ويح الجزائر ما دهاها مالها

القصيدة في الديوان باب الأحداث الوطنية بعنوان 

زلزلة الأصنام 1954م (والأصنام هي التسمية القديمة لولاية الشلف حاليا وقد تم تغييرها عقب الزلزال الأخير سنة 1980م)

الأبيات 76
ويـح الجـزائر مـا دهاهـا مالها تــدعو دراك وتســتغيث رجالهــا
ويــح الجــزائر أصـبحت مكروبـة ولهــى تئن فمــن يكـون ثمالهـا
مفجوعـــة ثكلـــت فتــاة بــرة حســناء شــوهت المنـون جمالهـا
تـذري علـى الأصـنام صـيب دمعهـا وتــردد الزفــرات ممــا نالهـا
أسـفي علـى الأصـنام رجـت دورهـا تحــت الظلام وزلزلــت زلزالهــا
مارجهــا الزلــزال حــتى ردهـا بعــد الأناقــة دمنــة وأحالهـا
تجتــاح أرواح الشــقاء ديارهـا وتجــوس أشــباح الفنـاء خلالهـا
تقـف الوفـود بهـا صـوامت تجتلى آثارهــا وتــرى بهــا أطلالهــا
تسـدى العـزاء إلـى بقايا أهلها بعـد المصـاب وتشـكر استبسـالها
وتنــاول الجرحـى وسـائل برئهـا عطفــا وتجــزل للجيـاع نوالهـا
بـدع أصـاب مـن الزلـزال أرضـها فــأزاح بهجــة عيشـها وأزالهـا
ودهــى جميــع قلاعهــا ورباعهـا وضــياعها ودهــى البلاد حيالهـا
أخلــى أواهلهــا وخلــى حولهـا سـبعين ألفـا تطلـب المـأوى لها
تتجــاذب الخــبراء حبـل حـديثه وعلــى حقيقتــه تطيـل جـدالها
هــل كــان بعــض صــواعق جويـة اللـــه قــدر وحــده إنزالهــا
أم كـــان هــزة تربــة ناريــة طغــت الميــاه فسـببت إشـعالها
أم كـــان بعــض تجــارب ذريــة بعــض المخـابر دبـر اسـتعمالها
لــم نكتشــف سـببا لـه متيقنـا إلا افتراضـــات نحــوك خيالهــا
مــا فـي خرائبـه لشـاهدها سـوى عــبر تفـك عـن العقـول عقالهـا
فـترى الـديار على الديار أكبها وتـرى الجبال على الجبال أمالها
خــرت مطــأطئة الــرؤوس فبـددت حـول السـفوح صـخورها ورمالهـا
فكأنهـــا ســـفن ببحــر هــائج صــخب تميــل يمينهــا وشـمالها
ولـــرب دار هزهــا مــن أســها وأدارهــا مثـل الرحـى وأجالهـا
ولـــرب دار زجهـــا فــي هــوة فمحــا مبانيهــا وأقــبر آلهـا
وتــرى أعاصـير الريـاح أثارهـا حربــا تســدد للكبــود نبالهـا
وتـرى الكـواكب فـي سـواد قـاتم مثـل الثكـالى استشعرت أسمالها
وتــرى أخاديــد الشـقوق رهيبـة في العمق توغل في الثرى إيغالها
فكأنهــا أحنــاء أوديــة بــدت لكــن بنيــران البخـار أسـالها
وتـرى بهـا القتلى هنا وهناك قد طمـس الـتراب على الثرى أشكالها
بينـا قضوا في النوم زلفة ليلهم فــي دورهــم متفيئيــن ظلالهــا
إذ طــاف بـالبلوى عليهـم طـائف خســف الـديار وعجـل استئصـالها
عجبــا لهــا مــن رجــة أرضـية مـا شـاهد الجيـل الحديث مثالها
دوت دوي الرعـــد ثــم تدكــدكت بـــالآهلين وأخرجـــت أثقالهــا
وتتـــابعت رجاتهـــا وتكـــررت أنكالهـــا فتجرعــوا أنكالهــا
أردت قبيلــة (راشــد) وتــذيلت فاشـهد (تنسـ) تجـد بها أذيالها
وبواديــا (شـلف) ألـم و (فضـة) تبصـر إلـى (مجانـة) استرسـالها
أودت بــــأعلاق التلاد وأزهقـــت مهــج العبــاد ومزقـت أوصـالها
وجـرت حـوادث قبلهـا لـم تجر من قبــل الــزلازل ضـاعفت أهوالهـا
عــوت الكلاب وخـارت الأبقـار فـي هلــع كـأن قـد ألهمـت إقبالهـا
ولعـل فيهـا عـبرة لـذوي النهـى وهـدى يقـي النفـس اللجوج ضلالها
