هو مولى لبني عجل، كان شاعراً أعمى، وله شعر قاله آخر أيام بني أمية، ووفد على عمر بن هبيرة الفزاري.
له شعر في قصائد نادرة من كتاب منتهى الطلب من أشعار العرب.
(1) أبو الأخيل العجلي قد يكون شاعرا آخر غير العديل بن فرخ العجلي وقصيدته الدالية منسوبة للعديل نسبها إليه أبو العلاء المعري في الفصول والغايات انظر في الموسوعة ديوان العديل، وساتناول في هذا البحث كل ما يتعلق بهذه المعضلة،
وقد ذكره أبو العلاء عند ذكر أبيه "الفرخ" ولم يذكر كنيته (أبا الأخيل) قال: والفرخ أبو العديل الشاعر وهو (يعني العديل) صاحب الدالية المنصفة.
ألا يـا اسلمي ذات الدماليج والعقد | ... |
ويلاحظ هنا أن المنصفة لقب أطلق على قصيدة، نسبها الحاتمي في "حلية المحاضرة" إلى العديل بن الفرخ، ولم أعثر عليها في ديوانه، وهي في الاختيارين منسوبة إلى عامر بن معشر العبدي وهي من القصائد الطوال تقع في أربعين بيتا ومنها البيت الذي ذكره الحاتمي:
تركنــا الطيــر عاكفــةً، عليهــم | فللغربـــان مـــن شـــبعٍ، نغيــق |
وهذه القصيدة نفسها نسبها الطيالسي في المكاثرة بطريقة غريبة قال:
العديل بن الفرخ العجلي مشهور.
ثم قال:
العديل العبدي الذي يقول: (ثم اورد ستة ابيات من قصيدة تركنا الطير)
وفي كتاب "من اسمه عمرو من الشعراء" لابن الجراح (ت 296هـ) عمرو بن العديل العبدي أورد له بيتا واحدا:
ذهلــتَ عــن الصــبا إلا القصـيدا | وراجعـــت الأنابـــة والســـجودا |
وهو صحابي له ترجمة في "الإصابة" وفيها
(عمرو بن الهذيل العبدي الربعي: ذكره المرزباني وقال مخضرم وهو القائل يخاطب مالك بن سميع لما فر أيام القضية يعني بعد موت بني معاوية فنزل ماء لبني سعد يقال له ثاج.
نحـــن أقمنـــا بكــر بــن وائل | وأنـت بثـاج مـا تمـر ومـا تحلـى |
ومــا يسـتوي أحسـاب قـوم تـورثت | قــديماً وأحسـاب نبتـن مـع البقـل |
قال وهو الذي يقول:
ذهلــت عــن الصــبا إلا القصــيدا | ولا رمـــت الإنابـــة والســـجودا |
وترجم ابن قتيبة في الشعر والشعراء للعديل بن الفرخ فلم يذكر كنيته وفيما قاله: (هو العديل بن الفرخ العجلي، ولقبه العباب، وكان العباب كلباً له، وهو من رهط أبي النجم العجلي) ولم يذكر شيئا من الدالية في شعره. ويلاحظ هنا أن ابن حزم في الجمهرة جعل العباب لقب جده الحارث بن ربيعة. والعبّاب على وزن شداد
ونص على ذلك الأمير ابن ماكولا وهو كبير قبيلة عجل في عصره قال بعدما أورد البيت:
يـا عجـل عجـل لجيـم أيـن فارسكم | يــوم الكريهـة مفـروق بـن عبّـاب؟ |
وعبّاب هو الحارث بن ربيعة بن عجل سمي بذلك لأنه عب في ماء.
