الأبيات 89
على هذه الكُرَةِ الأرضية المُهتزّهْ | |
أنت نُقْطَةُ ارْتِكازي | |
وتحت هذا المَطَر الكبريتيِّ الأسودْ | |
وفي هذه المُدُنِ التي لا تقرأُ ولا تكتبْ | |
أنت ثقافتي | |
الوطنُ يَتفتَّتُ تحت أقدامي | |
كزجاجٍ مكسُورْ | |
والتاريخُ عَرَبةٌ مات سائقُها | |
وذاكرتي ملأى بعشرات الثُقُوبْ | |
فلا الشوارعُ لها ذاتُ الأسماءْ | |
ولا صناديقُ البريد احتفظتْ بلونها الأحمرْ | |
ولا الحمائمُ تَستوطن ذات العناوينْ | |
لم أعُدْ قادرةً على الحُبِّ... ولا على الكراهيَهْ | |
ولا على الصَمْتِ ولا على الصُرَاخْ | |
ولا على النِسْيان ولا على التَذَكُّرْ | |
لم أعُدْ قادرةً على مُمَارسة أُنوثتي | |
فأشواقي ذهبتْ في إجازةٍ طويلَهْ | |
وقلبي عُلْبَةُ سردينٍ | |
انتهت مُدَّةُ استعمالها | |
أحاول أن أرسُمَ بحراً قزحيَّ الألوانْ | |
فأفْشَلْ | |
وأحاولُ أن أكتشفَ جزيرةً | |
لا تُشْنَقُ أشجارُها بتُهْمةِ العَمالهْ | |
ولا تُعتقلُ فراشَاتُها بتُهمَة كتابة الشِعْر | |
فأفْشَلْ | |
وأحاول أن أرسُمَ خيولاً | |
تركضُ في براري الحريّهْ | |
فأفْشَلْ | |
وأحاولُ أن أرسمَ مَرْكَباً | |
يأخُذُني معك إلى آخر الدنيا | |
فأفْشَلْ | |
وأحاول أن أخترعَ وطناً | |
لا يجلدُني خمسين جَلْدةً لأنني أحبُّك | |
فأفْشَلْ | |
أحاولُ يا صديقي | |
أن أكونَ امرأةً | |
بكل المقاييس والمواصفات | |
فلا أجدُ محكمةً تصغي إلى أقوالي | |
ولا قاضِياً يقبَلُ شَهَادتي | |
ماذا أفعلُ في مقاهي العالم وحدي | |
أمْضَغُ جريدتي | |
أمْضَغُ فجيعتي | |
أمْضَعُ خيطانَ ذاكرتي | |
ماذا أفعل بالفناجينِ التي تأتي وتَروُحْ | |
وبالحُزْنِ الذي يأتي ولا يروُحْ | |
وبالضَجَرِ الذي يطلعُ كلّ رُبْعِ ساعهْ | |
حيناً من ميناءِ ساعتي | |
وحيناً من دفترِ عناويني | |
وحيناً من حقيبةِ يدي | |
ماذا أفعلُ بتُراثِكَ العاطفيّ | |
المَزْرُوعِ في دمي كأشجارِ الياسمين | |
ماذا أفعلُ بصوتِكَ الذي ينقُرُ كالديكِ | |
وجهَ شراشفي | |
ماذا أفعلُ برائحتِكَ | |
التي تسبح كأسماك القِرْشِ في مياه ذاكرتي | |
ماذا أفعلُ بَبَصماتِ ذوقِكَ على أثاث غرفتي | |
وألوان ثيابي | |
وتفاصيلِ حياتي | |
ماذا أفعلُ بفصيلةِ دمي | |
يا أيُّها المسافرُ ليلاً ونهاراً | |
في كُريَّاتِ دمي | |
كيفَ أسْتحضركَ | |
يا صديق الأزمنة الوَرْديّهْ | |
ووجهي مُغَطَّى بالفَحْم | |
وشعوري مُغَطَّى بالفحْم | |
ليست فلسطين وحدَها هي التي تحترقْ | |
ولكنَّ الشوفينيَّهْ | |
والساديّهْ | |
والغوغائيّة السياسيَّهْ | |
وعشرات الأقنعةِ والملابس التنكريَّهْ | |
تحترق أيضاً | |
وليست الطيورُ والأسماكُ وحدَها | |
هي التي تختنقْ | |
ولكنَّ الإنسانَ العربيَّ هو الذي يختنقْ | |
داخل الهولوكوستِ الكبيرْ | |
يا أيها الصديق الذي أحتاجُ الى ذراعَيْهِ في وقت ضَعْفي | |
وإلى ثباته في وقت انهياري | |
كل ما حولي عروضُ مسرحيَّهْ | |
والأبطالُ الذين طالما صفَّقتُ لهم | |
لم يكونوا أكثر من ظاهرةٍ صَوْتيَّهْ | |
ونُمُورٍ من وَرَقْ | |
يا سيِّدي يا الذي دوماً يعيدُ ترتيبَ أيَّامي | |
وتشكيلَ أنوثتي | |
أريد أن أتكئ على حنان كَلِماتِكْ | |
حتى لا أبقى في العَرَاءْ | |
وأريدُ أن أدخلَ في شرايينِ يَدَيكْ | |
حتى لا أظلَّ في المنفى |