نشر الحزنُ على الشرق سحابا
الأبيات 55
نشـر الحـزنُ على الشرق سحابا يملأُ الأنفــسَ همــاً واكتئابـا
نكبــــاتٌ تتـــوالي فـــوقه لـو أصـابتْ قاسيَ الصخرِ لذابا
والــدٌ يُــرْزَأ فــي أبنــائه كلمــا ربَّــى كهــولا وشـبابا
وإذا أشـــرقت الشـــمسُ بــه فـارتَجَى جَلَّلَـهُ الـرزءُ فخابـا
مــا لــه يهـتز أرضـاً وسـما كلمــا آنـس فـي قُطْـرٍ مصـابا
ليتـــه أمًعَــنَ فــي رقــدته لـمْ يُثِرْ حُرا ولم يجْلُ النقابا
هــادئاً يلتــذُّ فــي أحلامــه لا يـرى للغـرب كابوسـاً مهابا
مــؤمنٌ ســلواه فــي إيمـانه لَـوْ دَعـاهُ الغربُ للخير أجابا
حَرَّكـــوا أوصــاَلهُ فــإجتمعت تَتَشـَاكَى إذ سقاها الغربُ صابا
رَفْرفــتْ روحُ الأمــاني فوقهـا ونضـت بـالعلم للجهـل حجابـا
وغــدتْ كالجســم فـي إحساسـه إن أهاضُوا منه عظما أوْ إهابا
فــإذا استشــهَد منهــا بطـل سـكب الكـلُّ مـن الـدمعِ ذنَابا
هــذه مصــُر رماهــا دهرُهــا برصاصــات المنــاي فأصــابا
ثكلــت بــالأمس سـعدا بـدرها فـادْلَهَمَّتْ ظلمـةٌ والبـدر غابا
كلمــا لاح المنــى فابتســمت كَشـَّر الـدهرُ لها بالموت نابا
أيُّ نَعْــي حمــل الــبرقُ لنـا أشـعلَ الإحسـاس حزنا واضطرابا
تــرك الســامع فــي دهشــته مُطْرِقـاً يْنكُـثُ بـالكفِّ الترابا
ولَهِــاً قــد غـاصَ فـي حيرتـه يــذرع الأرض ذهابــا وإيابـا
شــيعتْ مصــر أمينــاً مخلصـاً قـطُّ مـا سـاوم في الحقِّ وحابى
أنجبتْـــهُ مصـــرُ لكــنَّ لــه فـي قلوب العرب أجداثا رحابا
جنـــت الأفـــراحُ فــي ميلاده وهُـمُ قـد حملوا مَعْها المصابا
أُدرِجَـــتْ جُثَّتُـــهُ فــي عَلَــم يقطـر الـدمع حواليه انسكابا
وبــه شــُمُّ العرانيــن مشـوْاً ومـن الهيبـة يَحْنـون الرقابا
صــَمْتُهُمُ أبلــغُ فــي تـأثيره مـن عويـل يملأُ الجـوَّ اصطخابا
وصـــل الجـــامع فاســتقبله بــأذان موسـعا للنعـش بابـا
وإمــامُ الجَمْــعِ فـي تـأبينه بلسـان الـدين قد ألقى خطابا
حيــــث لا تســـمع إلا أنَّـــةً وزفيـرا أو شـهيقا وانتحابـا
وحبــاه اللــه مــن أيــامه ســاعة تَحْمِــلُ عفـوا وثوابـا
يـا لهـا مـن سـاعة قـد بُشِّرتْ إنـــه ســامٍ حيــاةً ومآبــا
أودعــــوه بقعـــةً قدســـيةً قَبْلَـهُ قد دفنوا فيها اللبابا
طالمــا قــد هلَّلَـتْ أجـداثُها لضـيوف قـاوموا عنها الصعابا
لــو درى كامــلٌ عــن مقـدمه لنضـى الأكفـان عنـه والترابا
شـــاكراً إحيـــاءَهُ مَبْـــدَأَهُ بعـد أنْ أصـبح فـي مصر شعابا
فـي ضـريح بالريـاحين ارتـدى طـابت التربـة بالضـيف وطابا
حَســْبُهَا بالضـيف مجـداً وعُلـى لا تماثيــل عليهـا أو قبابـا
قـد حبـاهُ الله والشرقُ الرضى حينمـا أعـداؤه كـانت غضـابا
بطــلُ الإســلام والشــرق معـا أشــبعَ الضـدَّ طِعانـا وضـرابا
ومـــتى أرهــفَ منــه قلمــا جعـل الظلـمَ ومـا شـاد خرابا
طالمــا ضـحَّى بأسـباب الغنـى ولــو انصــاع قليلا لاسـتثابا
نشـر الشـعبَ علـى الشـعب فكم أخـرسَ الضـدَّ فلـم يُحْـرِ جوابا
وأقــام المثـلَ العُلْيـا لنـا فـي سـبيل الحق لا يخشى عقابا
رافعـاً فـي الشـعب أعلى صوتهِ كيـف ترضـون احتلالا واغتصـابا
يـا بنـي التـاميز إنـا أُمـةٌ حــرةٌ توسـع للضـيف الجنابـا
هـم أروه العسـفَ ألوانـاً فما لانَ ممــا نـاله ظلمـا وهابـا
فثـوى فـي السـجن مختـارا له عـن زمـانٍ قدّموا فيه الذُّنَابى
واذكـرِ الأخبـارَ نـبراسَ الهدى حيـن تنقـضُّ علـى الظلم شهابا
خــدم الإســلام والشــرقَ بهـا خِــدَماً جُلـىَّ أتـاهن احتسـابا
أرجفـتْ مـن مصـر فـي تقريعها طـاغي البحريـن نقـداً وحسابا
حجبوهـــا حقبــةٌ عــن أُمــة أفسـحت فيها لشكواها الرحابا
وغــدوا فـي متهـا عنـا كمـن كلَّفَ الشمسَ ضُحَى الصحوِ احتجابا
يـا أميـن الشـرق ودَّعْـتَ فهـل بعـدك اسـتخلفتَ للمظلوم بابا
هـل لنـا مـن ملجـأٍ أو مـوئلٍ إن دعـا المظلـومُ لبَّى واجابا
ومحـــام عــن حقــوق هُضــمَتْ يُفْقِـدُ الاعـداءَ إن هبَّ الصوابا
يقـــرعُ الحجــةَ بالحجَّــةِ لا يجعـل البرهـان شـتما وسبابا
ســوف نبقــى مثلمـا علمتنـا لحقـوق الشـرق لا نـألو طلابـا
خالد الفرج
126 قصيدة
1 ديوان