وما حكاه ابن قتيبة عاد وكرره البغدادي في خزانة الأدب في شرح الشاهد الثامن والستين بعد الثلاثمائة وهو رجز سداسي من شعر العديل ذكره الجواليقي في "شرح ادب الكاتب"
أوعدني بالسجن والأداهم =رجلي ورجلي شثنة المناسم
قال: (قال ابن السيد: لا أعلم قائله. وقال ياقوت في حاشية الصحاح، وتبعه العيني: قائله العديل بن الفرخ، وهو شاعر إسلامي في الدولة المروانية،... قال ابن قتيبة في كتاب الشعراء: العديل بن الفرخ لقبه العباب، بفتح العين المهملة وتشديد الموحدة الأولى. والعباب: اسم كلبه. وهو من رهط أبي النجم العجلي، ...إلخ)
وذكره الطيالسي في كتابه "المكاثرة عند المذاكرة" ولم يترجم له واكتفى بقوله: (العديل بن الفرخ العجلي مشهور) وكذا فعل الحافظ ابن حجر في (تبصير المنتبه) قال (شاعر مشهور عجلي)
وذكر ابن جني الدالية في الفسر ونسبها إلى العديل وذكرها القرطبي في "بهجة المجالس" ونسبها إلى العديل
وأما ابن حمدون في التذكرة فقال (الأخيل العجلي) فجعله لقبا له لا كنية واما الآمدي فلم يذكر اسمه واكتفى بقوله (أبو الأخيل العجلي) وكذلك فعل ابن المبارك (ت 589هـ) في "منتهى الطلب" " في مقدمة قصيدته الدالية فلم يسمه العديل بن فرخ وإنما قال (أبو الأخيل العجلي) ولم يورد من شعره غيره الدالية، وقد جمع ابن المبارك نفسه في"منتهى الطلب" سبع قصائد من قصائد العديل بن فرخ الطوال وليس فيها الدالية ورفع نسبه إلى نزار ولم يذكر كنيته. وأورد صاحب "التذكرة السعدية" الدالية ونسبها للعديل بن فرخ، ولم يورد من شعره غيرها. وكذا العكبري في "التبيان على الديوان والواحدي في "شرح ديوان المتنبي" والراغب الأصفهاني في محاضراته واورد منها ثلاثة أبيات وياقوت الحموي في مادة "يرنا" والبغدادي في خزانة الأدب في الشاهدين (660) و(741) كلهم نسبوها إلى العديل بن الفرخ ولم يذكروا كنيته (أبا الأخيل) لذلك كان الزركلي مصيبا في إهمال كنيته، وكذا فعل الصفدي في الوافي
ووفاته قبل الفرزدق لأن في شعر الفرزدق كما سيأتي قصيدة في رثائه.
وقد ذهب لويس شيخو (في التقديم للقصيدة إلى أنهما رجلان مختلفان فقال: (وروى أبو تمام في الحماسة لعديل العجلي قوله في الفخر وقيل أنها لأبي الأخيل العجلي:
ألا يا اسلمي ذات الدماليج والعقد | وذات الثنايا الغر والفاحم الجعد |
وكلام لويس شيخو ليس عبثا، فقد رأى أنه ليس في أخبار العديل بن فرخ أنه كان أعمى، فأداه ذلك للقول إن العديل غير أبي الأخيل.
وقد ترجم للعديل في "شعراء النصرانية" ترجمة واسعة نقل فيها عن تاج العروس قول الزبيدي: وفي بعض النسخ (العدي بلا لام وهو صحيح)
فيكون اسمه عدياً وكان يلقب بالعباب. قال وكان العديل من قبيلة عجل الثابتة على نصرانيتها حتى بعد الإسلام فقال الأبيرد يهجوهم:
تحيـــا المســـلمون إذا تلاقـــوا | وعجـــل مـــا تحيـــا بالســلام |
تحيـــا المســـلمون إذا تلاقـــوا | وعجـــل مـــا تحيـــا بالســلام |
وكذلك بنو شيبان الذين منهم كانت أمه. وفي ترجمته أنه هرب من الحجاج إلى بلد الروم ولجأ إلى قيصر. ولولا نصرانيته لما فعل.
ثم سرد أخباره. فلما نقل الدالية من الحماسة قال: (وروى أبو تمام في الحماسة لعديل العجلي قوله في الفخر وقيل أنها لأبي الأخيل العجلي)
وليس في كلام الأب لويس مبالغة فيما قال فقد ذكر ابن حزم أن حجار بن أبجر وهو من رؤساء الكوفة في عصره وممدوح العديل بن الفرخ مات أبوه نصرانيا
وجدير بالذكر ان أبا الفرج لم يذكر الدالية.
