الأبيات 318
أَمــن تــذكر جيــران بــذى ســَلَم أرِقــت ليلـك لـم تهجـع وَلَـم تَنَـم
هــم ودعــوك وَفـاء بـالعهود فَهَـل مزجــت دَمعـاً جَـرى مـن مقلـة بـدم
أَم هبـت الريـح مـن تلقـاء كاظمـة فاِستنشـق الصـب منهـا نشـر روضـهم
أَو هــاج شــوقك بالأســحار طيفهـم وَأَومـض الـبرق فـي الظلماء من إِضم
فَمـا لِعَينيـك إن قلـت اكففـا هَمتا هَلا يَخافــان مــن يَرميــك بـالكلم
وَمــا بِعَقلــك يَـزداد الـذهول بـه وَلمـا لِقَلبـك إن قلـت اِسـتفق يَهـم
أَيحســب الصــب أَنَّ الحُــبَّ مُنكَتِــم وَالـدَمع أَقـوى مـن الشـهاد للحَكـم
رِفقـاً بجسـمك هَـل يرجـى البَقاء له مــا بيــنَ منســجم منــه وَمضـطرم
لَـولا الهَـوى لَـم ترق دَمعاً عَلى طلل وَلا وقفـــت تنـــاجي دارس الرخــم
وَلا عــددت نجــوم الليــل ســاهرة وَلا أَرقــت لــذكر البــان وَالعَلَـم
فَكَيــفَ تنكـر حبـاً بعـد مـا شـهدت بـه العَـواذِل لَـولا العشـق لَـم تُلَم
إِن لَـم يَكونـوا عَلـى صدق فَقَد نَطَقَت بــه عليــك عـدول الـدمع وَالسـقم
وَأَثبــت الوجــد خطـى عـبرة وَضـنىً تَنازعــاك فكفكــف هاطــل الــديم
أَو بُــح بســرك حيـث الشـجو سـطّره مثــل البهـار عَلـى خـدَّيك وَالعنَـم
نعـم سـرى طيـف مـن أَهـوى فـأرقني لَيلا فمـن ذاك لَـم أهجَـع وَلَـم أَنَـم
لا يعــرف الحــب إلا مــن يكابــده وَالحــب يَعتَــرِض اللــذات بــالأَلَم
يـا لائمـي فـي الهَوى العذريّ معذرة مــا لَومـك اليـوم إلا رنـة الرنُـم
شـُكراً عَلـى ذكـر مـن أَحيا بسيرتهم منــي إليـك وَلَـو أَنصـفت لَـم تلـم
عـــدتك حـــالي لا ســري بمســتتر أَنـا المشـوق وأنف العذل في الرغم
أَرح فـؤادك لَـم أَحفـل بِمـا نقلـوا عَـــن الوشـــاة وَلا دائي بمنحســم
محضــتني النصـح لكـن لسـت أَسـمعه أعــذل مثلــك يثنينـي عَـن الخيَـم
لا أَقبـل الـرأي مـن ذي لومـة أَبَداً إن المحــب عَــن العـذال فـي صـَمم
إنـي اتهمـت نصـيح الشـيب في عذلي فَلا ارعـواء إذا مـا لاحَ فـي اللمـم
وَهـوَ النَـذير الَّـذي ما قالَ عَن كذب وَالشـيب أَبعـد فـي نصـح عَـن التهم
فــإن أَمـارتي بالسـوء مـا اِتعظـت وَسـاعدتها بسـعي فـي الخطـا قـدمي
تبـاً لهـا حيـث مـا أَبـدَت إِفاقتها مـن جَهلِهـا بِنَـذير الشـيب والهِـرَم
وَلا أَعَـدَّت مـن الفعـل الجَميـل قـرى إِلــى وقـور جَليـل القـدر ذي حُـرَم
فَمـا لَهـا أكرمـت كـل الضـيوف سوى ضــيف أَلَــمَّ بِرأســي غيــر محتَشـم
لَــو كنــت أَعلَـم أَنّـي مـا أوقـره لمـا تمنيـت طـول العمـر وا نـدمي
أَو كنــت أَحسـب أَنَّ الشـيب ذو نـذر كتمـت سـرّاً بـدا لـي منـه بـالكتم
مَــن لـي بـرد جِمـاح مـن غوايتهـا تَقــودني قَــود راع بُهمــة الغَنـم
فـاثن الزمـام ورد النفـس عـن سفه كَمــا يُــرد جمـاح الخَيـل بـاللجُم
وَلا تَــرُم بالمَعاصــي كسـر شـهوتها وَســُدَّ خلـة مـا قـد كـانَ مـن وحـم
وَلا تطعهــا إذا مــا شـمتها طمعـت إن الطعــام يقــوي شــهوة النهـم
وَالنَفـس كالطفـل إن تهملـه شب عَلى مَيــل عَـن القصـد أَو عـدَّلت يسـتَقِم
كَـذا إِذا لَـم تُـذقه الخبز يرغب في حــب الرضــاع وإن تفطِمــه ينفطـم
فاصــرف هواهــا وَحـاذِر أَن تـوليّه كَـي لا يُرى السيد المَخدوم في الخدَم
وَنحهــا عَـن سـَبيل اللَهـو محتميـاً إنَّ الهَـوى مـا تَـولى يصـم أَو يَصـِم
وَراعهــا وَهـي فـي الأعمـال سـائمة وَنـــم بعيــن وَبــالأخرى فَلا تنــم
وَالرشــد أنـك تَبغـي خلفهـا أَبَـداً وإن هــي اِسـتحلت المَرعـى فَلا تُسـم
