ميلوا إِلى الدارِ مِن لَيلى نُحَيِّيها
القصيدة من روائع البحتريِ الخالدة

وهي في وصف بركة المتوكل في سامراء، حدثني صديقنا البحاثة الأستاذ عبد الله السريحي قال: لم يكن لهذه القصيدة منزلة تذكر في مخيلتي، فلما رأيت البركة في سامراء، بعد الفراغ من اعمال ترميمها، رأيت قصيدة البحتري في كل ناحية من أرجاء البركة، وهي مسبح فخم يحيط به مدرج كبير، يضم في جانبيه غرفا وأجنحة ومقاصير ، وقد وصف البحتري هذا المدرج بقوله:
الأبيات 40
ميلوا إِلى الدارِ مِن لَيلى نُحَيِّيها نَعَـم وَنَسـأَلُها عَـن بَعـضِ أَهليهـا
يادِمنَـةً جاذَبَتهـا الريـحُ بَهجَتَها تَــبيتُ تَنشــُرُها طَـوراً وَتَطويهـا
لازِلــتِ فــي حُلَـلٍ لِلغَيـثِ ضـافِيَةٍ يُنيرُهـا البَـرقُ أَحيانـاً وَيُسديها
تَـروحُ بِالوابِـلِ الـداني رَوائِحُها عَلــى رُبوعِـكِ أَو تَغـدو غَواديهـا
إِنَّ البَخيلَـةَ لَـم تُنعِـم لِسـائِلِها يَـومَ الكَـثيبِ وَلَـم تَسمَع لِداعيها
مَــرَّت تَـأَوَّدُ فـي قُـربٍ وَفـي بُعُـدٍ فَـالهَجرُ يُبعِـدُها وَالـدارُ تُدنيها
لَــولا سـَوادُ عِـذارٍ لَيـسَ يُسـلِمُني إِلـى النُهـى لَعَـدَت نَفسي عَواديها
قَـد أَطرُقُ الغادَةَ الحَسناءَ مُقتَدِراً عَلـى الشـَبابِ فَتُصـبيني وَأُصـبيها
فـي لَيلَـةٍ لا يَنـالُ الصـُبحُ آخِرَها عَلِقـتُ بِـالراحِ أُسـقاها وَأَسـقيها
عاطَيتُهــا غَضــَّةَ الأَطـرافِ مُرهَفَـةً شـَرِبتُ مِـن يَـدِها خَمـراً وَمِن فيها
يامَن رَأى البِركَةَ الحَسناءَ رُؤيَتَها وَالآنِســـاتِ إِذا لاحَــت مَغانيهــا
بِحَسـبِها أَنَّهـا مِـن فَضـلِ رُتبَتِهـا تُعَــدُّ واحِــدَةً وَالبَحــرُ ثانيهـا
مـا بـالُ دِجلَـةَ كَالغَيرى تُنافِسُها فـي الحُسنِ طَوراً وَأَطواراً تُباهيها
أَمــا رَأَت كـالِئَ الإِسـلامِ يَكلَءُهـا مِـن أَن تُعابَ وَباني المَجدِ يَبنيها
كَــأَنَّ جِـنَّ سـُلَيمانَ الَّـذينَ وَلـوا إِبــداعَها فَـأَدَقّوا فـي مَعانيهـا
فَلَـو تَمُـرُّ بِهـا بَلقيـسُ عَـن عُـرُضٍ قـالَت هِـيَ الصـَرحُ تَمثيلاً وَتَشبيها
تَنحَـطُّ فيهـا وُفـودُ المـاءِ مُعجَلَةً كَالخَيـلِ خارِجَـةً مِـن حَبـلِ مُجريها
كَأَنَّمــا الفِضـَّةُ البَيضـاءُ سـائِلَةً مِـنَ السـَبائِكِ تَجـري فـي مَجاريها
إِذا عَلَتهـا الصَبا أَبدَت لَها حُبُكاً مِثــلَ الجَواشـِنِ مَصـقولاً حَواشـيها
فَرَونَـقُ الشـَمسِ أَحيانـاً يُضـاحِكُها وَرَيِّــقُ الغَيـثِ أَحيانـاً يُباكيهـا
إِذا النُجـومُ تَـراءَت فـي جَوانِبُها لَيلاً حَســِبتَ ســَماءً رُكِّبَــت فيهـا