والعديل بن فرخ أكبر شعراء بكر بن وائل في عصره، من بني العكابة من عجل، نقل أبو الفرج في أخباره في الأغاني عن علي بن شفيع أنه قال: (لقيت الفرزدق منصرفه عن بكر بن وائل؛ فقلت له: يا أبا فراس: من شاعر بكر بن وائل ممن خلفته خلفك؟ قال: أميم بني عجل - يعني العديل بن الفرخ - على أنه ضائع الشعر، سروق للبيوت.
ولما مات رثاه الفرزدق قال أبو الفرج: قدم العديل بن الفرخ البصرة، ومدح مالك بن مسمع ، فوصله، فأقام بالبصرة، واستطابها، وكان مقيماً عند مالك، فلم يزل بها إلى أن مات، وكان ينادم الفرزدق، ويصطحبان فقال الفرزدق يرثيه:
ومــا ولــدت مثـل العـديل حليلـة | قــــديما ولا مســـتحدثات الحلائل |
ومــازال مــذ شــدت يــداه إزاره | بــه تفتـح الأبـواب بكـر بـن وائل |
ومالك بن مسمع المذكور له ترجمة في "الإصابة" للحافظ ابن حجر وفيها: (مالك بن مسمع بن شيبان بن شهاب بن قلع واسمه علقمة بن عمرو أبو غسان الرافعي. له إدراك. قال بن عساكر: ولد على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان سيد ربيعة في زمانه مقدماً رئيساً وفيه يقول حصين بن المنذر:
حيــاء أبــي غســان خيـر لقـومه | لمـن كـان قـد قاسـى الأمـور وجربا |
ومات سنة ثلاث أو أربع وسبعين.
وفي الأغاني عن الأصمعي أنه قال: دخلت على الرشيد يوماً وهو محموم فقال: أنشدني يا أصمعي شعراً مليحاً، فقلت: أرصيناً فحلاً تريده يا أمير المؤمنين أم شجياً سهلاً؟ فقال: بل غزلاً بين الفحل والسهل،
فأنشدته للعديل بن الفرخ العجلي:
صـحا عـن طلاب الـبيض قبـل مشـيبه | وراجــع غــض الطــرف فهـو خفيـض |
إلى آخر الأبيات. فقال لي: أعدها، فمازلت أكررها عليه، حتى حفظها.
وقد ترجم له أبو الفرج في الأغاني تعليقا على أبياته المغناة وهي اربعة أبيات أولها:
فإن تك من شيبان أمي فإنني = لأبيض من عجل عريض المفارق
عروضه من الطويل الشعر للعديل بن الفرخ العجلي، والغناء لمعبد خفيف ثقيل من أصوات قليلة الأشباه، عن يونس وإسحاق، وفيه لهشام بن المرية لحن من كتاب إبراهيم، وفيه لسنان الكاتب ثقيل أول عن الهشامي وحبش، وقال حبش خاصة: فيه للهذلي أيضاً ثاني ثقيل بالوسطى ثم قال:
أخبار العديل ونسبه (العديل بن الفرخ بن معن بن الأسود بن عمرو بن عوف بن ربيعة بن جابر بن ثعلبة بن سمى بن الحارث - وهو العكابة - بن ربيعة بن عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل...وقال أبو عبيدة: كان العكابة اسم كلب للحارث بن ربيعة بن عجل، فلقب باسم كلبه، وغلب عليه. قال: وكان عجل من محمقي العرب، قيل له: إن لكل فرس جواد اسماً وإن فرسك هذا سابق جواد، فسمه، ففقأ إحدى عينيه وقال: قد سميته الأعور، وفيه يقول الشاعر:
رمتنــي بنــو عجـل بـداء أبيهـم | وهـل أحـد في الناس أحمق من عجل؟ |
أليــس أبــوهم عـار عيـن جـواده | فصـارت بـه الأمثـال تضـرب بالجهل |