كَــم حســنت لــذة للمــرء قاتلـة وَلَيــسَ يَعلَــم أَنَّ الـداء فـي الأدم
كَشــارِب الـراح مَقتـولا بمـا مُزجـت مـن حيـث لَم يَدرِ أَنَّ السمَّ في الدَسم
واخـش الدَسـائس مـن جـوع وَمـن شبع كَـم أَعجـز الطـب ما عاثت يد البَشم
واجعـل غـذاك مـن التَقوى وكن فطناً فـــرب مخمصــَة شــر مــن التُخــم
واِسـتفرغ الـدمع مـن عَين قد امتلأت وَالأزم يشــفى كَمــا قـالوا بطبهـم
فاربـأ بنفسـك عَمّـا كـانَ فـي صـغر مـن المَحـارِم وَالـزم حميـة النـدم
وَخـالف النفـس وَالشـيطان واعصـهما واحــذر خَديعــة وجـه منـه مبتسـم
لَــن يـأمراكَ بخيـر قـط مـا أمـرا وإن همــا محضــاك النصــح فـاتهم
وَلا تطــع منهمــا خصــما وَلا حكمـا مـا أَضـيعَ الحـق عند الفاسد الذمم
وَهَــل عــدوك يَقضــي مـا تسـر بـه فــأَنتَ تعـرف كَيـد الخصـم وَالحَكـم
أَســتَغفِر اللَــه مـن قَـول بِلا عَمَـل مثـل الحَكيـم يُـداوي وَهـوَ ذو سـقم
أَيَنفَـع النصـح إن قصـرت فـي عَمَلـي لَقَــد نَســبت بــه نسـلا لِـذي عُقُـم
أَمرتـك الخيـر لكـن مـا ائتمرت به وَملــت للشــر حَتّــى كنـت ذا قَـرَم
وَحـدت عَـن سـبل الرشـد الَّـتي شرعت وَمـا اِسـتَقَمت فَمـا قَـولي لك اِستَقِم
وَلا تــزوَّدت قبــل المَــوت نافلــة أَلَـم أَخَـف ظلمـة المَسـدود بـالرجم
وَمــا قـرأت بِلَيلـي مـا تيسـر مـن وَلَــم أَصــلّ ســوى فـرض وَلَـم أَصـم
ظلمــت سـنة مـن أَحيـا الظَلام إِلـى عـود الضـياء وَهـزم الصـبح للظلـم
مـا كـانَ يهجَـع حبـاً في الصَلاة إلى أَن اِشــتَكَت قــدماه الضـر مـن ورم
وَشــد مــن ســغب أَحشــاءه وَطــوى وآثــر الغيـر هـذا مُنتَهـى الكـرم
وَالريـح لَـو نشـرت ذَيل القبا نظرت تَحــتَ الحِجــارة كشـحاً مُـترف الأدم
وَراودتــه الجبـال الشـمّ مـن ذهـب فَمـا رآهـا تُسـاوي الزهد في القيَم
مـــالَت إليــه تُرَجّــي أَن ترغّبــه عَــن نفســه فأَراهــا أَيمــا شـمَم
وَأَكـــدت زهـــده فيهــا ضــَرورته وَكـانَ فـي ذاكَ دَومـاً ثـابت القَـدم
وَكَيــفَ يَجــزَع مــن فقــر وَمسـغَبة إنَّ الضــَرورة لا تَعـدو عَلـى العصـم
وَكَيـفَ تَـدعو إِلـى الدنيا ضَرورة من بَـدا فَكـان كَـروح الكَـون مـن قِـدَم
وَالنـور مـا كـان إلا مـن سـَنى قمر لَـولاهُ لَـم تخـرج الـدنيا من العدم
محمــد ســيد الكَــونين وَالثقلَــي نِ جــل عَـن شـبه فـي عـاد أَو جُشـم
مَـن ذا يُسـاوي امـام الحق وَالحَرمَي نِ وَالفريقيــن مـن عُـرب ومـن عجـم
نَبينــا الآمــر النــاهي فَلا أَحــد يـــرد أَمــراً وَلا نهيــاً لمحتكِــمِ
وَالصـدق شـيمَته فـي الحـالَتين وَلا أَبَــرَّ فــي قــول لا منــه وَلا نعـم
هُــوَ الحـبيب الَّـذي تُرجـى شـَفاعَتهُ يَــوم الـذهول بخطـب فـادح الغُمـمِ
نَــراه عنـد اشـتداد الأمـر عُـدتنا لكــل هــول مــن الأَهــوال مقتحـم
دَعـا إِلـى اللَـه فالمُستَمسـِكونَ بـه لاذوا بحصـــن وَحلــوا ذروة الأطــم
وَالمُهتَـدون بِمـا جـاءَ البَشـير بـه مستمســـكون بحبــل غيــر منفصــم
فـاقَ النَـبيين فـي خَلـق وَفـي خُلـق لــذاكَ أَصــبح فيهـم صـاحب العَلَـمِ
وَســار تحــت لــواه كــل جيشــهم وَلَــم يـدانوه فـي علـم وَفـي كَـرَم
وكلهــم مــن رســول اللَـه ملتمـس فَهـوَ الإمـام لهـم فـي واضـح الثكم
مـن نـوره اِقتَبَسوا من سره ائتنسوا غرفـاً مـن البحر أَو رشفاً من الديم
وَواقفـــون لـــديه عنـــد حــدهم كــدارة هــو فيهــا مركـز القلـم