فـالنفس لـم تـترك غـرائز خبثها والآدميــة لــم تــدع صلصــالها
وبنـو الجـزائر فـي سفاسف عيشهم خلــف اللـذائذ ينشـدون وصـالها
ترجــو الجـزائر أن تناضـل حـرة عــن حقهــا فيعرقلــون نضـالها
وتحــــولت حكامهــــا ظلامهـــا وتبـــدلت أنصـــارها خـــذالها
فلــذاك أنــذرنا الإلــه برجــة فــي كـل يـوم نسـمع اسـتفحالها
كــم كرمــة ألـوت بهـا وحديقـة عصــفت بهـا ومـن اسـتغل غلالهـا
وســـراية قـــد زينــت بأســرة تــؤوي عــرائس لا تحــد دلالهــا
خســفت بهــا فتقوضــت وتعوضــت مــن يمنهـا شـؤما يقبـح فالهـا
لـم تبـق ربـات الحجـال بها كما لـم تبـق إلا فـي الحضـيض حجالها
كــم أســرة فــي عزهـا وجلالهـا نشــأت أضــاعت عزهــا وجلالهــا
أمســـت مشــردة تهيــم فقيــرة تبكــي ســعادتها وتنـدب مالهـا
كـم مرضـع صـاد الحمـام وحيـدها كالنســر صـاد حمامـة فاغتالهـا
فتحرقــت حزنــا عليــه وأعـولت ترجـو إغاثـة مـن يعـي إعوالهـا
وخريــدة فــي الآنســات فريــدة نــزل البلاء بهــا فحيـر بالهـا
صــرخت مـن الأنقـاض تسـأل نجـدة عجلــى فلـبى المنقـذون سـؤالها
خفــوا إليهـا كـالوعول تسـابقت نحـو المكـانس كـي تجيـر غزالها
واســتنقذوها مـن مخـالب موتهـا والخـوف يوشـك أن يـثير خبالهـا
فنجــت وصــحت بــالعلاج وأصـبحت برعايــة الإســعاف تحمـد حالهـا
إن الجــزائر بالجميــل مدينــة لمـن افتـدى الأسر الضياع وعالها
شـكرا لمـن أولـى الضـحايا منـة ترضــى ومـد يـدا لهـا فأطالهـا
شـــكرا لكــل مكفــن أمواتهــا شـــكرا لكــل مكفــل أطفالهــا
شـكرا لمـن آوى اليتـامى واعتنى بحياتهـــا فاســترجعت آمالهــا
شـكرا لمـن أسدى إلى الجرحى يدا بالمســـعفات فــأدركت إبلالهــا
شــكرا لمصــر وللعـراق وسـوريا ولمـن أسـا أجراحنـا ورثـى لهـا
مــن كــل جامعــة سـخت بإغاثـة وحكومــة أبــدت لنــا أفضـالها
أمــا الفئات المهملات فقـل لهـا أن الجـــزائر ســجلت إهمالهــا
مـن قـام بالحسـنات فليـك مكملا إن الشــرائع تبتغــي إكمالهــا
واللــه أرحــم راحــم ســبحانه وســـع الخلائق رحمــة وأنالهــا
حــد الحـدود لهـا ولكـن أجرمـت وتجـــرأت فأذاقهـــا أعمالهــا
غفرانـــك اللهـــم إنــا أمــة رزحـى يحملهـا الهـوى أحمالهـا
نــاءت بهــا أغلالهــا فتقاعسـت عــن واجباتــك فاكفهـا أغلالهـا
أشــهدتنا قبــل القيامـة صـورة منهـا تزيـل عـن النهـى أسدالها
وتــرى نفــوس الجاحـدين حقيقـة هــزئت بهــا وتعمــدت إغفالهـا
إن القيامــة بالوبــال نــذيرة عفــوا فإنــا لا نطيــق وبالهـا
لــم نتخـذ ذخـرا لفصـل قضـائها إلا شــفاعة مـن يقـول أنـا لهـا
فــارفق بأمــة مصــطفاك محمـد واجعـل إلـى كنـف السـلام مآلهـا
محمد العيد آل خليفة
44 قصيدة
1 ديوان
محمد العيد بن محمد علي بن خليفة من أشهر الشعراء الجزائريين الذين واكبوا الثورة التحررية والاستقلال، ويعد شعره مرآة لتلك الفترة من تاريخ الجزائر الحديث. لقبه الشيخ عبد الحميد بن باديس بأمير شعراء الجزائر، يقول الشيخ محمد البشير الإبراهيمي: (رافق شعره النهضة الجزائرية في جميع مراحلها، وله في كل ناحية من نواحيها، وفي كل طور من أطوارها، وفي كل أثر من آثارها- القصائد الغر، والمقاطع الخالدة، فشعره- لو جمع- سجل صادق لهذه النهضة، وعرض رائع لأطوارها.)