قال: والعديل شاعر مقل من شعراء الدولة الأموية، وكان له ثمانية إخوة، وأمهم جميعاً امرأة من بني شيبان، ومنهم من كان شاعراً فارساً: أسود وسوادة وشملة - وقيل سلمة - والحارث، وكان يقال لأمهم درماء. وكان للعديل وإخوته ابن عم يسمى عمراً، فتزوج بنت عم لهم بغير أمرهم، فغضبوا ورصدوه ليضربوه، وخرج عمرو ومعه عبد له يسمى دابغاً، فوثب العديل وإخوته، فأخذواسيوفهم، فقالت أمهم: إني أعوذ بالله من شركم، فقال لها ابنها الأسود: وأي شيء تخافين علينا؟ فوالله لو حملنا بأسيافنا على هذا الحنو حنو قراقر لما قاموا لنا فانطلقوا حتى لقوا عمراً، فلما رآهم ذعر منهم وناشدهم، فأبوا، فحمل عليه سوادة فضرب عمراً ضربة بالسيف، وضربه عمرو فقطع رجله فقال سوادة:
ألا مــــن يشــــتري رجلا برجـــل | تــــأبى للقيــــام فلا تقـــوم |
وقال عمرو لدابغ: اضرب وأنت حر، فحمل دابغ، فقتل منهم رجلا، وحمل عمرو، فقتل آخر، وتداولاهم، فقتلا منهم أربعة، وضرب العديل على رأسه، ثم تفرقوا، وهرب دابغ، حتى أتى الشأم، فداوى ربضة بن النعمان الشيباني للعديل ضربته، ومكث مدة.
ثم خرج العديل بعد ذلك حاجاً، فقيل له إن دابغاً قد جاء حاجاً، وهو يرتحل، فيأخذ طريق الشأم، وقد اكترى. فجعل العديل عليه الرصد، حتى إذا خرج دابغ ركب العديل
راحلته وهو متلثم، وانطلق يتبعه، حتى لقيه خلف الركاب يحدو بشعر العديل ويقول:
يـا دار سـلمى أقفـرت من ذي قار | وهــل بإقفــار الـديار مـن عـار |
وقــد كســين عرقـاً مثـل القـار | يخرجــن مــن تحــت خلال الأوبــار |
فلحقه العديل، فحبس عليه بعيره، وهو لا يعرفه، ويسير رويداً، ودابغ يمشي رويداً، وتقدمت إبله فذهبت، وإنما يريد أن يباعده عنها بوادي حنين، ثم قال له العديل: والله لقد استرخى حقب رحلي، أنزل فأغير الرحل، وتعينني. فنزل فغير الرحل، وجعل دابغ يعينه، حتى إذا شد الرحل أخرج العديل السيف، فضربه حتى برد، ثم ركب راحلته فنجا، وأنشأ يقول:
ألــم ترنـي جللـت بالسـيف دابغـا | وإن كـان ثـأراً لـم يصـبه غليلـي |
بـوادي حنيـن ليلـة البـدر رعتـه | بــأبيض مــن مـاء الحديـد صـقيل |
وقلـت لهم: هـذا الطريـق أمـامكم | ولــم أك إذ صــاروا لهـم بـدليل |
وقال أبو اليقطان: كان العديل هجا جرثومة العنزي الجلاني فقال فيه:
أهاجي بني جلان إذ لم يكن لها= حديث ولا في الأولين قديم
فأجابه جرثومة فقال:
وإن امـرأ يهجـو الكـرام ولـم ينل | مــن الثــأر إلا دابغــاً للئيــم |
أتطلـــب فــي جلان وتــراً ترومــه | وفاتـــك بالأوتـــار شــر غريــم |
قالوا: وساتعدى مولى دابغ على العديل الحجاج بن يوسف، وطالبه بالقود فيه، فهرب العديل من الحجاج إلى بلد الروم، فلما صار إلى بلد الروم لجأ إلى قيصر، فأمنه، فقال في الحجاج:
أخـــوف بالحجــاج حــتى كأنمــا | يحــرك عظــم فــي الفـؤاد مهيـض |
ودون يــد الحجـاج مـن أن تنـالني | بســاط لأيــدي الناعجــات عريــض |
مهـــامه أشــباه كــأن ســرابها | ملاء بأيـــدي الراحضـــات رحيــض |
وهي قصيدة ذكرها الجاحظ في "البيان والتبيين" وشرحها، وسماه العديل بن فرخ.