حلـوا بِـذاك مَقـام المجد واِقترَبوا مـن نقطـة الفضل أَو من شكلة الحِكَم
فَهــوَ الَّــذي تــم مَعنـاه وَصـورته وَنـزه اللَـه منـه القلـب عَـن أُضـُم
ســاد البَريَّــة طـراً وَهـوَ واحـدها ثــم اِصـطَفاه حَبيبـاً بـارئ النسـم
منــزه عَــن شــَريك فــي محاســنه عقــد الشـَمائل أَغنـاه عَـن التـوم
خــص الجَمــال بفــرد فــي ملاحتـه فجــوهر الحســن فيـه غيـر منقسـم
دَع مـا ادعتـه النَصـارى فـي نَبيهم جهلا وصــغ كــل قــول فيـه منتظـم
وَصــفه بالعبــد إن اللَــه ســيّدَه واحكـم بمـا شـئت مدحاً فيه واحتكم
فــإن فضــل رسـول اللَـه لَيـسَ لـه كُنــه يَـراه ذكـاء الحـاذق الفَهِـم
مـذ كـانَ كـالبَحر لَـم يعـرف لآخـره حـــد فيعــرب عنــه نــاطق بفــم
لَــو ناســبت قــدره آيـاته عظمـا أَجــابَ دعــوته مــن حـل فـي الأدَم
أَو كـانَت الـذات عيـن الاسم في أَثر أَحيـا اسـمه حيـن يدعى دارس الرمم
لَـم يمتحنـا بمـا تعيـا القـول به علمـاً بـأَنَّ مزيـد الخيـر فـي الأمَم
فَجــاءَ بــالمعجزات الغُــرّ واضـحة حرصـاً عَلَينـا فَلَـم نرتـب وَلَـم نهِم
أَعيـا الـوَري فهـم مَعناه فَلَيسَ يُرى إلا كمثــل خيــال طــاف فــي ظُلـم
مـا فـاه بالمـدح والأوصـاف معجـزة فـي القـرب وَالبعـد فيه غير منفحم
كالشــَمس تظهـر لِلعَينيـن مِـن بُعُـد إن اســتدارتها تربــو عَـن الخَتـم
مــا الـذَنب إلا لطـرف خالهـا كـرة صــَغيرة وَتُكِــل الطــرف مــن أُمَـمِ
وَكَيــفَ يـدرك فـي الـدنيا حَقيقتـه ذَوو البَلاغـــة والإســهاب كــالبكم
أَو يكشــف الســر والألبـاب ذاهلـة قــوم نيــام تسـلّوا عنـه بـالحُلمِ
فَمبلــغ العلــم فيــه أَنــه بشـر نـالَ الكَرامـة فـي عـرش وَفـي حَـرم
والأنبيـــاء جميعـــا دون رتبتــه وأنــه خيــر خلــق اللَــه كلهــم
وكـل آي أتـى الرسـل الكِـرام بهـا فانقــاد للرشـد بعـض مـن شـعوبهم
كـانَت كمثـل الصـدا مـن صوت دعوته فإنهــا اِتصــلت مــن نــوره بهـم
فــإنه شــمس فضــل هــم كواكبهـا كــالغَيث أَولــه قطــر مـن الرهـم
وَالفضـل للشـمس لا للزهـر إذ سـطعت يظهـرن أَنوارهـا للنـاس فـي الظُلم
أَكــرم بخلــق نَــبي زانــه خُلــق فــاقَ الأكــابر فيــه غيـر محتَلـمِ
مـاء الحَيـاة جَـرى فـي وجـه مبتسم بالحســن مشــتمل بالبشــر متســم
كـالزهر فـي تـرف وَالبـدر فـي شرف قـد جـل عـن صـلف وازداد فـي شـمم
وَالصـبح فـي فلـق وَالمسـك فـي عبق وَالبحـر فـي كـرم وَالـدهر فـي همم
كـــأنه وهــو فــرد مــن جلالتــه يَــروع كــل كمــي فـي الـوَرى رُزم
أَحــاطه النصــر حَتّـى ظُـن منفـردا فــي عسـكر حيـن تَلقـاه وَفـي حَشـَم
كأَنّمـا اللؤلـؤ المَكنـون فـي صـَدف ثغــر يَفــوه بلفــظ منــه منسـجم
أَو الـدراري بهـا الغـواص جاء لَنا مــن معــدني منطــق منـه وَمُبتَسـم
لا طيــب يعــدل تُربــا ضـم أَعظمـه وَكَيـفَ لا وَهـوَ أَزكى الخلق في الشيم
لِـذاك طيبـة طـابَت فـي القرى أَرجا طــــوبى لمنتشـــق منـــه وَمُلتَئم
أَيــان مولــده عَــن طيــب عُنصـره بِلا عَنــــاء وَلا طلــــق وَلا وَحـــم
قَــد جــاءَ أَكحَــل مَختونـا كسـرته يــا طيــب مبتــدإ منــه وَمختتـم
يــوم تفــرس فيــه الفــرس انهـم دالَـت سـيادتهم للعُـرب فـي الخيـم
وانهـــم بطلــوع الســعد بينهــمُ قَـد أنـذروا بحلـول البـؤس وَالنقم
وَبــاتَ إِيــوان كسـرى وَهـو منصـدع مــن هــزة الأرض إِجلالا لـذي العلـم
وعقــد شــرفاته قـد بـاتَ منفرطـا كشــمل أَصــحاب كسـرى غيـر ملـتئم
