يا بحر أفديك بحرا

القصيدة من الديوان بعنوان وقفة على بحر الجزائر

الأبيات 78
يـا بحـر أفـديك بحرا ملكــت قلــبي ســحرا
بهرتنــــي بصــــنوف مــن المفــاتن كـبرى
أرى عليــــك مــــآت مــن المنــاظر تـترى
تبــدو مياهــك زرقـا للنـــاظرين وخضـــرا
فليـــس لونـــك ليلا كمثــل لونــك فجــرا
وليــس لونــك صــبحا كمثــل لونــك ظهــرا
حــاولت حصــرك وصـفا فلــم أطـق لـك حصـرا
يـا بحـر أنـت أنيسـي إن ضـقت بـالهم صـدرا
حســبي جــوارك إنــي أرى جـــوارك ذخـــرا
أطريــت حســنك مـدحا يـا بحـر والحسن يطرى
أغريتنــي بــك حسـنا فلــم أزل بــك مغـرى
مـن فيـك يسـبح جسـما ففيــك أســبح فكــرا
مهمـــا عجبــت لأمــر فــأنت أعجــب أمــرا
يـا أبيـض العـرض جرت لـــك الشــواطئ وزرا
علــى الشــواطئ سـيل مـــن الفضــائح أزرى
تلقـى الفتـاة فتاهـا كلاهمــا فيــك معــرى
يكاشــــفانك فحشـــا ويســــمعانك هجـــرا
فــالقلب مــن ذاك آس والعيـن مـن ذاك عبري
أراك كــالنمر وثبــا أراك كــــالليث زأرا
هـل أنـت ترقـص لهـوا أم أنــت تطفـح سـكرا
قــد رق جــوك لطفــا وراق مـــاؤك طهـــرا
تنــوعت فيــك فلــك بالنـار والريـح تجرى
ففــي المراسـي قصـور قصــر يشــارف قصـرا
وإن تغــــص فأفـــاع يهابهـا الحـوت ذعـرا
ســريعة فيــك ســبحا ذريعــة فيــك مخــرا
كأنهـــــا قــــافلات تجتــاز صـحراء قفـرا
فلــم تـدع لـك مرسـى لـم تجـر فيـه ومسـرى
ولــم تـدع لـك جـزءا لــم تمتلكــه وشـطرا
ولــم تـدع لـك سـطحا لــم تمتلكــه وقعـرا
فكنــت للبعــض حصـنا وكنــت للبعـض قـبرا
أخشـى غـدا فيـه تغدو أزبـادك الـبيض حمـرا
أخشـى وغـى فيـك تحمى فتقلــب المـاء جمـرا
أمســت مراسـيك ترعـى مراصــد الشـهب سـهرى
فيهـــا دوارع غـــبر تحـــوي دوارع غــبرا
ويــل لمـن جـاز حـدا أو مــن تقــدم شـبرا
وكــل مــن رام حربـا فإنمـــا رام خســـرا
يـا أبيـض الوجه نالت إفريقيــا بــك فخـرا
نــالت بفضــلك خيـرا مــن الجزيــرة وفـرا
فكـم مـن العـرب غـاز لهــا تخطــاك جســرا
فقــام بالـدين فيهـا وبالفضـــيلة نشـــرا
وقـــائد فيـــك حــر ســاق الأعــاجم أسـرى
والحـر إن ثـار يطغـى كـالليث إن جـاع يضرى
أحـــب فيــك ثباتــا علــى الخطـوب وصـبرا
أحـــب فيــك هــزوءا بالأقويـــاء وســـخرا
أحـــب فيــك جمــالا مــن الطبيعــة نضـرا
أحـــب فيــك أديمــا صــفا وأشــرق بشـرا
لأنــت بــالحب أولــى مــن الحســان وأحـرى
فلســت تخلــف وعــدا ولســت تضــمر غــدرا
ولســت تهتــك عرضــا ولســت تكشــف ســترا
حـــب الطبيعـــة دأب لكــل مـن قـال شـعرا
أرى بـك المـوج جنـدا أرى الشــواطئ ثغــرا
مـا أنشـب الموج حربا إلا تغلــــب نصــــرا
كـم زنـت بـالحلي كفا وزنــت بـالحلي نحـرا
مــن شـم منـك نسـيما كأنمـــا شــم عطــرا
أوليتنــي منـك فضـلا فجئت أوليـــك شــكرا
فهــل إلــى خيـر أرض تقلنــي منــك ظهــرا
عســاي أطــرح ذنبــا عنــي وأربــح أجــرا
عســاي أقــرى بــدار فـي ظلهـا الحـر يقرى
هببـت لـو كنـت ريحـا وطـرت لـو كنـت نسـرا
إلـــى حمـــى عربــي يسـمو بـه الحـر قدرا
بــراك باريــك جـدوى للعـــالمين وذكـــرا
فكنــت للرســم لوحـا وللطبيعـــة ســـفرا
يقلــب الــدهر صـحفا لــديك يمنــى ويسـرا
نطــالع الغيـب فيهـا كمــن يطــالع جفــرا
أراك بــالموج ترمــي صــخرا وتجــذب صـخرا
هــل أنـت للـبر خصـم أو طــالب منـه وتـرا
كـــأن ســـطحك أفــق يبــدي كــواكب زهـرا
البـدر في الليل يجري أنــواره فيــك نهـرا
والشمس في الصبح تذري فيــك الأشــعة تــبرا
هــل الطبيعــة صـارت طبيعــة فيــك أخــرى
كــم ليلـة بـت حـولي كالفحــل تهـدر هـدرا
دوي موجــــك أحلـــى مــن المعــازف نـبرا
أعـــز حولــك شــعبا يســاق للــذل قهــرا
وأغــن حولــك قومــا يشــكون بؤسـا وفقـرا
هــــذا وداع محــــب ينــوي فراقــك دهـرا
مــا عنــده رأس مـال إلا أمــــاني حســـرى
يـا بحـر إن ضـاق أمر قـد يحـدث اللـه أمرا
لا بــد مـن بعـد عسـر أن يجعـل اللـه يسـرا
محمد العيد آل خليفة
44 قصيدة
1 ديوان
محمد العيد بن محمد علي بن خليفة من أشهر الشعراء الجزائريين الذين واكبوا الثورة التحررية والاستقلال، ويعد شعره مرآة لتلك الفترة من تاريخ الجزائر الحديث. لقبه الشيخ عبد الحميد بن باديس بأمير شعراء الجزائر، يقول الشيخ محمد البشير الإبراهيمي: (رافق شعره النهضة الجزائرية في جميع مراحلها، وله في كل ناحية من نواحيها، وفي كل طور من أطوارها، وفي كل أثر من آثارها- القصائد الغر، والمقاطع الخالدة، فشعره- لو جمع- سجل صادق لهذه النهضة، وعرض رائع لأطوارها.)