قال أبو الفرج: فبلغ شعره الحجاج، فكتب إلى قيصر: لتبعثن به أو لأغزينك جيشاً يكون أوله عندك وآخره عندي، فبعث به قيصر إلى الحجاج، فقال له الحجاج لما أدخل عليه: أأنت القائل:
ودون يد الحجاج من أن تنالني... فكيف رأيت الله أمكن منك؟ قال: بل أنا القائل أيها الأمير:
فلـو كنـت فـي سـلمى أجا وشعابها | لكـــان لحجـــاج علـــي ســـبيل |
خليــل أميــر المــؤمنين وسـيفه | لكـــل إمـــام مصـــطفى وخليـــل |
بنــى قبــة الإســلام حـتى كأنمـا | هـدى النـاس مـن بعـد الضلال رسول |
فخلى سبيله، وتحمل دية دابغ في ماله.
والبيتان أوردهما المبرد في الكامل مع قصتهما
قال أبو الفرج: وأخبرني عمي وحبيب بن نصر المهلبي، قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال: حدثني محمد بن منصور بن عطية الغنوي قال: أخبرني جعفر بن عبيد الله بن جعفر عن أبي عثمان البقطري قال:
خرج العديل بن الفرخ يريد الحجاج، فلما صار ببابه حجبه الحاجب، فوثب عليه العديل، وقال: إنه لن يدخل على الأمير بعد رجالات قريش أكبر مني ولا أولى بهذا الباب، فنازعه الحاجب الكلام، فأحفظه، وانصرف العديل عن باب الحجاج إلى يزيد بن المهلب، فلما دخل إليه أنشأ يقول:
لئن أرتــج الحجـاج بالبخـل بـابه | فبـاب الفـتى الأزدي بـالعرف يفتح |
فـتى لا يبـالي الـدهر مـا قل ماله | إذا جعلــت أيــدي المكـارم تسـنح |
يـداه يـد بـالعرف تنهـب مـا حـوت | وأخـرى علـى الأعـداء تسـطو وتجرح |
إذا مــا أتـاه المرملـون تيقنـوا | بـأن الغنـى فيهـم وشـيكاً سيسـرح |
أقـام علـى العـافين حـراس بـابه | ينــادونهم والحـر بـالحري يفـرح |
هلمــوا إلـى سـيب الأميـر وعرفـه | فــإن عطايـاه علـى النـاس تنفـح |
وليــس كعلــج مــن ثمــود بكفـه | مـن الجـود والمعـروف حـزم مطـوح |
فقال له يزيد: عرضت بنا وخاطرت بدمك، وبالله لا يصل إليك وأنت في حيزي، فأمر له بخمسين ألف درهم، وحمله على أفراس، وقال له: الحق بعلياء نجد، واحذر أن تعلقك حبائل الحجاج أو تحتجنك محاجنه، وابعث إلي في كل عام، فلك علي مثل هذا، فارتحل. وبلغ الحجاج خبره، فأحفظه ذلك على يزيد، وطلب العديل، ففاته، وقال لما نجا:
ودون يد الحجاج من أن تنالني = بساط لأيدي الناعجات عريض
قال: ثم ظفر به الحجاج بعد ذلك، فقال: إيه، أنشدني قولك:
ودون يد الحجاج من أن تنالني فقال: لم أقل هذا أيها الأمير، ولكني قلت:
إذا ذكــر الحجــاج أضـمرت خيفـة | لهــا بيـن أحنـاء الضـلوع نفيـض |
فتبسم الحجاج، وقال: أولى لك! وعفا عنه، وفرض له.