وَالنــار خامـدة الأنفـاس مـن أَسـف بــالرغم عــن موقـد للأَمـر مُنفحـم
كَــذاكَ كــان لتنـور الوقـود أَسـىً عليـه وَالنهـر سـاهي العين مِن سَدَم
وَســاء ســاوة أَن غاضــَت بحيرتهـا مـن بعـد مـاء جَـرى كالفيض من ديم
بكـى الغَـدير عليـه وَالنَبـات معـاً ورُدَّ واردهــا بــالغَيظ حيــن ظَمـي
كـأَنَّ بالنـار مـا بالمـاء مـن بَلل أَحـالَ منهـا اللظـى لِلبـارد الشيم
كشــأن نـار لنمـرود الخَليـل خَبَـت حزنـا وَبالمـاء مـا بالنار مِن ضَرم
وَالجــن تَهتــف والأنــوار ســاطِعة لطلعـة المُصـطَفى كالبـدر في الظلم
حَتّـى رأى الشـامَ مـن فـي مكة غسقا وَالحـق يظهـر مـن معنـى ومـن كلـم
عمـوا وَصـموا فـاعلان البَشـائِر لَـم يكــن لـدى البُهـم إلا شـبه مُنبهـم
لا بَـل تعـاموا لذا تلك القَوارِع لَم تســمع وَبارقــة الانـذار لـم تُشـم
مـن بعـد مـا أخـبر الأقوام كاهنهم بــأنه أَحمَــد المَوعــود مـن قِـدم
وإنــه صـاحب الـدين الحَنيـف قَضـى بــأن دينهــم المعــوَجّ لــم يقـم
وَبعـد مـا عـاينوا في الأفق من شهب تَهــوي كــترس مـن الأجـواء مضـطرم
وَشـــاهدوا بعيـــون كــل صــاعقة منقضـة وفـق مـا فـي الأرض مـن صنم
حَتّـى غَـدا عَـن طَريـق الـوَحي منهزِم قَـد جـاءَ مُسـتَرِقا لِلسـَمع مـن أمـم
فَشـاء ربـكَ حـرق الفـوج حيـن غَـدا مــن الشـَياطين يَقفـو إِثـر منهـزم
كـــأَنَّهم هَربـــا أَبطــال أَبرَهَــة فـي الخـزي حيـن تصدوا ساحة الحرم
تخـــالهم أَنَّهـــم أَشــلاء ملحَمــة أَو عسـكر بالحصـى مـن راحـتيه رُمي
نبــذا بــه بعـد تَسـبيح ببطنهمـا لِلَّــه بـارئ هَـذا الكَـون مـن عـدم
لكــن نبــذهما قَــد كـانَ واعجبـا نبــذ المســبح مـن أَحشـاء ملتقـم
جــاءَت لــدعوته الأشــجار ســاجدة هاماتهــا لِلَّــذي مــن شـامه يَهِـم
وَمـــا ســمعنا بأشــجار وَلا بَشــر تَمشــي إليــه عَلــى سـاق بِلا قـدم
كأَنَّمــا ســَطرَت ســطراً لمـا كتبَـت بلــوح أَرض خطتهــا خطــو منتظــم
وَتممــت ذاكَ شــكلا حينمــا رَســمَت فروعهــا مـن بَـديع الخـط بـاللقم
مثــل الغمامــة أَنـى سـار سـائرة فــي إِثــره سـير صـب هـائم بسـمي
لَهـــا ظَليـــل ظلال فــوق هــامته تفيــه حــر وَطيــس للهجيــر حَمـي
أَقســمت بــالقمر المنشــقّ أن لـه مــن نــوره قبسـا لَـولاه لَـم يُشـَم
وإن ذا الانشــقاق الفَخــم أَكســبه مــن قلبــه نسـبة مـبرورة القسـَم
وَمـا حَـوى الغـار مـن خير ومن كرم يــزري بحــاتم رب الجـود أَو هـرَم
مــذ أَخرَجــوه وَقـاه اللَـه كيـدهمُ وكــل طـرف مـن الكُفـار عنـه عَمـي
فالصدق في الغار وَالصديق لَم ير ما لـذا حَـواليه شـك القـوم لـم يَحُـم
وَقَـــد تعــدّوه لا يَبغــون مَــدخلَه وَهـم يَقولـون مـا بالغـار مـن أرم
ظنـوا الحمـام وظنوا العَنكَبوت عَلى بــاب المَغـارة لا تبقـى لِـذي قَـدم
وإن كلتيهمــا لَــو شــامتاه وَلَـو خَيـر البَريَّـة لَـم تنسـج وَلَـم تحُـم
وَقايــة اللَــه أَغنَـت عَـن مضـاعفة مِــن التــوقي بتُـرس أَو مِجـنَّ كَمـي
أَو الصـوارِم أَو سـمر الرمـاح كَـذا مــن الـدروع وَعَـن عـال مـن الأطـم
مـا سـامني الدهر ضيما واِستجرت به إلا أرانــي زَمــاني وجــه مُبتســِم
وَلا لجــأت إلــى نــاديه محتميــا إلا ونلــت جــواراً منــه لَـم يُضـَم
وَلا التمسـت غنـى الـدارين مـن يده إلا كَســاني نــداه ســابغ النعــم
وَلا أممــت كَريمــا أَرتَجيــه جــداً إلا اسـتلمت النـدى مـن خيـر مُستلم
لا تنكـر الـوحي مـن رؤيـاه إن لـه بـالعرش رابطـة فـي النـوم وَالحلم
