أفيضا دماً إنَّ الرزايا لها قِيَمْ
هذه أجل قصيدة قالها شاعر في رثاء أمه، أنشرها في هذه الزاوية بمناسبة عيد الأم وهي من مشهور شعر ابن الرومي  وتقع في 204 أبيات، وقد لزم فيها ما لا يلزم من فتح ما قبل الروي (الميم) وهذا في ميزان الشعر تحفة فنية لا أعتقد أن أحدا يقوى عليها غير ابن الرومي وقلة من الشعراء، وذلك لأنه كان فنانا، قد خالط أهل الغناء وعرف أسرار الموسيقى، وتشربت روحه سحوق الجمال، واخترق الكثير من مسلمات اللغة والنحو في سبيل الموسيقى (وما على المطرب ان يعرب) كما قال عبد الوهاب،  وانظر شيئا  من هذا في ديوان المعاني لأبي هلال العسكري.

وأشهر أبيات القصيدة البيت:
الأبيات 204
أفيضــا دمـاً إنَّ الرزايـا لهـا قِيَـمْ فليــس كــثيراً أن تَجُـودَا لهـا بِـدمْ
ولا تســتريحا مــن بُكــاء إلـى كـرىً فلا حمـد مـا لـم تُسـعداني على السأمْ
ويـا لـذة العيـشِ الـتي كنـتُ أرتضـي تقطَّــعَ مــا بينــي وبينــكِ فانصـرمْ
رُميـــتُ بخطـــبٍ لا يقـــومُ لمثلـــهِ شـرَوْرَى ولا رَضـْوَى ولا الهَضـْبُ مـن خيـمْ
بـــأنكر ذي نُكْــرٍ وأقطــعَ ذي شــباً وأمقـــرَ ذي طعــمٍ وأوخــمَ ذي وَخَــمْ
رزيئةِ أمٍّ كنــــتُ أحيـــا بِرُوحِهـــا وأســتدفعُ البلــوى وأستكشـفُ الغُمـمْ
ومـــا الأمُّ إلا إمَّـــةٌ فــي حياتهــا وأَمٌّ إذا فـــادتْ ومـــا الأمُّ بــالأمَمْ
بنفسـي غـداةَ الأمـسِ مـن بـانَ مِـنْ غدٍ وبــتَّ مــع الأمــسِ القرينـة فانجـذمْ
ولمــا قضــى الحـاثونَ حَثْـوَ ترابِهـم عليهــا وحــالتْ دونهـا مِـرَّة الـوذمْ
أظلَّــتْ غواشــي رحمــةِ اللـه قبرَهـا فأضـحى جنابـاهُ مـن النـارِ فـي حـرمْ
أقــولُ وقــد قــالوا أتبكـي كفاقـدٍ رضـاعاً وأيـن الكهـلُ مـن راضع الحلَمْ
هــي الأُّمُّ يــا للنَّــاسِ جُرِّعـتُ ثُكْلَهـا ومـن يبـك أُمَّـا لـم تُـذَم قَـطُّ لا يُـذَمْ
فقــدتُ رضــاعاً مــن ســُرورٍ عهـدتُها تُعلِّلُنيـــه فانقضـــى غيــرَ مســتتمْ
رضــاعُ بنــاتِ القلــبِ بـان بِبَيْنِهـا حَمِيــداً ومـا كُـلُّ الرَّضـاعِ رضـاعُ فـمْ
إلــى اللـه أشـكو جَهْـد بلـواي إنـه بمســتمعِ الشــكوى ومُســتَوهب العصـمْ
وأنّــيَ لــم أيتــم صــغيراً وأنّنــي يتمــتُ كـبيراً أسـوأ اليُتْـم واليَتَـمْ
علـى حيـن لـم ألـق المصـيبة جـاهلاً ولا آهلاً والــدَّهرُ دهــر قــد اعــترمْ
أُقاســي وصــِنْوي منــه كــلَّ شــديدةٍ تُــبرِّحُ بالجَلْــدِ الصــَّبورِ وبــالبرمْ
خَلِيلـــيَّ هــذا قــبرُ أمــي فورِّعــا مــن العَـذْل عنـي واجعلا جـابتي نَعـمْ
فمــا ذَرفــتْ عينـي علـى رسـمِ منـزلٍ ولا عكفَــتْ نفســي هنــاك علــى صـنمْ
خليلــيَّ رِقّــا لــي أعِينــا أخاكمـا نَشــَدْتُكما مَــنْ تَرْعيــانِ مِـنَ الحُـرمْ
أمِـــنْ كَــرَبِ الشــكوى تَمَلّانِ جُزْتُمــا سـبيل اغتنـامِ الحمـد والحمـدُ يُغْتَنمْ
