ألا أيها المُطري العلاءَ بن صاعدٍ وشاكِرهُ في نيّةٍ وثَناءِ ونبه المحقق (1/14) إلى أن الديوان لا يضم غير ثمانية من ردود ابن الرومي على الحروف، من الألف إلى الذال عدا التاء ولسنا ندري أأتم بقية الحروف أم لم يتمها، وإن كان توالي الحروف التي نظمها قد يدل على أنه اكتفى بما نظم
ويفهم من القصيدة أن العلاء كان وقتها في الرابعة عشرة من عمره وهو قوله:
فتى نال غايات الكهولِ وجازها على جِدّةٍ من سِنِّه وفَتاءِ
كما بهر البَدرُ النجومَ لأربعٍ وعشر فأمستْ غيرَ ذاتِ ضياءِ
وحَسْبُ أبي عيسى العلاءِ بأنه يُعَدُّ بديئاً سيّدَ الحكماءِ
وأن أباه الخيرَ طال بقاؤه يعد بديئاً سيّدَ الوزراءِ
وأن الأمير المُستنيم إليهما يعد بديئاً سيّدَ الأمراءِ
وأن الخطيب الصادقَ القَولِ فيهما يعد بديئاً سيّدَ الخطباء
ومن مدائه فيه الطائية في 90 بيتا وفيها قوله:
وكل مديح لم يكن في ابن صاعدٍ ولا في أبيه صاعدٍ فهو حابطُ
وكل مديح لم يكن في ابن صاعدٍ ولا في أبيه صاعدٍ فهو حابطُ
تحمَّل أثقالَ الموفَّق ناصحاً مكارِهُ ما يلقى لديه مناشِطُ
هو الكاتبُ النِّحريرُ والمِدرهُ الذي= به انفرجتْ عنّا الخطوبُ الضواغطُ
له قلم في السِّلم كافٍ وربما تحوَّل رُمحاً حين تَحمَى المآقطُ
يدرُّ له طوراً خراجاً وتارةً تسيلُ له منه الدماء العبائطُ
وأمَّا أبو عيسى فينجمُ رأيُهُ مع الحقِّ والآراءُ عُشْيٌ خوابِط
لوالدهِ منه إذا غابَ خالفٌ ضليعٌ إذا ما اسْتُكفِيَ الأمرَ ضابط
إذا ما توالتْ بالمشاوِرِ كُتْبُه توالتْ إليه بالفتوح الخرائط
متَى حُسِبتْ أحسابُكُم آلَ مخلدٍ أبت ضبطَها أيدي الحساب الضوابط
وأنتم أُناسٌ تاجُ قحطانَ فيكُمُ وداركُمُ دار المقاول ناعط
يمانُون ميمونُو النقائب لم يزل لكم نَسبٌ في محتدِ القوم واسِط
وأمَّا بواديكم فقد ملأ الملا عديدٌ لهم دثرٌ وعزٌّ عُلابط
منازلُ فيها للرماح مغارسٌ قديماً وللخيل العِراب مَرابِط
ونادٍ بهيٍّ لا يزال حديثُهُ حديثاً لأقوامٍ وللدرِّ لاقطُ
يجدُّ ففيه حِكمةٌ مستفادةٌ ويفكَهُ أحياناً وما فيه لاغطُ
كَراكر في هام الروابي محلُّها على أنه لم يخل منهن غائِط
خِلالَ الروابي للجيادِ صواهلٌ وفوق الروابي للقدورِ غطاغِط
إلى أن قال:
إذا القومُ راموا سعيكم خلَّفتْهمُ جدودٌ لئام أو جدودٌ هوابط
وجدنا أبا عيسى العلاء بن صاعدٍ ربيعاً مريعاً ليس فيه خطائِطُ
ولستُ وإن غالتهُ عنّيَ واسطٌ بغائلةٍ عنى عطاياهُ واسط
عطايا تزورُ المستنيلَ ولو غدا سرنديبُ أدنى داره وشلاهِط
وأطربَ فيه الشعرُ حتى كأنما تجاوبَ قيناتٌ به وبرابط
فقل أيها المُطري العلاءَ بن صاعدٍ وإن كَثُرتْ من حاسديه المساخِطُ
نطقْتَ بحق ساعدته بلاغةٌ وفي الناس هادٍ حين يسري وخابِطُ