خالد بن محمد بن فرج، من أسرة آل طرّاد، من المناديل، من الدواسر.

شاعر أديب مؤرخ، كان أسلافه في (نزوى) من وادي الدواسر، واستقر أبوه في الزبارة (من قطر) وخربت فانتقل إلى مسقط ثم إلى الكويت، وبها ولد خالد وتعلم وسافر إلى بومبي، في الهند، كاتباً عند أحد تجارها العرب، وأنشأ فيها مطبعة، ثم عاد إلى الكويت، وأراد السكنى في البحرين، فمنعه الإنكليز من دخولها، فنظم قصيدة مطلعها:

إن شئت بالبحرين تصبح تاجراً فاجعل بأول ما تبيع ضمائرا

وسكنها بعد ذلك وجُعل من أعضاء مجلسها البلدي، ودرس في مدرسة الهداية بها، ومدح حاكم البحرين بقصائد، ثم عاد إلى الكويت (1927) واتصل بعبد العزيز آل سعود، ومدحه، وعُيّن مديراً لبلدية الأحساء، فالقطيف فالدمام، وأنشأ في هذه (المطبعة السعودية) وزار من أجلها دمشق وبيروت مرات، وأصيب بمرض الصدر، فسكن دمشق قبل وفاته بسنتين، وتوفي ببيروت، ولم يبلغ الستين.

له كتاب (الخبر والعيان) في تاريخ نجد وما حولها في العصر الحديث، و(مذكرات) في تاريخ آل سعود، و(أحسن القصص- ط) في سيرة الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وهو ملحمة شعرية، بأسلوب عصري لطيف، جعل كل صفحة شعرية منها تقابلها صفحة نثرية، و(ديوان خالد الفرج- ط) وفيه من لطائفه أبيات قالها لما أعلن المستشرق الإنكليزي (فلبي) إسلامه، ومن كتبه (ملحق لديوانه- ط)، و(ديوان النبط- ط) جزآن، وهو مجموعة من الشعر العامي في نجد، علق عليه بتفسير ألفاظه وتراجم بعض قائليه، و(علاج الأمية- ط) رسالة عالج فيها تبسيط الحروف العربية في الكتابة، و(رجال الخليج- خ) تراجم. وكان جميل الخط إذا تأنق.

1954م-
1373هـ-