لَقَد نعتك عَلى بعد لي الصحفُ
الأبيات 43
لَقَـد نعتـك عَلـى بعـد لـي الصحفُ فَبــت مــن شـدة الأشـجان أرتجـفُ
لَـم يبـد حينئذ منـي عَلـى جلـدي إلا وجــــوم وإلا أَدمـــعٌ تكـــف
لَقَـد أَصـابَت ولـيَّ الـدين كارثـة أَودت بــه وَكَـذاك الشـمس تنكسـف
أَرى الـدواوين بعـد اليوم ناقصة تعوزهــا كلمــات منــك تقتطــف
كَـم مـن وجـوه تَرى في مصر شاحبة لرزئهـــا وَقُلــوب للأســى تجــف
قـالوا وَلـي يُراعي الوقت ملتزماً وَالحـزم ذلـك يـأَتيه الألى حصفوا
هـب ذاكَ عيبـاً تشـين الحرَّ قالتُهُ فـأي شـمس أَضـاءَت مـا بهـا كلـف
أتعبـت نفسـك فـي الإصـلاح مجتهداً بمـا كتبـت وأنـت الناحـل الدنف
حـتى مرضـت فبـت اللَيـل مشـتكياً مـن طـول إظلامـه وَاللَيـل منتصـف
وإن داءك مــن بعــد اِســتحالته أعيا الأطباء في مصر كَما اِعترَفوا
واِشـتد مـن غيـر إنـذارٍ فمـت به كَــذَلِكَ الغصـن بالنكبـاء ينقصـف
وَرب داء عيــــاء لا دواء لــــه يـأَتي المَريـض عَلى أَعقابه التلف
مـا كـانَ أعـدله لَـو كـانَ يمهله لكنمـا المـوت فـي الأحكام معتسف
كـانَ الجَـدير بـه إبقـاء جـذوته إذ لَيـسَ في نشر أنوار الهدى سرف
مـا كُنـتُ أَجهَل مذ شق الهدى بصرى أنَّ الَّــذي هُـوَ مـاش للـونى يقـف
وَللحيــــاة نـــواميس ملازمـــة وَيـل لِمَـن هُـوَ عنهـا كـانَ ينحرف
كـل امـرئٍ واقـف منهـا عَلـى جرف وَسـَوفَ ينهـار فـي يـوم به الجرف
يســوؤني أن داراً أَنــتَ نازلهـا مـا إن لهـا فسـحة تَكفـي وَلا غرف
مـا أكبر الحزن في قلب امرئٍ كلف شـطت بمـن هُـوَ يَهـواهم نـوى قذف
مـا جـاءَ وصـف وَلـيٍّ فـي مصـاحبة إلا وَفضــل ولـيٍّ فـوق مـا وصـفوا
قــابلته فـي فـروق لَيلَـةً وَلَقَـد رأَيــت فيــه أديبــاً كلـه طـرف
أَبقَـــت مُقــابلتي إيــاه حينئذٍ ذِكـرى لـه فـي فـؤادي لَيسَ تنصرف
وَلسـت أنسـى انتصـارات لـه صدقت فـي محنَـتي بل أنا بالفضل معترف
أسـفت إذ قيـل لـي أن الوليّ قضى وَهَـل يفيـد عَلـى من قد قَضى الأسف
قَـد كـانَ زينـة مصـر فـي كتابته كأنمــا هُــوَ فــي آذانهـا شـنف
يَقـول مـن كـانَ يلقـى نظرة صدقت عليــه مــا هُــوَ إلا روضـة أُنُـف
أَخشـى وَقَد سارَ سير المصلحين بهم أَن لا يَســير عَلـى آثـاره الخلـف
كـانَ الـوليّ لعمـري فـي كتـابته مـن الألـى لصروح الوهم قد نسفوا
مــا إِن هنالــك تَقليـد فينقصـه وَلا جمــود عَلـى مـا خطـه السـلف
يـا كَوكبـاً قَـد تَوارى بعد مطلعه بمــن تخفــف عنـا بعـدك السـدف
يـا مصـر إنـك أنـت اليـوم آسية عَلـى الـوليّ وَمـا بغـداد تختلـف
إن الـوَلي قضـى بـالرَغم عَن أَملي وَمـا قَضـى منه ذاك المجد وَالشَرف
فـي الـروض نَـور كَثير لا عداد له لكنمـا الزهـرة الحَسـناء تقتطـف
منهـا أَتـى وَإليهـا عـاد منطفئاً مـا إن عَـن الأرض للإِنسـان منصـرف
وَمـا رأَيـتَ بمـا قـد عشت من عمر كـالمَوت سـيلاً لمـن لاقـاه يجـترف
لَقَــد يسـوؤك يـا مـن ضـمه جـدث أن القبـور بيـوت مـا لهـا شـرف
مـا أَعجـب الأرض أُمَّـاً غيـر مشفقة مـن بعـد أَن تلـد الأبنـاء تلتقف
كَـم مـن أنـاس لأصـحاب لهم دفنوا وَمـن دمـوع عَلـى أَجـداثهم ذرَفوا
وَكــم أنــاس ذَوي جــاه وَمنزلـة بَكـى عليهـم أنـاس بعد ما هَتَفوا
كــل امــرئٍ سـوف تـأَتيه منيتـه وَعـلَّ فـي الـروح سـراً سوفَ ينكشف
الـدهر أَنحـى عَلـى الإنسان يقتله فَمَــن تـرى منـه للإِنسـان ينتصـف
مـا زالَ يَرمي سهام الموت عَن كثب وَكــل ذي مهجــة يومـاً لـه هـدف
وَهَــل تســر حَيـاة قَلـب صـاحبها وَفـي أكـف الردى من حبلها الطرف
جميل صدقي الزهاوي
956 قصيدة
1 ديوان