لا يَبلُـغُ السـَمَكُ المَحصـورُ غايَتَها لِبُعـدِ مـا بَيـنَ قاصـيها وَدانيها
يَعُمــنَ فيهــا بِأَوســاطٍ مُجَنَّحَــةٍ كَـالطَيرِ تَنفُـضُ فـي جَـوٍّ خَوافيهـا
لَهُــنَّ صــَحنٌ رَحيـبٌ فـي أَسـافِلِها إِذا اِنحَطَطـنَ وَبَهـوٌ فـي أَعاليهـا
صـورٌ إِلـى صـورَةِ الدُلفينِ يُؤنِسُها مِنــهُ اِنـزِواءٌ بِعَينَيـهِ يُوازيهـا
تَغنـى بَسـاتينُها القُصوى بِرُؤيَتِها عَـــنِ الســَحائِبِ مُنحَلّاً عَزاليهــا
كَأَنَّهــا حيــنَ لَجَّـت فـي تَـدَفُّقِها يَـدُ الخَليفَـةِ لَمّـا سـالَ واديهـا
وَزادَهـا زينَـةً مِـن بَعـدِ زينَتِهـا أَنَّ اِسـمَهُ حيـنَ يُـدعى مِن أَساميها
مَحفوفَــةٌ بِرِيــاضٍ لا تَــزالُ تَـرى ريـشَ الطَـواويسِ تَحكيـهِ وَيَحكيهـا
وَدَكَّتَيــنِ كَمِثــلِ الشـِعرَيَينِ غَـدَت إِحـداهُما بِـإِزا الأُخـرى تُسـاميها
إِذا مَسـاعي أَميـرِ المُـؤمِنينَ بَدَت لِلواصـــِفينَ فَلا وَصــفٌ يُــدانيها
إِنَّ الخِلافَــةَ لَمّـا اِهتَـزَّ مِنبَرُهـا بِجَعفَــرٍ أُعطِيَــت أَقصـى أَمانيهـا
أَبـدى التَواضـُعَ لَمّـا نالَهـا رِعَةً مِنـهُ وَنـالَتهُ فَاِختـالَت بِـهِ تيها
إِذا تَجَلَّـت لَـهُ الـدُنيا بِحِليَتِهـا رَأَت مَحاســِنَها الـدُنيا مَسـاويها
يـا اِبـنَ الأَباطِحِ مِن أَرضٍ أَباطِحُها فـي ذُروَةِ المَجدِ أَعلى مِن رَوابيها
مـا ضـَيَّعَ اللَـهُ فـي بَـدوٍ وَلا حَضَرٍ رَعِيَّــةً أَنــتَ بِالإِحســانِ راعيهـا
وَأُمَّـةٍ كـانَ قُبـحُ الجَـورِ يُسـخِطُها دَهـراً فَأَصـبَحَ حُسـنُ العَدلِ يُرضيها
بَثَثـتَ فيهـا عَطاءً زادَ في عَدَدِ ال عَليـا وَنَـوَّهتَ بِاِسمِ الجودِ تَنويها
مـا زِلـتَ بَحراً لِعافينا فَكَيفَ وَقَد قابَلتَنـا وَلَـكَ الـدُنيا بِما فيها
أَعطاكَهـا اللَـهُ عَـن حَـقٍّ رَآكَ لَـهُ أَهلاً وَأَنــتَ بِحَــقِّ اللَـهِ تُعطيهـا
البُحتُرِيّ
933 قصيدة
1 ديوان

الوليد بن عبيد بن يحيى الطائي أبو عبادة البحتري. شاعر كبير، يقال لشعره سلاسل الذهب، وهو أحد الثلاثة الذين كانوا أشعر أبناء عصرهم، المتنبي وأبو تمام والبحتري، قيل لأبي العلاء المعري: أي الثلاثة أشعر؟ فقال: المتنبي وأبو تمام حكيمان وإنما الشاعر البحتري. وأفاد مرجوليوث في دائرة المعارف أن النقاد الغربيين يرون البحتري أقل فطنة من المتنبي و أوفر شاعرية من أبي تمام. ولد بنمنبج بين حلب والفرات ورحل إلى العراق فاتصل بجماعة من الخلفاء أولهم المتوكل العباسي وتوفي بمنبج. له كتاب الحماسة، على مثال حماسة أبي تمام.

897م-
284هـ-

قصائد أخرى لالبُحتُرِيّ