حيــث الَّــذي خلـق الإنسـان أودعـه قلبـا إذ نـامَت العينـان لـم ينـم
وَذاكَ حيـــن بلـــوغ مــن نبــوته بــأمر مــن علـم الإنسـان بـالقلم
والأمـر أَكـبر مـن درك العقـول لـه فَلَيــسَ يُنكــر فيــه حــال محتلـم
تَبــاركَ اللَــه مــا وحـى بمكتَسـب إلــى مُســيلمةِ بالســجع وَالنغــم
وَمــا ســَطيح وَلا أَمثــاله صــدقوا وَلا نـــبي عَلـــى غيـــب بمتهـــم
كَــم أَبـرأت وَصـبا بـاللمس راحتـه مـن بعـد عجـز طَـبيب بـاهر الحِكـم
كَـذاك بـاليُمن يمنـاه قـد اشـتهرت وأطلقــت أرِبــاً مـن رِبقـة اللمـم
فــأحييت الســنة الشـَهباء دعـوته وَالحقل بالجدب في عجفا السنين رُمي
فغيـــرت حالهـــا حــالا ضــراعته حَتّـى حكـت غُـرَّة فـي الأعصـر الـدهم
بعـارض جـاد أَو خلـت البطـاح بهـا طوفــان نـوح عليهـا طـاف بـالكرم
أَو أَنــه حيــن عــمّ الأرض أَجمعهـا سـيب مـن اليـم أَو سـيل مـن العَرِم
دَعنــي وَوصــفي آيــات لــه ظهـرت بـالرغم عَـن كل من منه الفؤاد عمي
وَكيــف تنكــر عيـن النـاس مظهـره ظهــور نـار القـرى ليلا عَلـى علـمِ
فالــدر يَـزداد حسـنا وَهـوَ منتظـم نظـم الجوامـع فـي سـِمط مـن الكلمِ
وَالقَــول رونقــه يَــزدان منتسـقاً وَلَيــسَ بنقــص قــدرا غيـر منتظـم
فَمــا تَطــاول آمـال المَديـح إلـى إِيفــاء وصـف مقـام جـل عَـن قلمـي
وَكَيــفَ يــدرك مَهمــا خـط مجتهـدا مــا فيـه مـن كـرم الأخلاق وَالشـيمِ
آيــات حــق مــن الرحمــن محدثـة دلـت عَلـى أَنَّهـا فـي منتهـى العظم
لكنهـا مـع حـدوث اللفـظ إذ نزلـت قَديمــة صــفة المَوصــوف بالقــدمِ
لَــم تقــترن بزمـان وهـي تخبرنـا عَمّـا مَضـى مـن وجـود الخلـق للعدم
وكـل شـيء لـه أَحصـى الكتـاب فسـل عَــن المعــاد وَعـن عـاد وعـن إِرم
دامَــت لــدينا فَفـاقَت كـل معجـزة بينـا الأناجيـل وَالتـوراة لَـم تقم
إِقامــة طبــق مــا آياتهـا سـمعت مــن النـبيين إذ جـاءَت وَلَـم تـدم
محكمــات فَمــا يبقيــن مــن شـُبَه إلا لبــاغ عَلــى ذي الحــق متهــم
لكنَّهــا مفحمــات الخصـم إن تليـت لــذي شـقاق وَمـا يَبغيـن مـن حكـم
مــا حـوربت قـط إلا عـاد مـن حـرب مـن رام تجريحهـا فـي خـزي منهـزم
أَو قلــدت عــوض إلا واِنثَنـى كمـدا أعـدى الأعـادي إليهـا مُلقـي السلَم
ردت بلاغتهـــا دَعـــوى معارضـــها كَباقــل زيــدَ مــن عـيّ ومـن بكـم
أَبكـــار أَفكارهـــا ردت مُقلّــدها رد الغيـور يـد الجـاني عَـن الحرم
لَهـا معـان كَمَـوج البحـر فـي مَـدد فمـــن تصــداه يُصــدَم أَي منصــدَم
لا بَــل تفـوق محيـط الكـون زاخـره وَفــوق جـوهره فـي الحسـن وَالقيَـم
فَمـــا تعــد وَلا تُحصــى عَجائبهــا وَلا يُحـــاول حصـــراً أَيمــا رقــم
وَكُلمـــا كُـــررت يَحلــو مكررهــا وَلا تُســام عَلــى الإكثــار بالسـأم
قـرَّت بهـا عيـن قاريهـا فقلـت لـه بشـراك إن كنـت تَـدري كنههـا فهـم
وَفـي الشـَدائد لـذ واشدد يديك بها لَقَــد ظفــرت بحبـل اللَـه فاِعتصـم
إن تتلهـا خيفـة مـن حـرّ نـار لظى يَشـوي الوجـوه تصـن مـن لاعـج الألم
أَو تســتمد عيونــاً لليَقيــن بهـا أَطفـأت حـر لظـى مـن وردهـا الشيم
كأنهــا الحـوض تَـبيض الوجـوه بـه مـن السـواد اِعتَراهـا يـوم مزدحـم
حيــث القُلـوب هـواء فـي جوانحهـا مــن العصـاة وَقَـد جـاؤوه كـالحُمم
وَكالصـــراط وَكـــالميزان معدلــة لمـن جَـرى حسـب أَمـر اللَـه واستقم
وَســارَ فـي فَلـك الـدنيا بموجبهـا فالقسـط من غيرها في الناس لَم يقم