فكيــف اصــطباري للمُصــابِ وأنتمــا تَمَلّانِ شـــكواهُ وفـــي جــانبي ثَلــمْ
عجبـــتُ لـــذي ســمع يمــلُّ شــِكايةً ويعجــبُ مــن صــَدْرٍ يضـيقُ بمـا كظـمْ
ألا رُبَّ أيــــام ســــَحَبْتُ ذُيولَهــــا ســليماً مــن الأرزاء أملــسَ كـالزُّلمْ
أُرشــــِّحُ آمـــالاً طِـــوالاً وأجتنـــي جنـى العيـشِ فـي ظـل ظليـلٍ من النِّعمْ
ولــو كنــتُ أدْرِي أنَّ مـا كـانَ كـائنٌ لقُمْــتُ لِرَوْعــاتِ الخُطــوب علـى قـدمْ
غــدا الـدهرُ لـي خصـماً وفـيَّ مُحَكَّمـاً فكيــف بخصــم ضــالع وهُــوَ الحَكَــمْ
يجُــورُ فأشــكو جَــوْرهُ وهْــو دائبـاً يـرى جَـوْرهُ عـدلاً إذا الجـورُ منـه عمْ
عـــذيريَ مـــن دهــرٍ غشــوم لأهلــه يــرى أنَّـه إذْ عـمَّ بالغَشـْمِ مـا غَشـَمْ
غــدا يَقْســمُ الأســواءَ قَســْمَ ســويَّةٍ ومـا عَـدْلُ مـن سـوَّى وسـوّاءُ مـا قسـمْ
تعُـــمُّ ببلـــواهُ يــد منــه ســَلْطةٌ يصــول بهــا فـظٌّ إذا اقْتَـدَرَ اهْتَضـَمْ
وليســتْ مــن الأيـدي الحميـد بلاؤهـا يــدٌ قســمتْ ســُوءاً وإن سـوّتِ القَسـَمْ
أمــالَ عُروشــي ثــم ثنَّــى بَهــدْمِها وكـم مـن عُـروشٍ قـد أمـال وقـد هَـدَمْ
وأصــبح يُهــدي لــي الأُســى متَنَصـِّلاً فمِــنْ ســُوقةٍ أرْدَى ومِــن مَلِــكٍ قصـَمْ
وإنِّـــي وإنْ أهْـــدَى أُســاه لســاخطٌ عليــه ولكـن هـل مـن الـدهر منتقـمْ
هــو الــدهرُ إمَّــا عـابطٌ ذا شـبيبة بإحـدى المنايـا أو مُمِيـتٌ أخـا هـرمْ
كــأنَّ الفــتى نصــبَ الليـالي بنيّـةٌ بمُصــْطَفَقٍ مــن مــوج بحْــر ومُلْتَطَــمْ
تقــاذفُ عنهــا موجــةٌ بعــد موجــةٍ إلـى موجـةٍ تـأتي ذُراهـا مـن الـدِّعمْ
كــذاك الفـتى نَصـْب الليـالي يُمرُّهـا إلــى ليلــةٍ ترمـي بـه سـالفَ الأُمـمْ
فيـــا آملاً أن يَخْلُــدَ الــدَّهرَ كُلَّــهُ سـلِ الـدهرَ عـن عـادٍ وعـن أختها إرمْ
يُخَبِّـــرك أنَّ المـــوتَ رَســـْمٌ مؤبَّــدٌ ولـن تعـدو الرسـمَ القـديم الذي رسَمْ
رأيــتُ طويــلَ العُمْــرِ مثــلَ قصـيرهِ إذا كــان مُفْضــاه إلــى غايـةٍ تُـؤمْ
ومــا طــولُ عمـر لا أبـا لـك ينقضـي ومـا خيـرُ عيـشٍ قصـرُ وجـدانه العـدمْ
ألا كـــلٌ حــيٍّ مــا خلا اللــه مَيِّــتٌ وإن زعـمَ التأميـلَ ذو الإفـك مـا زعمْ
يــروحُ ويغــدو الشـيء يُبنَـى فربمّـا جنـى وهْيَـهُ البـاني وإن أُغْفِـلَ انهدمْ
إذا أخطــــأتْهُ ثُلمــــةٌ لا يجرُّهـــا لــه غيـرهُ جـاءتْه مـن ذاتـه الثُّلـمْ
تُضَعْضـــِعُهُ الأوقـــاتُ وهْـــي بقــاؤهُ وتغتــاله الأقــواتُ وهْــي لــه طُعـمْ
فيــا مَــنْ يُــداوي مـا يَجُـرُّ بقـاؤهُ فنـاءً ومـا يُغـذَى بـه فيـه قـد يُسـَمْ
جَشــــِمْتَ عنــــاءً لا عنــــاءَ وراءهُ فـدعْ عنـكَ مـا أعيـا ولا تَجْشـَم الجُشَمْ
سـقى قبلـكَ السـاقي وأسـْعَطَ بـل كـوى ليحســمَ أدواءَ القُــرونِ فمــا حَســَمْ