وقال أبو عمرو الشيباني: لما لج الحجاج في طلب العديل لفظته الأرض، ونبا به كل مكان هرب إليه، فأتى بكر بن وائل، وهم يومئذ بادون جميع، منهم بنو شيبان وبنو عجل وبنو يشكر، فشكا إليهم أمره، وقال لهم: أنا مقتول، أفتسلمونني، هكذا وأنتم أعز العرب؟ قالوا: لا والله، ولكن الحجاج لا يراغ، ونحن نستوهبك منه، فإن أجابنا فقد كفيت، وأن حادنا في أمرك منعناك، وسألنا أمير المؤمنين أن يهبك لنا. فأقام فيهم، واجتمعت وجوه بكر ابن وائل إلى الحجاج، فقالوا له: أيها الأمير، إنا قد جنينا جميعاً عليك جناية لا يغفر مثلها، وها نحن قد استسلمنا، وألقينا بأيدينا إليك، فإما وهبت فأهل ذلك أنت، وإما عاقبت، فكنت المسلط الملك العادل. فتبسم، وقال: قد عفوت عن كل جرم إلا جرم الفاسق العديل، فقاموا على أرجلهم، فقالوا: مثلك أيها الأمير لا يستثني على أهل طاعته وأوليائه في شيء فإن رأيت ألا تكد رمننك باستثناء، وأن تهب لنا العديل في أول من تهب! قال: قد فعلت فهاتوه قبحه الله، فأتوه به، فلما مثل بين يديه أنشأ يقول:
فلـو كنـت فـي سـلمى أجاً وشعابها | لكـــان لحجـــاج علـــي دليـــل |
بنــي قبــة الإســلام حـتى كأنمـا | هـدى النـاس مـن بعـد الضـلال رسول |
إذا جـار حكـم النـاس ألجـأ حكمـه | إلــى اللــه قـاض بالكتـاب عقـول |
خليــل أميــر المــؤمنين وســيفه | لكــــل إمـــام صـــاحب وخليـــل |
بــه نصــر اللــه الخليفـة منهـم | وثبــت ملكــاً كــاد عنــه يــزول |
فـأنت كسـيف اللـه فـي الأرض خالد | تصــول بعــون اللــه حيـن تصـول |
وجـــازيت أصـــحاب البلاد بلاءهــم | فمـــا منهــم عمــا تحــب نكــول |
وصــلت بمــران العــراق فأصـحبت | مناكبهـــا للـــوطء وهــي ذلــول |
أذقـت الحمـام ابني عباد فأصبحوا | بمنــزل موهــون الجنــاح ثكــول |
ومـــن قطــري نلــت ذاك وحــوله | كتـــائب مـــن رجالـــة وخيـــول |
إذا مـا أتـت باب ابن يوسف ناقتي | أتــت خيــر منــزول بــه ونزيـل |
ومـا خفـت شـيئاً غيـر ربـي وحـده | إذا مـا انتحيـت النفـس كيف أقول؟ |
تـرى الثقليـن الجـن والأنس أصبحا | علــى طاعــة الحجـاج حيـن يقـول |
فقال له الحجاج: أولى لك فقد نجوت! وفرض له، وأعطاه عطاءه، فقال يمدح سائر قبائل وائل، ويذكر دفعها عنه، ويفتخر بها:
صــرم الغـواني واسـتراح عـواذلي | وصـــحوت بعـــد صــبابة وتمايــل |
وذكــرت يــوم لــوى عـتيق نسـوة | يخطـــرن بيـــن أكلــة ومراحــل |
لعــب النعيــم بهــن فـي أظلالـه | حــتى لبســن زمــان عيــش غافـل |
وهذه الأبيات من قصيدة اشتملت على أغنية من أغاني العرب هي:
يأخــذن زينتهــن أحســن مـا تـرى | وإذا عطلــن فهــن غيــر عواطــل |
وإذا خبـــأن خـــدودهن أريننـــا | حـدق المهـا وأجـدن سـهم القاتـل |
ورميننــــي لا يســـتترن بجنـــة | إلا الصــبا وعلمــن أيـن مقـاتلي |
يلبســن أرديــة الشــباب لأهلهــا | ويـــرج بـــاطلهن حبــل الباطــل |
قال أبو الفرج: الغناء في هذه الأبيات الأربعة لابن سريج ثاني ثقيل بالوسطي من رواية يحيى المكي، وذكر الهشامي أنه من منحول يحيى المكي إلى ابن سريج.