لا تعجبـــن لحســـود راحَ ينكرهــا وَيــدعي أَنَّهــا مــن قــول متهــم
وَعــذ بربـك مـن عينيـه حيـن يُـرى تجــاهلا وَهـوَ عيـن الحـاذِق الفهـم
قَـد تُنكـر العين ضوء الشمس من رمد لمــا أَلــمَّ بهـا مـن حالِـك الألـم
والأذن تجهـل صـوت الرعـد مـن صـمم وَينكـر الفـم طعـم المـاء مـن سقم
يـا خَيـر مـن يمـم العـافون ساحتهُ راجيـن راحـة أَسمى الخلق في الهمم
وأم روضـــته الغنّـــاء ذو شـــغف ســعيا وَفـوق متـون الأينـق الرسـُم
وَمَــن هُــوَ الآيـة الكـبرى لمعتـبر يَعــض بعــد اتعــاظ إِصـبعَ النـدم
وَملجــأ المُرتجـي مـن ضـيقه فَرجـا ومـن هـو النعمـة العظمـى لمغتنـم
ســَرَيت مــن حــرم لَيلا إلــى حـرم وَالنـاس كالسـفن فـي بحر من الحُلم
سـبحان رَبـي الَّـذي أَسـراك فـي رجب كَمـا سـَرى البـدر في داج من الظلَم
وَبــتَّ ترقــى إلـى أَن نلـتَ منزلـة جبريــل قصــّر عنهـا خطـوة القـدم
وَقَــد حظيـت بـذات اللَـه عَـن كَثَـب مـن قـاب قوسـين لـم تُدرك وَلَم تُرَم
وَقـــدَّمتك جَميــع الأنبيــاء بهــا وَقـد وعـدت بـذاك الحـظ فـي القِدَم
أَنــتَ الأَحــق بِتَقــديم الملاك لــه وَالرســل تَقـديم مخـدوم عَلـى خـدم
وَأَنـتَ تَختَـرِق السـبع الطبـاق بهـم سـَعياً إِلـى ذِروة العَليـاء لا القمَم
أَنعــم بليلــة معـراج سـرَيت بهـا فـي مـوكب كنـت فيـه صـاحب العَلـم
حَتّــى إذا لَـم تَـدع شـأواً لمسـتبق عَلــى بُـراق أَتـى بالسـَرج وَاللجُـم
وَلَــم تــذر لنــبيّ قــدر خطــوته مـــن الــدنو وَلا مَرقــى لمســتنم
خفضـــت كــل مقــام بالإضــافة إِذ لا شـيء أَرفَـع مِمّـا نلـت فـي العظم
وَكَيـفَ لا تَسـمو عَـن جمـع الأنام وَقَد نـوديت بـالرفع مثـل المفرد العلم
كَــي مــا تَفــوز بوصـل أَي مُسـتَتِر مـن صـاحب العـرش رب الناس وَالنعم
أَوحــى إليـك بمـا أَوحـاه مختفيـا عَـــن العيـــون وَســر أَي مكتتــم
فحــزت كــل فخــار غيــر مشــتَرك مــن المَلائِكـة السـامين فـي الأمـم
لمــا حَظيــت بقـدس اللَـه منفـرداً وَجُــزت كــل مقــام غيــر مزدَحــم
وَجــلَّ مقــدار مـا وُليـت مـن رتـب حيـث الكَليـم سما في الطور بالكلم
أَعطــاكَ ربـك مـا لَـم يُعطـه بشـراً وعــزّ إدراك مــا أُوليـت مـن نعـم
بشــرى لنـا معشـر الإسـلام إن لنـا فـي ناقـة النـاس انفـازين بالشمم
وَقَـد حلَلنـا بـدين الهاشمي العربي مــن العنايــة ركنـاً غيـر منهـدم
لمــا دَعـا اللَـه داعينـا لطـاعته وهــدم مـا عبـد الكُفـار مـن صـنم
وَشــرَّف اللَــه منــا كــل ذي ثِقـة بــأكرم الرســل كنـا أَكـرَم الأمـم
راعَـت قلـوب العـدا أَنبـاءُ بعثتـه وأنــه اللَيــث فـي ميـدان مقتحـم
وَالرعــب كــانَ لــه وَقـع بـأفئدة كَنبــأة أَجفلــت غُفلا مــن الغنَــم
مــا زال يَلقـاهُمو فـي كـل معتَـرَك بـالبيض وَالسـمر فـي هـام وَفي لمم
وَالظهـر مـن خلفهـم وَالصدر من أُمَم حَتّـى حكـوا بالقنـا لحمـا عَلى وَضم
وَدّوا الفـرار وَكـادوا يغبطـون بـه مــن فــلّ يشــكر منجــاة بمنهـزم
أَو مـن أَطـارَت سـهام الحـرب جثتـه أَشـلاء شـالَت مـع العقبـان وَالرخـم
تمضــي اللَيـالي وَلا يَـدرون عـدتها وَالـذُعر ينسـي الفَتى ما عد بالرقم
وَلا يميّـــز أَوقاتـــا تمـــرّ بــه مـا لَـم تكن من لَيالي الأَشهر الحُرُم
كَأَنَّمــا الــدين ضـيف حـلَّ سـاحتهم يَرجـو قـراه فَمـا كـانوا ذَوي كَـرم
لِــذا رَمــاهم بحــق رَمــي مُنتقـم بكــل قـرم إلـى لحـم العـدا قَـرِم