إذا مــا رأيـتَ الشـيء يُبليـهِ عُمْـرُهُ ويُفنيــه أن يَبْقــى ففــي دائه عقـمْ
يــروحُ ويغــدو وهْـو مـن مـوتِ عبْطـةٍ ومــوتِ فنــاءٍ بيــن فكَّيـن مـن جلـمْ
ألا إن بالأبصـــار عــن عِــبرةٍ عمــىً ألا إن بالأســـماعِ عـــن عِظــةٍ صــممْ
تُحِــدُّ لنــا أيــدي الزمــانِ شـِفاره ونرتـــع فــي أكْلائِه رَتْعَــةَ النّعَــمْ
نُــراعُ إذا مـا الـدهرُ صـاح فنَرْعـوِي وإن لــم يَصــِحْ يومـاً براتعنـا خضـمْ
سيُكشــفُ عــن قلــبِ الغــبيِّ غطــاؤه إذا حتفُــه يومــاً علــى صـدره جَثَـمْ
ألا كـــم أذلَّ الـــدهرُ مــن متعــززٍ وكــم زمَّ مــن أنــف حَمِـيٍّ وكـم خطـمْ
وكـم سـاور العقبـانَ فـي اللؤم صرْفُه وكـم غـاوصَ الحيتـانَ فـي زاخر الحُوَمْ
وكــم ظلــم الظِّلمــانَ حــق صـحاحِها ومثــلُ خصــيم الــدهرِ أذعـنَ واظَّلـمْ
وكــم غلبــتْ غلــبَ القُيــول هنـاتُه ولـم تُقْتَبَـسْ مـن قبـلِ ذاك ولـم تُـرَمْ
وكــم نَهــش الحيّــاتِ فــي هضـباتِها وكـم فـرس الأُسـدَ الخـوادِرَ فـي الأجـمْ
وكــم أدرك الـوحش الـتي لـجَّ نَفْرُهـا يغُــورُ لهــا طَــوْراً ويطَّلــعُ الأكــمْ
وكــم قعــصَ الأبطــالَ إمّــا شــجاعةً وإمَّــا بمقــدارٍ إذا اضــطرَّهُ اقتحـمْ
وكــم صــالَ بــالأملاكِ وســْطَ جنودِهـا وأخنــى علـى أهـلِ النُّبـوّاتِ والحِكـمْ
وكــم نعمــةٍ أذوى وكــم غبطـةٍ طـوى وكــم ســند أهــوى وكـم عُـرْوةٍ فصـمْ
وكــم هــدَّ مــن طَــوْدٍ مُنيــفٍ عـانهُ وكــم قـضَّ مـن قَصـْرٍ مُنيـفٍ وكـم وكـمْ
أرى الــدهرَ لا يبقــى علــى حـدثانه شـــعيبُ الأعــالي جَهْــوَرِيٌّ إذا بغــمْ
جريــءٌ علـى العُـرمِ العـوارمِ لا ينـى كــأن ذُعــافَ السـُّمِّ يشـْفيهِ مـن قـرمْ
إذا احــترشَ الأفعــى بمرجــوع نفخـة دهاهــا بأضــراس حِــداد أو الْتَهَــمْ
مُعِــــدٌّ عتـــادَيْ هـــاربٍ ومُقاتـــلٍ مـتى كـرّ يومـاً كـرَّةً أو مـتى انهـزمْ
قُـــرونٌ كأرمـــاح الهيــاج شــوائك وآونـــةً شـــدٌّ يجـــمُّ إذا اهـــتزمْ
رعـى مـا رعـى حـتى رمـى الحيْنُ نفسَهُ بحتــف فمــا أنبــا هنــاك ولا شـرمْ
أدلَّ بقَرْنَيْـــــهِ فلاقــــاه ناطــــحٌ مِـــنَ الـــدَّهرِ غلّابٌ فســوَّاهُ بــالأجمْ
ولا نِقنِـــقٌ خــاظي البضــيع صــمحمحٍ مــن الآكلات النـار تأتـجُّ فـي الفَحـمْ
يصــــومُ فلا يحــــوي ويملأ بطنَــــهُ بمــا شـاء مـن زاد ولا يرهَـبُ البشـمْ
ويبلــــعُ أفلاذَ الحديـــدِ جوامـــداً فيســْكبها فـي قعـرِ كيـرٍ قـد احتـدمْ
ويســـترط المــرو الركــودَ كأنمــا يــراه طعامــاً قــد أعِــدَّ لـه لُقَـمْ
ويتخـــذ التَّنُّــومَ والشــرْيَ مرتعــاً فيخــذم مِــنْ هــذا وهـذاك مـا خَـذَمْ
ترامــتْ بــه الأحــوالُ حــتى بَنَيْنَـهُ نهـاراً وليلاً بِنيـةَ الفحـل ذي القطـمْ
