مِنـهُ أَربُـعُ
فَمَــا أوحشــَت مِنــهُ لَعَمـرِيَ أَربُـعٌ تحلَّــت بِـهِ بـل أَوحشـت مِنـهُ أَضـلُعُ
لَقَـد كُنـتُ أَبكيـهِ وفِـي قُربِـهِ رَجـاً فَكيـفَ وَقَـد أَمسـَى ومـا فيـهِ مَطمَـعُ
ســـَيَبكِيهِ مِحـــرابٌ ودرسٌ وَمِنبَـــرٌ وكُتــــــبٌ وأَقلامٌ ورَأيٌ ومَجمَـــــعُ
وَوَعــظٌ وتــذكيرٌ إِلـى اللَـهِ مُنهِـضٌ وزجــرٌ يَليــنُ الصـَخرُ مِنـهُ ويَخشـَعُ
سـَيَبكِي عَليـهِ العِلمُ والجودُ والحِجا وحُسـنُ النُهـى وَالعـزمُ والحزمُ أَجمَعُ
فَلــو شــَفَعَ الـدَهرُ الحيـاةَ لميِّـتٍ شـــَفَعنَا لـــهُ لَكِنَّـــهُ لا يُشـــَفَّعُ
وَلـو كـانَ ريـبُ الدَهرِ يُدفعُ بالقُوَى دَفعنَــاه عنــهُ بــالَّتي هِـيَ أَمنَـعُ
وَلَكــنَّ حُكــمَ اللَــهِ لا شــكَّ نافِـذٌ وَمـا لامـرِئٍ عَمّـا قَضـَى اللَـهُ مَـدفَعُ
وَمَـن كـانَ فـي كَـفِّ الزَمـانِ زِمـامُهُ أَيَنفَعُــــهُ أَنَّ اللِّجَــــامَ مُوَســـَّعُ
رأيـتُ المَنايـا خبـطَ عشـوَاءَ ربَّمـا نَجــا عاطِــلٌ مِنهـا وطـاحَ المُـدرَّعُ
فَواعَجَبـاً يمشـي ابـنُ عِشـرينَ آمِنـاً ويُفجـا ابـنُ عَشـرٍ بالحِمَـامِ ويُفجَـعُ
لَقَــد قصــَّرَت عَــن كفِّـهِ كَـفُّ قَيصـَرٍ كَمــا كُسـِرَت أَجنـادُ كِسـرى ومُزِّعُـوا
وَلَــم ينتَصـِر مِـن نحسـِهِ بُخـتُ نَصـَّرٍ ببُخـتٍ وَلَـم يَنفَعـهُ مـا كـانَ يجمَـعُ
وعــادَت عَلــى عـادٍ عَـوَادِي صـُرُوفِهِ فَعــادَت مَغــانِي رهطِـهِ وهـيَ بَلقَـعُ
لـهُ كـلَّ يَـومٍ فـي البَرايـا وقـائِعٌ وكُـــلٌّ لجَـــاري بأســـِهِ مُتَوَقِّـــعُ
فكَيـفَ يَطِيـبُ العَيـشُ أَو يَحسُنُ الهَنا وأَنفُســـُنا لِلحَتـــفِ ســَهمٌ مُــوَزَّعُ
أَلا إِنَّمــا الــدُنيا هَبــاءٌ بِكُــوَّةٍ وآلٌ عَلــى أفنــانِ صــَحراءَ يلمَــعُ
إِذا مَـا صـَفَت وَقتـاً يَسـيراً تكـدَّرَت وُقُوتــاً وإِن أَعطَـت فبِـالقُربِ تَرجِـعُ
وكم مِن خُطاً قد أُوسِعَت في الخَطَا لنا لقـد ضـاقَ عنهَـا العُذرُ لولا التَضَرُّعُ
فيَـا أَيُّهـا المغـرورُ فيهـا بزَهـرَةٍ ستُبصـِرُ بعـدَ المـوتِ مـا كنـتَ تَسمَعُ
رُوَيــداً رويـداً يـا عبيـدَ بطُـونِهِم علـى ظَلعِكُـم يا أَيُّهَا الظُلعُ أَربِعُوا
فكـم قـاطعٍ عُـرضَ الفَلا فـي حُطامِهـا ســـتَحطِمُ يومـــاً عُمـــرَهُ وتُقَطِّــعُ
ولـو كـانَ إِنسـانٌ مـن الحَتفِ سالماً نَجـا ذلـكَ الشـَهمُ الهُمـامُ السَمَيدعَ
لقــد كــانَ عنّـا لِلخطُـوبِ مُـدافِعاً فثــارَت عليــهِ ثــورةً ليـسَ تُـدفَعُ
لَعَمــري لَئِن جــارَ الزَمـانُ بسـلبِهِ فلَـــم يُفــنِ إِلا مُقلَتَيــهِ ويقلَــعُ
فواهـاً لـهُ مِـن كـوكَبٍ غـارَ بعدَ ما هلا وحلا مِنــــهُ مَنَــــارٌ ومكـــرَعُ
وثُلمَـــةِ ديـــنٍ لا يُســـَدُّ بغيــرِهِ وخَــرقٍ علــى الإِسـلامِ هيهَـاتَ يُرقَـعُ
إمَـامٌ أصـيلُ الـرَأيِ مُذ كان لم يَزل يَســُنُّ لنــا طُـرقَ المَعـالي ويشـرَعُ
فــــــي السياســــــةِ شـــــِرعَةٌ ولِلّــه مِنــهُ فــي السـِيادةِ مشـرَعُ
ذكِــيٌّ يَــرَى مُسـتَقبَلَ الأمـرِ ماضـِياً ويعــرفُ مِنــهُ مــا يضــرُّ وينفَــعُ
بليــغٌ إِذا مــا قـالَ أسـكَتَ غيـرَهُ وأَصــغَى لــهُ قلــبٌ وطَــرفٌ ومَسـمَعُ
يُــدِيرُ مـن الأمثـالِ والحِكَـمِ الَّـتي غَلَــت وحلَــت كاســاتِ خمـرٍ تَشَعشـَعُ
فَلــولا أخــوهُ ثــمَّ فتيــانُ قَـومِهِ لَنَــادَيتُ جهــراً والعــوالمُ تَسـمَعُ
تُـــوُفِّيَتِ الآدابُ مِــن بعــدِ راشــدٍ وأَضــحَى ســَوامُ المَجـدِ وهـوَ مُضـيَّعُ
فَلا يُشــمِت الحسـّادَ أَن ينطَفـي لَنـا ســِراجٌ فقــد شــُبَّت مصــابيحُ لُمَّـعُ
لئِن غــابَ بـدرُ التِـمِّ هـذا شـَقيقُهُ ســـَناهُ ولا فَخـــراً أَتــمُّ وأَرفَــعُ
إِذا مــا أَلَمَّــت وادلَهمَّــت مُلمَّــةٌ وأعيَــت جلاهــا نــورُهُ المُتَشَعشــِعُ
فَلـولا سـناهُ اليـومَ كِـدنا نَضـِلُّ في دُجـى ذلـك الخَطـبِ المَهُـولِ المـروِّعِ
فيـــا ربِّ متِّعنــا بطــولِ حيــاتِهِ فمــا عمــرُهُ إلا الربيــعُ الممتِّـعُ
وأوصــِل عليــهِ ســَيبَ بِـرِّكَ واكفِـهِ وعِـــترَتَهُ والآل مــا مِنــهُ مَفــزَعُ
وَهَبنــي رِضــَاهُ يــا إِلهــي وبِـرَّهُ فهــذا قُصــارى مــا لــهُ أَتَطَلَّــعُ
وأَزكــى صــلاةِ اللَــهِ ثــمَّ ســلامِهِ علــى المُصــطفَى والآل مـا لا مُسـَهَّمُ

عبد العزيز بن عبد اللطيف بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل مبارك.

ولد في مدينة الأحساء، ونشأ بين أسرته وأهله مولعاً بالعلم والأدب ومكارم الأخلاق.

قرأ القرآن والفقه والحديث والتفسير، وأخذ النحو وعلوم العربية.

كانت حصيلته الشعرية كبيرة، حيث كان يهبط عليه الشعر متى أراد.

وقد تنقل بين البحرين وعمان والهند.

1924م-
1343هـ-

قصائد أخرى لعبد العزيز بن عبد اللطيف آل مبارك