وغيرُ عجيب أن أطاعكَ منطقٌ لأن الذي مجَّدْتَ بحرٌ غطامِط
ولم تشترط أجراً فأجرك واجبٌ وأوجبُ أجرٍ أجرُ من لا يشارطُ
ومن أطول مدائحه فيه الدالية في 280 بيتا، أولها:
أبَيْنَ ضُلوعي جَمْرةٌ تتوقَّدُ على ما مضى أَمْ حسرَةٌ تتجدَّدُ
وفيها قوله:
إلى أين بِي عن صَاعِدٍ وانْتِجَاعِهِ وقد رَادَهُ الروَّادُ قبلي فأَحْمَدُوا
وَلي بأبي عيسى إليه وسِيلَةٌ يُفَكُّ بها أصفادُ عانٍ ويُصْفَدُ
لَعَمْرِي لئن أضحت وِزَارةُ صاعد تُثَنَّى لقد أضحى كريماً يُوحَّدُ
هو الرجلُ المشْرُوك في جُلِّ مالِهِ ولكنَّه بالخيْرِ والحمْدِ مفردُ
كأنَّ أباه يوم سمَّاهُ صاعداً رأى كيفَ يَرْقَى في المعالي ويَصْعدُ
وقد هجا ابن الرومي العلاء بن صاعد وأباه بقصيدة من روائعه أبيتها (102 بيتا، منها قوله:
ألا أبلغا عني العلاء بن صاعدٍ رسالة ذي نفسٍ قليلٍ هلوعها
فإن تحتجز فالله جمٌّ عطاؤه وإن تحتجب فالشمس جم طلوعها
أبت نفسك المعروف حتى تبتلت إلى اليأس نفس واطمأن مروعها
سأظلف من نفس بذلت سجودها وكان حقيقاً أن يصان ركوعها
جزتكم جوازي الشر يا آل مخلد وأقوت من النعمى عليكم ربوعها
ولا انفرجت عنكم من الكره خطةٌ ولا الْتَأَمَت إلا عليكم صدوعها
ليهنيكُمُ أن ليس يوجد منكمُ لبوس ثياب المجد لكن خلوعها
جهدناكم مرياً فقال ذوو النهى لقد أشبهت أظلاف شاة ضروعها
نكحتم بلا مهر قوافيَ لستمُ بأكفائها فاللائعات تلوعها
رويدكم لا تعجلوا ورُوَيدَها ستغلو لدى قوم سواكم بضوعها
ستُمهَرُ أبكاري إذا وخدت بها خَنوفُ المهارى بالفلا وضَبوعها
وإني إذا ما ضقت ذرعاً ببلدة لجواب أقطار البلاد ذروعها
ألا تلكم الغيد العطابيل أصبحت إلى غيركم أرشاقها وتلوعها
وهجاه وأباه صاعدا بالسينية في 80 بيتا وأولها:
راع قلبي مشيبُ رأسٍ خليسِ راع جهلي والكَيْس بالتكييسِ
وفيها قوله يذكر الدالية:
قلت داليةً أعانتني الجن ن عليها لا شك دون الأنيس
مادحاً صاعداً بها وعلاءً مُطنباً في الخسيس وابن الخسيس
فكأنّي هَيَّأتُها لحمارَي ن يَرُودان في خَلِيس الوديس
ظَلَمَاها فعوقبا بيد اللَ هِ فخَرّا من حالق مَرْمَريس
ويدُ اللَه تلك ناصر دين ال لَهِ ليثُ البِراز لا العِرّيس
والشهابُ الذي تهاوَى فأهوَى كلَّ عِفْريتِ فتنة عِتْريس
من بني هاشمٍ ومن آل عبَّا سٍ بَنى اللَّه بيْتَه في الدَخيس
يا لها حُلَّةً نسيجة وَحْدٍ لم يكن حَظُّها سوى التدنيس
يا لها حِليةً أُجيدت لشَمْطا ءَ وأخرى مَبْنيّة التَقويس
صاعد وابنه وما للخسيسي ن وللمدح بالكلام النفيس
لم يكن من حُلَى الخَبِيثَين لكن من حُلى كل ماجد نِقْريس
وحُلى السادة الأكابر ليست من حُلى الجاثليق والقِسّيس
لا حَظَاها بغير عينَي سُليما نَ فلم يَصبُوا إلى بلقيس
حَسُنت كلها وطابت فسادتْ في الضَّعيفَينِ سورة الخَنْدريس