مــن العاديــاتِ الطـائراتِ إذا نجـا بَصــُرْتَ بــه بيــن النجـاءيْن مُقْتَسـمْ
إذا شــبَّ منهــا جـاد مـا هـو قـادح بِزَنْــدَيْهِ مــن شــدٍّ تَلَهَّــبَ فاضــطرمْ
جناحـــانِ خفَّاقــانِ خفقــاً مُحَثْحثــاً ورِجلان لا تَسْتَحْســــِران إذا اعتَــــزَمْ
نجـا مـا نجـا حتى ابتغى الدهرُ كَيْدَه فــدسَّ إليـه العَنْقفيـر ابنـة الرَّقـمْ
ولا قســورٌ إن لــم يجــد مــا يكُفُّـهُ مـن الصـَّيدِ أضـحى والسـباعُ لـه لحَـمْ
عليــه الــدماءُ الجاســداتُ كأنَّمــا مواقعُهــا منــه المُـدمَّى مـن الرَّخـمْ
إذا مـا اغتـدى قبـل العطـاسِ لصـيده فللمغتــدِي تلقــاءه عطســةُ اللَّجــمْ
أتــاحت لــه الأحــداثُ منهــنَّ قِرنَـهُ كفاحــاً فلــم يكــدح بِظُفْـرٍ ولا ضـغمْ
وقــد كــان خطـاف الخطـاطيف ضـيغماً إذا ســاهم الأقــرانَ عـن نفسـهِ سـَهَمْ
ولا أعصـــلُ النــابَيْنِ حامــل مَخْطِــم بــه حَجَــنٌ طــوراً وطــوراً بـه فَقَـمْ
يُقلِّـــبُ جُثمانـــاً عظيمـــاً مُوَثَّقــاً يهـــدُّ برُكنَيْــهِ الجبــالَ إذا زحــمْ
ويســـطو بخُرطـــوم يثنِّيـــه طــوعَهُ ومشــتبهاتٍ مــا أصــابَ بهــا غنــمْ
ولســت تــرى بأســاً يقــومُ لبأســهِ إذا أعمـلَ النَّـابيْنِ في البأسِ أو صدمْ
بقـى مـا بقـى حتى انتحى الدَّهرُ شخصَهُ فلــم ينتصــر إلا بــأنْ أنَّ أو نــأمْ
هــوى هــائلَ المَهْــوَى يجُـودُ بنفسـه تخــالُ بــه قيــداً تقــوَّضَ مِـنْ إضـَمْ
مضــيماً هضــيماً بعــدَ عِــزّ ومَنْعــة ومــن ضــامَهُ مـا لا يطـاق ولـم يُضـَمْ
ولا صـــِلُّ أصـــْلالٍ يـــبيت مُراقبـــاً بنْهشــَتِهِ مقــدارَ نفــس مــتى يُحَــمْ
يشـــول بأنيـــاب شـــَواها مَقاتِــلٌ يُقَطِّــرُ مــن أطرافهـا السـّمَّ كالدَّسـمْ
زَحــوف لــدى الممســى كــأنّ سـحيفهُ إذا انسـاب فـي جنْـح الظلامِ نَشـيشُ حمْ
يميــزُ المنايــا القاضــياتِ سـِمامَهُ مـن الرقْـش ألوانـاً أو السُّودِ كالحُمَمْ
أتــاه وقــد ظــن الحِمــام شــقيقه حَمــامٌ ولاقــى لا شـقيقاً ولا ابـن عـمْ
ســقاه بكــأس كــان يَســْقي بمثلهـا إذا مـا سـقى السـَّاقي بأمثالهـا فطمْ
كميـــنُ ردىً فــي جســمه أوْ مُبــارِزٌ نجيــدٌ مــن الأقــران غــادره جِــذمْ
ولا لِقـــوة شـــعواء تُلحــم فرخهــا خداريَّـــةٌ شــمَّاء فــي شــاهق أشــَمْ
بكــورٌ علــى الأقنــاص غيــرُ مُخلَّــة كــأنَّ بهــا فــي كــل شــارقةٍ وحَـمْ
تــبيتُ إذا مــا أحجـر القُـرُّ غيرَهـا تُرَقْـرِقُ رفْـضَ الطَّـلِّ فـي رِيشـها الأحـمْ
تعـالت عـن الأيـدي العـواطي وأُعطيـتْ علـى الطيـرِ تفضـيلاً فأعطينَهـا الرُّمَمْ
ســما نحوهـا خَطْـبٌ مـن الـدهرِ فاتِـكٌ فطــاحت جُبــاراً مثــل صــاحبها درمْ
ولا غَــرِقٌ نــاجٍ مــن الكــرب عَيْشــُهُ بحيـث يكـون المـوت فـي الأخضر القطمْ
ســـبوحٌ مـــروحٌ رعيُـــهُ حيــثُ وِرْدهِ رغيـبُ المِعـا مهمـا اسـتُطِفَّ له التقمْ