يجــر بحــر خميــس فــوق ســابحة تُنمــى لأعـوج بيـن الشـهب وَالـدهم
كأَنَّهـا السـيل فـي البَطحاء منحدرا يرمــى بمــوج مـن الأبطـال مُلتَطِـم
مـــن كــل منتــدب لِلَّــه محتســِب مـا شـاءَت الحـرب مـن مـال له وَدم
مـا دامَ بـالقَلب قبل السيف في يده يَســطو بمستأصــل للكفــر مُصــَطلم
حَتّــى غـدت ملـة الإسـلام وَهـي بهـم أَعــزّ مــن جبهــة الآسـاد أَن تُـرم
فأَصـــبحت أمــة الهــادي بهمتــه مــن بعـد غربتهـا موصـولة الرحـم
مكفولــة أَبــداً منهــم بخيــر أَب يفــدي كَريمتــه بــالروح ان تُضـم
وَقَــد تقــوى بصــهر حيــث لا ولـد وَخيــر بعــل فَلَـم تيتـم وَلَـم تئِم
هــم الجبـال فسـل عنهـم مصـادمهم إِذ بــاءَ جبنـاً بـرأس منـه منحطـم
واِستسـمح الصـدق أَن يُنـبى مصـارحة مــاذا رأى منهــم فـي كـل مصـطَدم
وَسـَل حنينـاً وَسـَل بـدراً وَسـَل أُحُدا عَمـا بهـا كـان مـن عُـدم ومـن عَدَم
تلـق العَجائِب إذ تُلفى الرجال رضوا فصـول حتـف لهـم أدهـى مـن الـوخم
المصـدري الـبيض حمـراً بعدما وردت حــوض الرقــاب مشــوقات لشـرب دم
المـــوردين لــدى طعــن أَســنتهم مــن العـدا كـل مسـودّ مـن اللمـم
وَالكـاتبين بِسـمر الخـط مـا تركـت زجاجهـــا أَيّ جلــد غيــرَ منخــرِم
كــأنه كاغــد الكتــاب مـا نسـيت أَقلامهــم حــرف جســم غيـر منعجـم
شــاكي السـلاح لهـم سـيما تميزهـم فــي كـل وجـه بنـور الـدين متّسـم
إن الوجــوه مَرايـا قلـب كـل فَـتى وَالـوَرد يَمتـاز بالسـيما عَن السلم
تهـدي إليـك ريـاح النصـر نشـرهمو بـالرغم عَـن نتـن الأعـداء مـن رِمَم
طــابَت عناصــرهم طيبــا كنافجــة فتحسـب الزهـر فـي الأكمـام كل كمي
كـأنهم فـي ظهـور الخَيـل نبـت رُبى يحكـي الغصـون لهـا سـاق عَلـى قدم
حيـن اِسـتووا أَلفـات فـوقَ صـهوتها مـن شـِدة الحَـزم لا مـن شـدّة الحُزم
طـارَت قلـوب العـدا من بأسهم فرقا كأنهــا ســِربُ طيــر ريـع بـالرجُم
كَــذا حلومهمــو طاشــَت لدهشــتها فَمــا تُفــرّق بيـن البهـم والبُهـم
ومــن تكــن برســول اللَـه نصـرته لَـن يَخشـى حـرب صروف الدهر باللغم
ومـن يلـذ بحمـي حـامى الوَرى وجلا إِن تلقــه الأسـد فـي آجامهـا تجـم
وَلَــن تَــرى مـن ولـيّ غيـر منتصـر فــارع الــوَلاء كَرعـي الآل والـذمم
كلا وَلا غـــادر مــن بَعــد بَيعَتِــه بــه وَلا مــن عــدو غيــر منقصــم
أَحـــل أُمتـــه فــي حــرز ملتــه لا غــرو ان أمنـت مـن هضـم مهتضـم
فليَخــشَ أعــداؤُها حصــنا وَحارسـَه كـاللَيث حـل مـع الأشـبال فـي أجـم
كــم جـدّلت كلمـات اللـه مـن جـدل وَكلمــة كــبرت مــن فــم ذي بكـم
قَـد قالَهـا فـي هَوىً من غير ما أثر فيـه وَكَـم خصـم البرهـان مـن خَصـِم
كفــاك بــالعلم فـي الأمـيّ معجـزة فـاقَت عَلـى غيرها في الحُكم وَالحكم
وبالأمانـــة تلقيبــا عَلــى صــغر فـي الجاهليـة وَالتـأديب في اليتم
خـــدمته بمديـــح أَســـتَقيل بــه مِمّــا تحملــت مــن أَوزار مجــترم
عَسـى إلهـي بعـرض الجـاه يغفـر لي ذنـوب عمـر مضـى فـي الشعر والخدم
إِذ قلــدانيَ مــا تُخشــى عــواقبه مـن رُمَّـة الجيـد أَو من أَدهم القدم
أَو رِبقـة مثـل نيـر شـُد فـي عنقـي كــأنني بهمــا هَــدي مــن النعَـم
أَطَعـت غـيّ الصـبا في الحالَتين وَما أَنبـت عَـن مسـلكي إيـاه فـي الهِرم
فَمــا كسـبت بسـوق اللهـو قـط وَلا حَصــَلت إلا علــى الآثــام والنــدم
فَيــا خســارَة نفــس فـي تجارتهـا بيــوم عَــرض عـروض النـاس للحكَـم
يــوم يحــق لهـا فيـه التحسـر إِذ لَـم تشـتر الـدين بالدنيا وَلَم تسم