ذاتُ طَعْمٍ ومنظرٍ ونسيمٍ وحُمَيّا وهِزّةٍ ورَسيس
إلى أن قال:
ظلمَ الشعرُ صاعداً وكذا كم ظلمتْهُ الملوكُ بالتَفْريس
واعْتزى كاذباً إلى آل كعبٍ وانتمى زِيُّهُ إلى باذَغيس
واستباح الأموال يُعمِلُ فِيهِنْ نَ بلا مدفع ولا تنفيس
نفقات كادت تُفَلِّسُ بيت ال مال أقصى نهايةِ التفليس
وتولَّى وزارتين فأضحى ال حقُّ غضبانَ ظاهر التعبيس
وبتدبيره عصى ابْنُ سجستا نَ ومن قبلِه أخو تَنِّيس
شؤم رأيٍ أتى على الشرق والغر بِ من المدَّعى الدعِيِّ النحيس
وغدت ذِلّة النصارى على المل ك فأضحى أوزاعَ شِلوٍ نَهيس
عجباً من موفق الرأي ولَّى كلبَ خَسٍّ مكان رئْبال خِيس
ومن النُكر حَوكيَ المدحَ فيه وهو أولى بالوطء والتضريس
كيف قلتُ الفصيح في فاحش العُج مةِ كالطَمْطَميِّ من بَدْليس
قال يوماً كُنّا بِطُوْسُ فنادَو هُ ألا اخفض فقال كنا بطِيس
وإذا رام أن يفوه بقدّو س أبَى مِرْنةً سوى قدّيس
غلبت لكنة النصارى على في ه فأعيت علاج بُقْراطيس
ما أراني غَلِطْتُ في العبد بل قل ت بتقليد سيدٍ بِرْعيس
ومن اختاره الأميرُ مدحنا ه وكان السعيدَ غير النحيس
بل إخالُ الأمير جرّبَ والمر ء يُحب التجريبَ للتجريس
كان كالمتلف البضاعة في المت جر حتى استفاد كيْسا بكيس
ثم صال الأمير بالثعلب الحا ئن صول المحقِّ لا الغِطريس
فكم انشقَّ مدفنٌ عن دفينٍ وكم انعقَّ مَكْبسٌ عن كبيس
وثنَى بابنه السفيه المعنَّى بأساطير أرسطَاطاليس
والذي لم يُصخ بأذْنيه إلا نحو ذو ثوريوسَ أو واليس
عاقداً طرفَه ببهرامَ أو كي وان أو هِرمسٍ أو البرجيس
أو بشمس النهارِ والبدر والزُّه رة عند التثليث والتسديس
سِلمُ عيٍّ محارباً كل شيءٍ وافرٍ حظه من التقديس
دهَّرَتْهُ جهالةٌ نصَّرته ثم عادت عليه بالتمجيس
لم يزل سادراً يسير ويسري منِ هواه المضلِّ في إمْليس
وكذا صاعداً أبوه ألا بُع داً لإبليسَ وابنه لاقيس
تركت آل مَخْلدٍ سخطةُ اللَّ هِ كطَسْم بحقهم وجَديس
هل ترى رائياً لهم من خيال هل ترى سامعاً لهم من حَسيس
بَهَظُوا الأرض بالكنوز وقد أض حوا وما يملكون من هَلْبسيس
نازعوا النحل في جناها فحَالَتْ حاصبات القَليس دون القليس
ها أنا المنذر المحذِّر من يظ لم شعراً من سُوقَةٍ ورئيس
فَلَهُ ناصر من اللَه إن جَا دَ وإن لم يجُدْ فمن إبليس
لم يزل بين نكبة وهجاءٍ ظالم الشعرِ في أحر وطيس
كالحاً في وثاقه الدائم الجِدْ دة أو عرضه اللبيس الدَريس
ومما هجا به العلاء بن صاعد رائية في (31) بيتا أولها:
يا ابن الوزير الذي تمَّت وزارتُهُ لا تجمعنّ عليّ العار والنارا
إن كنتُ أحسنت في وصفي مآثركم فأثِّروا فِيَّ بالإحسان آثارا
أو كنت قد قلت ما لا أستحق به منكم ثواباً فرُدّوه وما سارا
إن المديح إذا ما سار منفرداً من الثواب كسا من قاله عارا