ولد بعين البيضاء بولاية أم البواقي وسط عائلة محافظة متصوفة تنتمي إلى الطريقة التجانية تنحدر من بلدة كوينين من ولاية واد سوف. حفظ القرآن وبدأ تلقي علوم الدين على شيوخ بسكرة، ثم بجامع الزيتونة، وبعد ذلك على علماء الجزائر. درّس في عدة مدارس بمختلف ولايات الجزائر وتولى إدارتها خلال الحقبة الاستعمارية، كما أسهم في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة 1931، ونشر شعره في جريدة البصائر لسان حال الجمعية وفي العديد من الجرائد الوطنية كجريدة الشهاب وصدى الصحراء ، وكان عضوا مراسلا في مجمع اللغة العربية بدمشق. 

احتك بأعمدة الحركة الوطنية الإصلاحية مثل العلامة عبد الحميد بن باديس والشيخ محمد البشير الإبراهيمي والشيخ محمد العقبي وكان لذلك أثر كبير على إنتاجه الشعري.

اعتقلته السلطات الفرنسية بعد اندلاع الثورة الكبرى بسبب شعره الإصلاحي الدعوي ومواقفه الوطنية، ثم وضع تحت الإقامة الجبرية ببسكرة إلى غاية الاستقلال.

بعد الاستقلال تفرغ الشاعر للعبادة وآثر الخلوة إلى أن وافته المنية بمستشفى باتنة سنة 1979م.

جمع ديوانه أول مرة تلميذه أحمد بوعدو سنة 1952 وعلق على قصائده الشيخ محمد البشير الإبراهيمي وتمت طباعته ويحوي 6797 بيتا، تحت إشراف نجله أحمد طالب الإبراهيمي سنة 1967.

وتمت طباعة تكملة للديوان سنة 2003 لمحمد بن سمينة تحت عنوان العيديات المجهولة

بالتصرف عن محمد العيد آل خليفة: دراسة تحليلية لحياته، تأليف أ/محمد ابن سمينة /ديوان المطبوعات الجامعية، ابن عكنون –الجزائر

 

1979م-
1399هـ-

قصائد أخرى لمحمد العيد آل خليفة

محمد العيد آل خليفة
محمد العيد آل خليفة

يقول الشاعر في إهداء الديوان:

محمد العيد آل خليفة
محمد العيد آل خليفة

وفي خاتمة الديوان يشير إلى الفضل الذي يعود للأستاذ أحمد طالب الإبراهيمي نجل الشيخ البشير الإبراهيمي في طباعة الديوان، وكان حينها وزيرا للإعلام والثقافة، يقول:

محمد العيد آل خليفة
محمد العيد آل خليفة

القصيدة في الديوان بعناون (أسطر الكون) ويفهم من البيت الرابع أنه كتبها وهو في العشرين من عمره