ومـــن يبـــع آجلا منــه بعــاجله مــن الغَنيمــة يرجـع غيـر مغتنـم
ومــن يفــرط بجهــل فــي معاملـة يَبـن لـه الغبـن فـي بيـع وَفي سَلم
إن آت ذنبــا فَمــا عَهـدي بمنتقـض مــن الصـفيّ الـوفي بـالآل وَالخـدَم
وَلا ارتــداد لمــدح قــد متـتُّ بـه مـــن النــبي وَلا حبلــي بمنصــرم
فــإن لــي ذمــة منــه بتَســميَتي محمـــدا ولأنصـــار النــبي نُمــي
ومـن يسـمّي ابنـه حـب الوفـاء بـه محمـدا فَهـوَ أَوفـى الخلـق بالـذمم
إن لـم يكـن فـي معـادي آخِذا بيدي وَالنـاس أَبصـارهم زاغَـت مـن الألـم
أَو قـــائداً لكفيـــف ضــَلَّ خطتــه فَضــلا وإلا فقــل يــا زلـة القـدم
حاشــاه أن يحـرم الراجـي مكـارمه وَهـوَ الَّـذي مـد آل الجـود بـالكرم
وَجَــلَّ عَــن أَن يُضـيع اللائذيـن بـه أَو يُرجـع الجـار منـه غيـر محـترم
وَمنــذ ألزمــت أَفكــاري مــدائحه مــن الشــَبيبة حَتّـى شـيبة اللمَـم
أَلفَيتهـا عـدتي فـي الحـالَتين كَما وَجـــدته لخلاصـــي خيـــر ملــتزم
وَلَـن يَفـوت الغنـى منـه يـدا تَرِبَت وَخانهـا الـدهر فـي مـال وَفـي حشم
واليُسـر وَالعُسـر في الدنيا مداولة إن الحيـا يُنبـت الأزهـار فـي الأكم
وَلَـم أُرِد زهرة الدنيا الَّتي اِقتطفت طُلابهـــا مــن حلال كــانَ أَو حُــرَم
وَلا مَطــارف مــن خـزّ لهـا اِنبسـطت يــدا زهيـر بمـا أثنـى عَلـى هَـرِم
يـا أكـرم الخلق ما لي من أَلوذ به إذا مُنِيــت مَــع الشـكران بـالنقم
أَو ضـاقَت الأرض بـي يومـا بما رحبت ســواك عنـد حلـول الحـادث العَمـم
وَلَـن يضـيق رسـول اللَـه جاهُـك بـي وَلَــو أَتيتــك فــي أَصــفاد مـؤتم
فللجنــاة بـرَوض العفـو حُلـو جَنـى إذ الكَريــم تحلّــى باســم منتقـم
فــإن مــن جـودك الـدنيا وَضـرّتها وكــل مـا بهمـا مـن حليـة النعـم
وَمــن ضــيائك نـور النيريـن أَتـى ومــن علومِـك علـم اللـوح والقَلَـم
يـا نفـس لا تقنطـي مـن زلـة عظُمـت كَــم عــابس قـد تبـدى جـد مبتسـم
وَلَــو رَبـا ثقـل آثـامي عَلـى أُحُـد إن الكَبـائر فـي الغفـران كـاللمم
لَعــلَّ رحمــة ربــي حيــن يقسـِمها أَفــوز منهــا بقســط قيّـم القيـم
وَحُســن ظَنــي وَرَبــي عنـد ظنـي أن تـأتي عَلـى حسـب العصيان في القِسَم
يـا رب واجعـل رَجـائي غيـر منعكـس وارفــع مضـارع فعلـي جـا كمنجـزم
وَلا تـــردَّ يـــدي صــفراً بلا رَقــم لــديك واجعـل حسـابي غيـر منخـرم
والطـف بعبـدكَ فـي الـدارَين إن له قَلبــا هــواء مـن الأوزار ذا عشـم
إِذ لا يطيــق عَلــى ثُقــل بكــاهله صــبرا مَـتى تـدعه الأهـوال ينهـزم
وأذَن لســـُحب صــَلاة منــك دائمــة تسـقي الضـَريح كـروض جيـدَ بالـديم
وارسـل ريـاح الرضـا مع رحمة وسِعَت عَلـــى النـــبي بمنهــلّ وَمنســجم
مـا رنحـت عـذبات أَلبـان ريـح صبا أَو مــادح نمــق القرطـاس بـالكلم
وَمـــا تمايــل للإنشــاد ذو شــجن واطـرب العيـس حـادي العيس بالنغم
محمد فرغلي الطهطاوي
5 قصيدة
1 ديوان

محمد بك بن إسماعيل بن عبد العزيز الفرغلي الأنصاري الخزرجي الطهطاوي.

متأدب من كتاب الدواوين، له نظم. كان رئيس التحريرات العربية بوزارة الخارجية المصرية.

له (نظم اللآلي الغرر في سلك العقود والدرر - ط) شرح لمنظومة جده في التوحيد. فرغ من تأليفه سنة 1269، و(حسن السبك في شرح قفا نبك - ط) ألفه سنة 1309، و(العقد النفيس بتشطير وتخميس ديوان سلطان العاشقين - ط) سنة 1316، و(روضة الصفا بمديح المصطفى - ط) فرغ من نظمه سنة 1341.

1922م-
1341هـ-