إلى أيّ وادٍ شفَّ عيسى مَسيرُها
الأبيات 102
إلــى أيّ وادٍ شــفَّ عيسـى مَسـيرُها وَفــي أَيّ نــادٍ لا تحِــلّ ظهورهــا
إِلـى الكَعبَـة الغَـرّاء دام ظهورها تبــدَّت وَقَـد مُـدَّت عليهـا سـُتورها
وَلَـو سـَفرت أغنـى عَن الحُجب نورها
يُنـاجي فَـمَ الجـوزاء لسان منارها كَخــودٍ تَبــدت فـي خـدور سـتارها
مــؤزرة وَالخــز أدنــى إِزارهــا مُحَجَّبــــة لا عــــزّ إلا لجارهـــا
وَلَيــسَ الغنـيّ المحـض إلا فقيرهـا
تَبــدّى ضــياها لِلنـواظِر فـانجلى عَـن العين ما أقذى اللحاظ وأشكلا
وَقَـرَّت بهـا الآمـاق منذ إلى الملا تَجَلَّـت فـأخفى مـا عليها من الحُلى
سـَناها كَمـا تخفي اللَيالي بُدورها
فَيــا ســَعد عيـن متّعتهـا بنظـرة وَطــوبى لـداع فـاه فيهـا بلفظـة
وَصــلى مَـع الحجـاج فـي أَي قبلـة تطــوف بهـا الأملاك فـي كـل لحظـة
وإن لَـم يَبِـن بَيـن الأنـام مرورها
فَبعـد الوضـو مـن زَمـزَم بمياههـا وَفـي البنيـة العُليـا بأي تُجاهِها
يصـلي الَّـذي يَرجـو القبول بجاهها وَيَســجد فـي كـل الجهـات لوجههـا
ســواء تـوارَت أَو تَـراءَت قصـورها
إلـى سـاحة الرحمـن سـيقَت جموعنا وَملّــت لَهــا أَوطاننــا وَرُبوعنـا
وَحيــن تَنــاهى للقــاء نُزوعنــا قطعنـا إليهـا البيـد لَيسَ يروعنا
ســهول الفَيـافي دونهـا وَوعورهـا
نَسـير وَعَـرف الـدار وَهنـا يـدلنا إذا أَخــذ الليـل البَهيـم يُضـلنا
وَكُنّــا وأهــوال القِفــار تُظلنـا نَــبيت عَلــى ذُعــر الفلاة وكلنـا
لأجـل اللقـا هـادي الجفون قَريرُها
لَنــا أنفُــس فــي شـوقهنَّ غَريقـة وأفئدة بيـــن الجُنـــوب حَريقــة
مذلَّلــة تطــوي الــدروب مَســوقة وَهَــل تَرهَـب الأخطـار نفـس مشـوقة
تــبيت وَلَيلـى بـالحمي تسـتزيرها
فَمـا أنـس لا أنـس المَـوامي وَجِنّها وآســـاد آجـــام تُحـــدّد ســِنَّها
وَلَـو حقـق المولى إلى النفس ظنها أقــول لِصــَحبي وَالقِفــار كأنهـا
صــحائِف خطَّــت بالمَطايـا سـطورها
واهتِـف بالبشـرى لمـن هجـر الكرى وَقَـد لاحَـت الأنـوار تـوذن بـالقِرى
كَفـى العيـس جـذباً بالأزمّة وَالبُرى دعوا طيّ عرض البيد بالسير وَالسُّرى
فَهَـذا حمـي لَيلـي وَهاتيـك دورُهـا
مُنـى النفـس حـادٍ لا يُطيـق يُجِمّهـا ســوى أن تُسـرِّي مـا يَـراه يهمُّهـا
فجُسـنا القُرى لكن هَوى الركب أمّها دعَتنــا فَلَبينــا وَجئنــا نؤمّهـا
عـراة كَمَـوتى حـان منهـا نشـورها
خَلعنـا ثيـاب الـوِزر حين اِستجنها غــرور أبــاح الموبِقــات وَسـَنّها
وَلَمّـا رأينـا النفـس تُحسـن ظنَّهـا أتينــا إليهــا حاســرين لأنهــا
غِنانـا فَبـالفَقر الشـَديد نزورهـا