مُجَوْشــَنُ أعلــى الجِلــدِ غيــرُ محمَّـلٍ ســلاحاً ســوى فيــه ومِــزْودِهِ اللَّهـمْ
نفــتْ جِلَّــةَ الحيتــان عنــه شـذاتُه وخُلِّـي فـي مَرْعـىً مـن الـوحشِ والقـزمْ
إذا أوْجــس النُّــوتيُّ يومــاً حَسِيســَهُ وقــد عــارض البوصــيُّ شـمَّرَ واحـتزمْ
أتيـحَ لـه قِـرنٌ مـن الـدهر لـم يكـن لِيَنْكُــلَ عـن أهـوال يـمٍّ ولا ابـن يـمْ
فألقــاهُ فــي مَنْجـى السـَّفينِ وإنمـا بحيــثُ يشــمُّ الــرُّوحَ ركبانُهـا يُغـمْ
لقــى طافيــاً مثــلَ الجزيـرةِ فـوقَهُ أبابيــل شــتى مـن نسـورٍ ومـن رخـمْ
ولا مَلِـــك لا مجـــدَ إلا وقـــد بنــى ولا رأسَ ســامي الطَّــرفِ إلا وقـد وقـمْ
تياســـِرُهُ الأشـــياءُ منقـــادةً لــه فــإن عاســرتْهُ مــرّةً خَــشَّ أو خَــزَمْ
إذا ســارَ غُضــَّتْ كُــلُّ عيــنٍ مهابــةً وأُســكتَتِ الأفـواهُ مِـنْ غيـرِ مـا بكـمْ
ســوى صــَهلاتِ الخيـلِ فـي عُـرض جحفـلٍ لـــه لجــبٌ يســترجفُ الأرض ذي هــزمْ
كــأنَّ مُثــارَ النقــع فــوقَ ســوادِهِ ســحابٌ علــى ليــلٍ تَطَخْطَــخَ فـادْلهمْ
وإن حــلَّ أرضــاً حلَّهــا وهْــو قـادرٌ علـى البُـؤسِ والنُّعمـى فأهلـكَ أو عصمْ
تــرى خــرزاتِ المُلْــكِ فــوق جـبينِهِ تلــوح عليــه مـن فُـرادَى ومـن تُـؤمْ
طـواه الـردى مـن بعـدما أثخن العدا وقـوَّمَ مـن أمرَيْـهِ ذا الزيـغِ والضـَّجمْ
فقـــد أمِـــنَ الأيــام أن تَخْتَرِمْنَــهُ وبُــرِّئتِ الــدنيا لــديه مـن التُّهَـمْ
رمــى حــاكمُ الحكــامِ مُهجــةَ نفسـه بحكــم لــه مــاضٍ فـدانتْ لمَـا حَكـمْ
ولا مُرْســـَلٌ بـــالوَحْي وحــيِ مليكــه ســِراجاً منيـراً نـورُهُ السـاطعُ الأتـمْ
لـه دعـوةٌ يشـْفي بهـا مـن شكى الضَّنى ويــرزُقُ مــن أكــدى ويُنْعِـشُ مـن رزمْ
هــو الــرزْءُ لا يسـْطيعُ نَهضـاً بثِقلـهِ سـوى ابـنِ يقيـنٍ عـاذ بـالله واعتصمْ
تَمَثَّلْـــتُ أمثــالي مُعيــداً ومُبــدئاً فمـا انـدمَلَ الجُرحُ الذي بي ولا التأمْ
وكــم قــارعٍ ســمعي بــوعظٍ يُجيــدُه ولكنَّــهُ فــي المـاء يرْقُـمُ مـا رقـمْ
إذا عـاد ألفـى القلـبَ لـم يَقْنِ وَعْظَهُ وقـد ظنَّـهُ كـالوحي فـي الحجـرِ الأصـمْ
وكيــف بــأن يقْنــى الفـؤادُ عظـاته وقــد ذابَ حــتى لــو تَرَقْـرَقَ لانسـجمْ
وهــل راقـم فـي صـفحةِ المـاء عـائد ليقــرأ مــا قــد خـطَّ إلا وقـد طسـمْ
أحــــاملتي أصــــبحتِ حِملاً لحُفْـــرة إذا حَمَلَــتْ يومــاً فليــس لهـا قَتَـمْ
أحـــاملتي أســـْتَحْمِلُ اللــه رَوْحــةً إلــى تلكـمُ الـروح الزكيـة والنَّسـمْ
أَمُرْضــــِعَتي أسترضـــِعُ الغيـــثَ دَرَّةً لرَمْسـِكِ بـل أسـتغزِرُ الـدمعَ مـا سـجمْ
وإنِّـــي لأســتحييكِ أن أطلــبَ الأُســى لأســلى ولــو داويـتُ جُرْحـيَ لـم أُلـمْ