ولد بعين البيضاء بولاية أم البواقي وسط عائلة محافظة متصوفة تنتمي إلى الطريقة التجانية تنحدر من بلدة كوينين من ولاية واد سوف. حفظ القرآن وبدأ تلقي علوم الدين على شيوخ بسكرة، ثم بجامع الزيتونة، وبعد ذلك على علماء الجزائر. درّس في عدة مدارس بمختلف ولايات الجزائر وتولى إدارتها خلال الحقبة الاستعمارية، كما أسهم في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة 1931، ونشر شعره في جريدة البصائر لسان حال الجمعية وفي العديد من الجرائد الوطنية كجريدة الشهاب وصدى الصحراء ، وكان عضوا مراسلا في مجمع اللغة العربية بدمشق. 

احتك بأعمدة الحركة الوطنية الإصلاحية مثل العلامة عبد الحميد بن باديس والشيخ محمد البشير الإبراهيمي والشيخ محمد العقبي وكان لذلك أثر كبير على إنتاجه الشعري.

اعتقلته السلطات الفرنسية بعد اندلاع الثورة الكبرى بسبب شعره الإصلاحي الدعوي ومواقفه الوطنية، ثم وضع تحت الإقامة الجبرية ببسكرة إلى غاية الاستقلال.

بعد الاستقلال تفرغ الشاعر للعبادة وآثر الخلوة إلى أن وافته المنية بمستشفى باتنة سنة 1979م.

جمع ديوانه أول مرة تلميذه أحمد بوعدو سنة 1952 وعلق على قصائده الشيخ محمد البشير الإبراهيمي وتمت طباعته ويحوي 6797 بيتا، تحت إشراف نجله أحمد طالب الإبراهيمي سنة 1967.

وتمت طباعة تكملة للديوان سنة 2003 لمحمد بن سمينة تحت عنوان العيديات المجهولة

بالتصرف عن محمد العيد آل خليفة: دراسة تحليلية لحياته، تأليف أ/محمد ابن سمينة /ديوان المطبوعات الجامعية، ابن عكنون –الجزائر

 

1979م-
1399هـ-

قصائد أخرى لمحمد العيد آل خليفة

محمد العيد آل خليفة
محمد العيد آل خليفة

يقول الشاعر في إهداء الديوان:

محمد العيد آل خليفة
محمد العيد آل خليفة

وفي خاتمة الديوان يشير إلى الفضل الذي يعود للأستاذ أحمد طالب الإبراهيمي نجل الشيخ البشير الإبراهيمي في طباعة الديوان، وكان حينها وزيرا للإعلام والثقافة، يقول:

محمد العيد آل خليفة
محمد العيد آل خليفة

القصيدة في الديوان بعناون (أسطر الكون) ويفهم من البيت الرابع أنه كتبها وهو في العشرين من عمره