فَكَـم ضـاقَت الأحـوال يومـا وفرّجـت وَفتحــت الأبــواب طــوراً وأرتِجَـت
لــذلك وافتهــا جوانــح أحرجــت وَلمـــا بــدت أعلامهــا وَتــأَرَّجت
أباطِحُهـــا منهـــا وآن ســُفورُها
حططنــا رحــالا عَـن ظهـور تجلَّلـت جراجـاً وَمـا أَنَّـت لـذا بـل تَعَلَّلَت
وَحيــن تَنورّنــا البقــاع تجَمَّلـت وَضـعنا جِباهـاً في الثَّرى قَد تَهلَّلَت
أســاريرها منهــا وَزاد ســرورها
وَسـُرى عَـن العيـس الضـعاف كَلالهـا وَقـرَّت عيـون غـابَ عَنهـا اِكتحالها
هنالــك أنســانا المطــيّ جلالهـا وَطفنــا بهـا سـَبعا وَرَقَّـت ظلالهـا
عَلـى خـائِف مثلـي أَتـى يَسـتَجيرها
كَفـى مقلـتي يـوم القـدوم وَحسبها سـنا كعبـة لَـم تُخفِـه قـطّ حُجبهـا
مُنـى العين من بين الجَوارِح قُربها فَبُشـراك يـا عينـي وَدونـك تُربهـا
فَكَـم يَشـفي جفـن جـال فيه ذَرورها
وَقَــري لنــا فيهـا منـى وَسـعادة وَروقـي لـك الحُسـنى بهـا وَزيـادة
بلغــت حِمــى فيـه المسـرة عـادة فَفــوزي برؤياهــا فَتلــك عبـادة
تُـوفي لمـن وافـى إليهـا أجورهـا
فواهــا لهـا مـن بنيـة وَدَخيلهـا ســَعيد عيــون فـي ريـاض يُجيلهـا
فَهَيّـا دعـي الألحـاظ يَرنوا كحيلها وَطـوفي بهـا واسـعي فَقَلبي نَزيلُها
وَآيـــة إخلاص القلـــوب حضــورها
وَلا تَفتَـري عَـن ذا ولَـو جُبـت جوّها فَلَـن يسـأم الإنسـان وَالطرف زهوها
لَهـا الـروح بشرى حيثما شِمت ضوّها فَلَـو جـازَ قطع الأرض بالسير نحوها
عليــك لقـد واللَـه كنـت أَسـيرها
تحـاكي الثريـا فـي جمـال نقابها وَقَـد فـاقَت الجـوزا بصـون حجابها
أعوّذهــا مــن كــل حُسـّادِ بابِهـا فَطــوبى لعيــن شــُرّفت بترابهــا
وَتمــت بـوطء الأرض فيهـا نـذورها
لا أَيُّهـا الـدهر المحقـق لـي مُنـى قطفنـا مـن الآمـال مـا بعـده جَنى
وَلَـم يَبـقَ بعـد الحـج أينٌ وَلا عَنا سـَقا اللَـه أَيـام الحجيج عَلى منى
مُناهـا ومـن لـي لـو يَعود نظيرها
وَلِلَّــه لَيلات الصــفا دام ذِكرُهــا وَحــق عَلــى حجــاج مَكَّــة شـكرُها
وَتِلـــكَ لَيــال لا يُقــدر قَــدرُها فَلَـو شُريت لَم يَغلُ في السوقِ سعرُها
وَلَـو بيـع بـالعمر الطَويل قصيرها
ضــَرَبنا فَروّحنـا النفـوس بنشـرها وَقَـد جاءَنـا وَفـد النَسـيم بعطرها
وَحيــنَ تنورنــا شموســاً بِخـدرها بهـا زَمـزم الحـادي فَطابَت بذكرها
فمـن وَصـفها حادي السُرى يَستَعيرها
بســطنا أَكــف الابتهــال لربهــا رجــاء بــأن تَبقــى لكـل محبّهـا
وَلِـم لا نَرى التَشريف في لثم تُربها وَكـل فـؤاد فـي الحمـى عَبـدُ حُبّها
وَكــل طَريـق فـي الغَـرام أَسـيرُها