حِفاظــاً وهـل لـي أُسـْوةٌ لـوْ طلبتُهـا ألا لا وهـل مـن قِيمـة لـك فـي القِيـمْ
وإنــي لأســتحييك أن أنقــع الصــَّدى وأن أتحبَّـــى بالنســـيم إذا نســـمْ
أأستنْشـــِقُ الأرواحَ بعـــدك طائعـــاً وأشــربُ عـذْبَ المـاء إنـي لـذو نَهـمْ
وإنـــي لأســتحييكِ يــا أمُّ أنْ يُــرَى قرينــي إلا مَــنْ بكــى لــك أو وَجَـمْ
وأن أتلهَّـــى بالحــديث عــن الأســى وألقــى جليسـي بابتسـامٍ إذا ابتسـمْ
أأمْــرحُ فــوق الأرض يــا أمُّ والـثرى عليــكِ مهيــلٌ قــد تطــابقَ وارتكـمْ
أبــى ذاك مــن نفســي خَصـِيمٌ مُنـازعٌ ألــدُّ إذا جــاثى خصــيماً لــه خَصـَمْ
حفــاظي خَصــيمي عنــكِ يــا أمُّ إنـه أبــى لــي إلا الهــمَّ بعـدك والسـَّدَمْ
عزيـــزٌ علينــا أن تَمــوتِي وأننــا نعيــش ولكــن حُكِّــم المـوتُ فـاحتكمْ
ولــو قَبِــلَ المــوتُ الفـداء بـذلتُهُ ولكنمــــا يَعْتـــامُ رائدُهُ العِيَـــمْ
أيــا مـوتُ مـا أسـلمتُها لـك طائعـاً هــواك فمــالي زَفرتِـي زفـرةُ النـدمْ
ســأبكي بِنَثْــرِ الـدمع طـوراً وتـارة بنظـم المراثـي دائمَ الحُـزْنِ والـوَكمْ
وتُســـعِدُني نفـــسٌ علــى ذاك ســَمْحةٌ بمـا نـثر الشـجوُ الـدخيلُ ومـا نظـمْ
لأنْفــــيَ نَـــوْمي لا لأشـــفِيَ غُلَّـــتي علــى أنَّ عينـي مُـذْ فقـدتُكِ لـم تنـمْ
ولــو نظــرتْ عيْنــاكِ يــا أمُّ نَظْـرةً إلــى مـا تـوارى عنـك مِنِّـيَ واكتتـمْ
فقِســْتِ بمــا ألقـاهُ مـا قـد لقيتِـه شـــهدتِ بحـــق أنَّ داهيـــتي أطـــمْ
وكـــم بيــن مكــروه يُحَــسُّ وقــوعُهُ وآخـــرَ معـــدوم الإطاقــة واللَّمــمْ
يُحِـسُّ البلـى مَيْـتُ الحيـاةِ ولـم يكُـنْ يُحِــسُّ البِلــى مَيْـتُ الممـاتِ إذا أرمْ
ألا مـــن أراه صــاحباً غيــرَ خــائنٍ ألا مــن أراهُ مُؤنِســاً غيــرَ مُحْتَشــَمْ
ألا مــن تلينــي منـه فـي كُـلِّ حالـةٍ أبــرُّ يــدٍ بــرَّتْ بــذي شــعثٍ يُلــمْ
ألا مــن إليــه أشــتكي مـا يَنُـوبُني فيُفْــرجُ عنِّــي كُــلَّ غــمٍّ وكُــلَّ هَــمْ
نبــا نــاظري يـا أمُّ عـن كُـلِّ مَنظـرٍ وســَمْعِي عــن الأصـوات بعـدك والنغـمْ
وأصــبحتِ الآمــالُ مُــذْ بِنْـتِ والمُنـى غــوادر عنــدي غيــر وافيـةِ الـذِّممْ
وصـــارمتُ خِلّانـــي وهُـــمْ يَصــلونَني وقــد كنــتُ وصـَّالَ الخليـل وإن صـرمْ
وآنســـني فقـــدُ الجليــسِ وأوْحَشــتْ مشــاهدُه نفسـي ولـم أدرِ مـا اجـترمْ
سـوى أنـه يـدعو إلـى الصـبرِ واعظـاً فـإن لـجَّ مـا بي لجَّ في العَذْلِ أو عذمْ
ولــو أنَّنــي جمَّعْــتُ وعظــي ووعظَــهُ ليَشـْعَبَ صـَدْعاً فـي فـؤادي لمـا التأمْ
وإنــي وقــد زوَّدتِنــي منــكِ لوْعــةً لهـا وقْدة في القلبِ كالنارِ في الضرمْ
يريــد المُعــزّي بُــرء كَلْمِـي بـوَعْظهِ ولـم يـكُ غيـرُ اللـه يُـبرئُ مـا كَلَـمْ
هـو الـواهِبُ السـلوانَ والصـبرَ وحْـدَهُ لذي الرُّزْءِ والمُهْدِي الشِّفاء لذي السقمْ