جميل صدقي بن محمد فيضي بن الملا أحمد بابان الزهاوي.

شاعر، نحى منحى الفلاسفة، من طلائع نهضة الأدب العربي في العصر الحديث، مولده ووفاته ببغداد، كان أبوه مفتياً، وبيته بيت علم ووجاهة في العراق، كردي الأصل، أجداده البابان أمراء السليمانية (شرقي كركوك) ونسبة الزهاوي إلى (زهاو) كانت إمارة مستقلة وهي اليوم من أعمال إيران، وجدته أم أبيه منها. وأول من نسب إليها من أسرته والده محمد فيضي. نظم الشعر بالعربية والفارسية في حداثته. وتقلب في مناصب مختلفة فكان من أعضاء مجلس المعارف ببغداد، ثم من أعضاء محكمة الاستئناف، ثم أستاذاً للفلسفة الإسلامية في (المدرسة الملكية) بالآستانة، وأستاذاً للآداب العربية في دار الفنون بها، فأستاذاً في مدرسة الحقوق ببغداد، فنائباً عن المنتفق في مجلس النواب العثماني، ثم نائباً عن بغداد، فرئيساً للجنة تعريب القوانين في بغداد، ثم من أعضاء مجلس الأعيان العراقي، إلى أن توفي. كتب عن نفسه: كنت في صباي أسمى (المجنون) لحركاتي غير المألوفة، وفي شبابي (الطائش) لنزعتي إلى الطرب، وفي كهولي (الجرىء) لمقاومتي الاستبداد، وفي شيخوختي (الزنديق) لمجاهرتي بآرائي الفلسفية، له مقالات في كبريات المجلات العربية.

وله: (الكائنات -ط) في الفلسفة، و(الجاذبية وتعليها -ط)، و(المجمل مما أرى-ط)، و(أشراك الداما-خ)، و(الدفع العام والظواهر الطبيعية والفلكية-ط) صغير، نشر تباعاً في مجلة المقتطف، و(رباعيات الخيام-ط) ترجمها شعراً ونثراً عن الفارسية. وشعره كثير يناهز عشرة آلاف بيت، منه (ديوان الزهاوي-ط)، و(الكلم المنظوم-ط)، و(الشذرات-ط)، و(نزغات الشيطان-خ) وفيه شطحاتة الشعرية، و(رباعيات الزهاوي -ط)، و(اللباب -ط)، و(أوشال -ط).

1936م-
1354هـ-

قصائد أخرى لجميل صدقي الزهاوي

جميل صدقي الزهاوي
جميل صدقي الزهاوي

البيتان من مجزوء الرمل، وفهمي في البيت الثاني المرحوم فهمي المدرس وكان قد دعاه إلى حفلة بحضور الملك، فلم يحسن اختيار مقعد له في جوار الملك فارتجل البيتين، فرد عليه فهمي بقوله: