الأبيات 42
إن البنـاء دليـل قـدر الباني وجمــاله للمــرء ذكــرٌ ثـاني
ودليـل حسـن العقـل ما يختاره وبــذاك تعــرف قيمـة الإنسـان
ونتيجــة الأفعـال فـي آثارهـا وجلالــة الأخطـار فـي البينـان
ومحاسـن الآثـار توضـح مـا خفي مـن فضـل موجـدها مـدى الأزمان
وإذا أردت لصـدق قـولي شـاهدا كيمــا يكـون بأوضـح البرهـان
فـاعطف بمنعطـف الجزيـرة بكرة تلـق الأمـان بهـا ونيـل أماني
وخـذ الجـواري المنشآت صوابحا فهـي الـتي انحـت مـن الطوفان
وهـي الوليّة حيث فوق الماء تم شــي غيـر مـا مبلولـة الأردان
واركـب فباسم اللَه مجراها ومر ســاها بطيـب اليمـن والإيمـان
حــتى إذا لاحــت لعينـك أربـع مأهولـــة ومنـــازل ومغــاني
ورأيـت مـا دهـش العقـول أقله مــن كــل قصـر شـامخ الأركـان
أيـوان كسـرى والخورنـق دونـه والقصـر ذو الشـرفات من عدنان
فاحلـل بروضـتها الأريضـة انها أنــس الحزيــن وسـلوة الثكلان
واستنشـق الأرواح مـن أدواحهـا فهــي الشـفاء لكـل صـب عـاني
لا تنعتــنّ صــفاتها وصــفاءها إلّا بقــول الفاضــل الهمـذاني
لا تســمع الآذان فــي جنباتهـا إلّا ترنـــم ألســـن العيــدان
فحياضــها ورياضــها وغياضـها ســلّت غريــب الأهــل والأوطـان
قــد رنّمــت أطيارهـا وتـدبّجت أزهارهـــا بمجــانس الألــوان
مــن أزرق صــاف واصـفر فـاقع أو أبيــض يقــق واحمـر قـاني
وتــدفّقت أنهارهــا وتمــايلت أشــجارها كمعــاطف النشــوان
هـي جنّـة المأوى فإن قبلوك يا بشـراك إذ قـد فـزت بالرضـوان
يـا مـن يقـايس غيرها بجمالها بيننـا المقيـاس فـي الميـدان
يا حبذا في النيل منهلها الذي فـي الحسـن أضـحى مفرد الأقران
فهناك أُنسي لا العذيب ولا النقا ومعاهـدي لا السـفح مـن نعمـان
تحييـى الجنان جنانه وتزيل عن قلــب الحزيـن عوامـل الأحـزان
ويمــر رقـراق النسـيم معطـرا أرجـــاءه بتعـــانق الأغصــان
وجــداول تنسـاب فـي حافاتهـا معوجّـــة اللفتــات بالاتقــان
وحـــدائق متقـــابلات اخجلــت أوضـــاعهن فلاســـف اليونــان
فهنـاك تنظـر مـن عنيـت مديحه أعنـي بـه الشهم الجليل الشان
تلقــاه مـن دون السـؤال لأنـه نـادي الوفـود ومنـزل الضيفان
حيـث المـروءة والفتوة والوفا بــل مجمـع البحريـن يلتقيـان
لكــنّ بينهمـا التفـاوت واضـح شــتّان هــل يتقـايس البحـران
فالنيــل يـأتي كـل عـام مـرّة وعبــاب جــودك دائم الفيضـان
يـا أيهـا المولى الذي أوصافه عـن وصـف خيـر البعض كل لساني
أنـت العزيز بمصرنا بل أنت مع جـز عصـرنا بـل فخـر كـل أوان
أنـت الـذي مدحتك ألسنة الورى بمحبّـــة فـــي الســر والإعلان
أنـت المجيـد ومـا لمجـدك أول أنـت الفريـد ومـا لفضلك ثاني
لـولا عزائمـك الشـهيرة لاغتـدت منــا الأسـود فـرائس الضـبعان
انسـان عين العين نبراس الورى وســـواكم عيـــن بلا انســـان
هنئت بـالبيت الـذي قـد شـدته ولـك الهنـا والسـعد مقترنـان
لمـا حللـت بـه ازدهـاه ترفّـع بوجـــودكم وعلا علــى كيــوان
فعبيــد فضــلك أرخـوه لطيبـه قصــرٌ ســما بســعادة السـكّان

نصر الله بن فتح الله بن بشارة الطرابلسي الحلبي.

شاعر فحل، أديب فاضل، محب للعلوم ولدرس اللغات، ولد في حلب من أبوين كاثوليكيين من أعيان الشهباء، امتازا بالفضل والفضيلة.

درس مبادئ العلوم على أدباء مدينته فأتقنها في وقت قصير، ثم تفرغ للدروس البيانية والآداب فحفظ شيئاً كثيراً من أشعار العرب ونوادرهم وأخبارهم.

درس اللغتين الفارسية والتركية وكان له بهما شعر جيد. رحل إلى مصر فاراً بدينه بعد ما لقيه من الاضطهاد في بلده. عاش الطرابلسي في مصر إلى أواسط القرن التاسع عشر.

له قصائد كثيرة اغتالت أكثرها يد الضياع.

1840م-
1256هـ-

قصائد أخرى لنصر الله الطرابلسي الحلبي