ولســت أُرانــي مُــذْهلي عنــكِ مُـذْهِلٌ يـد الـدهر إلا أخـذةُ المـوتِ بـالكظمْ
هُنــاك ذُهـولي أو إذا قيـل قـد قضـى وإلّا فلا مــا طــاف ســاعٍ أو اســتلمْ
وســوَّيْتِ عنــدي عُــرفَ دَهــرِي بِنُكـره فأضــحى وأمســى كلمـا أحسـن اسـتذمْ
أرى الخيـرةَ المهـداةَ لـي منـه عبْرةً ونِعمتَــهُ المسـداةَ مـن واقـع النِّقـمْ
أتبهجُنِـــي نعمـــاءُ دهــرٍ حماكِهــا وأشــكرُ مـا أَعطَـى وأنـتِ الـذي حـرمْ
أبــى ذاك أن الخيــر بعــدك حســرةٌ لــديّ ومعــدود مــن المِحَــنِ العظـمْ
فقـــدناكِ فاســْوَدَّتْ عليــكِ قلوبُنــا وحُقَّــتْ بــأن تســودَّ وابيضـَّتْ اللِّمَـمْ
وأظلمـــتِ الــدنيا وبــاخ ضــياؤها نهـاراً وشـمسُ الصـَّحوِ حَيْرى على القِمَمْ
وأجـــدبتِ الأرضُ الــتي كنــتِ روضــةً عليهــا وأبــدتْ مَكْلحـاً بعـد مُبْتَسـَمْ
ومــادتْ لــك الأجبــال حــتى كأنمـا شـــواهقها كـــانت بِمحيــاك تُــدَّعمْ
وأصـــبحَ يبْكيــكِ الســحابُ مُجــاوِداً فـــأرزم إرزامَ العجـــولِ ومــا رذمْ
ونــاحتْ عليـكِ الريـحُ عـبرَى وأصـبحتْ لــدُنْ عَــدِمَتْ ريَّــاكِ تجــري فلا تُشـَمْ
وقــامتْ عليــكِ الجـنُّ والإنـس مأتمـاً تُبكِّــي صـلاةَ الليـلِ والخَمـصَ والهضـَمْ
وأضــحتْ عليـكِ الـوحشُ والطيـرُ وُلَّهـاً تبكِّـي الـرواء النضـر والمَخْبر العَمَمْ
وأبــدى اكتئابــاً كــلُّ شـيءٍ علمتُـه وأضـعافُ مـا أبـداه مـن ذاك مـا كتَمْ
كـــذاك أرى الأشــياءَ إمــا حقيقــةً بــدتْ لــي وإمـا حُلْـمَ مُسـْتَيْقظٍ حَلـمْ
ولــن يَحْلُــم اليقظـانُ إلا وقـد أتـتْ علــى لُبِّــه دهيــاءُ هائلــةُ الفَقَـمْ
وأمــا الســمواتُ العلــى فتباشــرتْ برُوحِــك لمَّــا ضــمَّها ذلــك المضــمْ
ومــا كنــتِ إلا كوكبــاً كـان بيننـا فبــان وأمســى بيــن أشــكاله نجـمْ
رأى المســْكَنَ العُلــويّ أوْلـى بِمِثْلِـهِ فودَّعَنَـــا جـــادتْ معاهِــدَهُ الرِّهَــمْ
تأمَّــلْ خَليلــي فـي الكـواكب كَوْكبـاً ترفَّــع كالمصــباح فــي ذِروةِ العلـمْ
ســما عــن ســفال الأرض نحـو سـمائه فكشــَّفَ عــن آفاقهــا عاصــبَ القتـمْ
ولـم يـرَهُ الـراؤون مـن قبـل موتهـا بحيــث بــدا لا المُعْرِبـون ولا العَجَـمْ
وإنــي وقــد زودتنــي منــك لوعــةً مُحالفــةً للقلــب مــا أورق الســَّلَمْ
لتُســـلينَني الأيـــام لا أن لوعـــتي ولا حَزَنـي كالشـيء يبْلـى علـى القِـدَمْ
ســـأنْثو ثنــاكِ الخيــرَ لا مُتزيِّــداً علـى مـا جـرى بيـن الصـَّحيفة والقلمْ
ومــا بــيَ قُربــاكِ القريبــةُ إنــه بعيــدٌ مـن الأحيـاءِ مَـنْ سـَكَنَ الرَّجـمْ
طـوى المـوتُ أسـبابَ المحابـاةِ بيننا فلســـتُ وإن أطنبـــتُ فيــك بِمُتَّهَــمْ
لعَمْـــري وعَمـــري بعــدك الآن هَيّــنٌ علــيَّ ولكــنْ عــادةٌ عادهــا القسـمْ