يَحــقِ لصــاد ذاب مـن فَـرط وَجـده ورود غَــدير حُــفَّ صــَوناً بأســده
فَلَيــسَ بســهل لِلفَــتى درك قصـده إذا قيــل هَــذا مَنهَــل دونَ ورده
قنـا الخِـط طـابَت لِلنفـوس صُدورها
تَجَــرُّع مــا تَلقــى سـَبيلُ مسـوغه وَتَشـمير ثـوب المَـرء عَيـنُ سـُبوغه
حُلـى البـدر في طول اِنتظار بُزوغه وَأَحلـى اللقـا ما كابدت في بلوغه
عناهــا وَمُــدَّت لِلمـوالي نحورهـا
أَيـا زُمـرة الـزُوّار بُلّغتـمُ المَدي وَفزتـم بـبيت لـن يبـارحه النـدا
فمـدوا إلى عالي الجناب يد الجَدا وَكَيـفَ تَخال النفس من دونها الردى
وَذاكَ النَــبيّ الهاشــميّ خَفيرهــا
خيــار قريــش فــاق صـدقاً وَذمـة وَأَســمى عبـاد اللَـه عزمـاً وَهمّـة
وأســناهمو قــدراً رَفيعــاً وأمَّـة هُـوَ السـيد المَبعـوث للخلـق رحمة
نَـبيُّ الهُـدى هـادي الوَرى وَنَذيرها
غيـاث البَرايـا مـن ذنـوب سِفاهِها وَســـاحته الفيحــا يُلاذ بجاهِهــا
وَمُرشـدها يـوم اشـتداد اشـتباهها وَشـافعها فـي الحشـر عنـد إِلههـا
وَمُنقِــذها مــن نــاره وَمُجيرهــا
فمــن مِثـلُ إبراهيـم سـاد ذَبيحـه وَمــن نَســله حـرّ النجـار صـَريحه
إمـام الـوَرى سـامي المقام رَجيحه وأَول مـــن ينشــق عنــه ضــَريحه
إذا بُعــثرت بالعــالمين قبورهـا
محمـــد الأنصــاري جــاء بِعقــده إلــى بـابه العـالي وَسـُدّة مجـده
ينـادي كَمـا نـادى الشـهاب بقصده أَتينــا حمــاه فالتقتنـا بِرفـده
نجــائب وافــى بالنجـاة بشـيرها
فمـــن لفــؤاد مُستشــيط بنــاره لفُرقــة مــن يهـوى وَبُعـد مَـزاره
عسـى الصـب يحظـى سـاعة بازدياره وإنــا لنرجــو عــودة نحـو داره
إذا مـا فـروض الحـج تمـت أمورها
فُــروض بهــا يَـزداد نُبلا شـَريفنا وَيُحمــد فيهــا وَخــدنا ووجيفُنـا
وَتُشــكر إِذ نُلقـي العصـيّ حروفُنـا فَلَيــسَ تمــام الحــج إلا وقوفُنـا
عليـــه تُــرى آثــاره وَســتورها
سـَلام عَلـى تلـك الحَظيـرة مـا صبا لتَقبيلهــا ثغــر النَسـيم فطيبـا
وَمـا فـاه شـادٍ بالمَديـح فأطربـا عليـه صـَلاة اللَـه مـا هبَّـت الصبا
وَمـا عـاقبت ريـح الجنـوب دُبورها
محمد فرغلي الطهطاوي
5 قصيدة
1 ديوان

محمد بك بن إسماعيل بن عبد العزيز الفرغلي الأنصاري الخزرجي الطهطاوي.

متأدب من كتاب الدواوين، له نظم. كان رئيس التحريرات العربية بوزارة الخارجية المصرية.

له (نظم اللآلي الغرر في سلك العقود والدرر - ط) شرح لمنظومة جده في التوحيد. فرغ من تأليفه سنة 1269، و(حسن السبك في شرح قفا نبك - ط) ألفه سنة 1309، و(العقد النفيس بتشطير وتخميس ديوان سلطان العاشقين - ط) سنة 1316، و(روضة الصفا بمديح المصطفى - ط) فرغ من نظمه سنة 1341.

1922م-
1341هـ-