لقــد فجعــتْ منـكِ الليـالي نُفوسـها بمحييـــةِ الأســحار حافظــةِ العتــمْ
ولــم تُخطــئِ الأيــام فيــك فجيعــةٌ بِصـــوَّامةٍ فيهـــنَّ طيَّبـــةِ الطِّعـــمْ
وفــاتَ بــك الأيتــامَ حِصــنُ كِنافــةٍ دفيــءٌ عليهــم ليلـةَ القُـرِّ والشـَّبَمْ
رجعْنـــا وأفردْنـــاكِ غيــر فريــدةٍ مـن البِـرِّ والمعـروفِ والخيـرِ والكرمْ
فلا تَعـــدمي أُنْــسَ المحــلِّ فطالمــا عكفــتِ وآنسـتِ المحـاريبَ فـي الظُّلـمْ
كســتْ قــبرَكَ الغُــرُّ المبـاكيرُ حُلَّـةً مُفوَّفــةً مــن صــَنْعةِ الوبـل والـدِّيمْ
لهـــا أرجٌ بعـــد الرُّقــادِ كأنمــا يُحــدِّثُ عمــا فيــكِ مـن طَيِّـبِ الشـِّيمْ
ابن الرومي
2039 قصيدة
2 ديوان

علي بن العباس بن جريج أو جورجيس، الرومي. شاعر كبير، من طبقة بشار والمتنبي، رومي الأصل، كان جده من موالي بني العباس. ولد ونشأ ببغداد، ومات فيها مسموماً قيل: دس له السمَّ القاسم بن عبيد الله -وزير المعتضد- وكان ابن الرومي قد هجاه. قال المرزباني: لا أعلم أنه مدح أحداً من رئيس أو مرؤوس إلا وعاد إليه فهجاه، ولذلك قلّت فائدته من قول الشعر وتحاماه الرؤساء وكان سبباً لوفاته. وقال أيضاً: وأخطأ محمد بن داود فيما رواه لمثقال (الوسطي) من أشعار ابن الرومي التي ليس في طاقة مثقال ولا أحد من شعراء زمانه أن يقول مثلها إلا ابن الرومي.

وكان القاضي الفاضل قد أمر ابن سناء الملك باختيار شعر ابن الرومي، فاعتذر عن ذلك بقوله: (وأما ما أمر به في شعر ابن الرومي فما المملوك من أهل اختياره، ولا من الغواصين الذين يستخرجون الدر من بحاره، لأن بحاره زخارة، وأسوده زآرة، ومعدن تبره مردوم  بالحجارة، وعلى كل عقيلة منه ألف نقاب بل ألف ستارة. يطمع ويؤيس ويوحش ويؤنس، وينير ويظلم، ويصبح ويعتم شذره وبعره، ودره وآجره، وقبلة تجانبها السبة، وصرة بجوارها قحبة، ووردة قد حف بها الشوك، وبراعة قد غطى عليها النوك. لا يصل الاختيار إلى الرطبة حتى يخرج بالسلى، ولا يقول عاشقها: هذه الملح قد أقبلت حتى يرى الحسن قد تولى. فما المملوك من جهابذته، وكيف وقد تفلس فيه الوزير، ولا من صيارفته ونقاده. ولو اختاره جرير لأعياه تمييز الخيش من الوشي والوبر من الحرير). وفي وفاته خلاف بين عام 283 و284 و296 و297

896م-
283هـ-

قصائد أخرى لابن الرومي

ابن الرومي
ابن الرومي

القطعة في كتاب التشبيهات لابن أبي عون في باب تشبيهات مختلطة وأبيات منفردة

ابن الرومي
ابن الرومي

القطعة في التذكرة الحمدونية في فصل أورد فيه ما للشعراء في وصف القطائف مما شابهها من الحلويات قال:

ابن الرومي
ابن الرومي

القطعة أوردها ابن حمدون في التذكرة فيما انتخبه من مجون ابن الرومي وعلق عليها بقوله:

ابن الرومي
ابن الرومي

القطعة في التشبيهات لابن أبي عون قال: وقال ابن الرومي (ثم أورد الأبيات) وهي عدا البيت الثالث في التذكرة الحمدونية ونسبها إلى ابن الرومي