ثم ساق بقية أبيات القصيدة وهي عدا الأبيات السابقة 30 بيتا منها:
حــدبت بنــو بكــر علــي وفيهــم | كــل المكــارم والعديــد الكامـل |
خطـــروا ورائي بالقنــا وتجمعــت | منهــم قبــائل أردفــوا بقبــائل |
ثم مضى يثني على قبيلة قبيلة من بكر، وأولهم لجيم ثم حنظلة ثعلبة، ثم يشكر، ثم بنو القدار ثم انعطف لمدح تغلب فخصها ب (15) بيتا من القصيدة.
ثم أورد أبو الفرج أغنية ثالثة من شعر العديل، خاطب بها رجلا من موالي الحجاج كان الحجاج قد كلفه بالقبض على العديل، فلما لم يجده أمر ببيته أن يهدم وحلي بناته أن تسلب وهي ستة أبيات أولها:
ســلبت بنــاتي حليهـن فلـم تـدع | سـواراً ولا طوقـاً على النحر مذهبا |
قال: غنى في الأول والرابع من هذه الأبيات أحمد النصيبي الهمذاني ثان ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق، وفيهما ثيل أول بالسبابة والوسطى، نسبه ابن المكي إلى عبد الرحيم الدفاف، ونسبه الهشامي إلى عبد الله ابن العباس.
ثم سرد أبو الفرج ما تبقى من أخبار العديل وفيها أن رهطه بنو العكابة من عجل ومنها أخباره مع قريبه أبي النجم العجلي، وقصصه مع مالك بن مسمع سيد ربيعة في عصره في أخبار كثيرة يطول ذكرها. ومنها الأبيات التي كانت سبب هروبه من الحجاج قال:
لما قدم الحجاج العراق قال العديل بن الفرخ:
دعـوا الجبـن يا أهل العراق فإنما | يهــان ويســبى كــل مـن لا يقاتـل |
لقــد جــرد الحجـاج للحـق سـيفه | ألا فاســتقيموا لا يميلــن مــائل |
وخـافوه حـتى القـوم بيـن ضـلوعهم | كنـزو القطـا ضـمت عليـه الحبائل |
وأصــبح كالبــازي يقلــب طرفــه | علــى مرقـب والطيـر منـه دواحـل |
قال: فقال الحجاج - وقد بلغته - لأصحابه: ما تقولون؟ قالوا: نقول: إنه مدحك،
فقال: كلا ولكنه حرض علي أهل العراق، وأمر بطلبه فهرب ...إلخ.
وجدير بالذكر أن الفيروزآبادي لم يذكر أبا الأخيل في مادة "خيل" واكتفى بقوله: (والأخيل طائِرٌ مَشؤُومٌ، أو هو الصُّرَدُ، أو هو الشِّقِرَّاقُ سُمِّيَ لاخْتِلافِ لَوْنِه بِالسَّوادِ والبَياضِ، ج: خِيلٌ، بالكَسْرِ، وبَنو الأَخْيَلِ: من بني عُقَيْلٍ رَهْطُ لَيْلَى. وتَخَيَّلَ الشيءُ له: تَشَبَّهَ. وأبو الأَخْيَلِ: خالِدُ بنُ عمرٍو السُّلَفِيُّ، وإسْحاقُ بنُ أخْيَلَ الحَلَبيُّ: مُحدِّثانِ.) ولم يستدرك الزبيدي بشيء ما يدل أنه لم يسمع بأبي الأخيل العجلي. بل أكثر من ذلك فإن الأمير ابن ماكولا (وهو عجلي) لم يذكر أبا الاخيل العجلي البتة في باب (أخْيَل وأجْيَل) وذكر العديل في باب "الغزيل والعديل" قال: (وأما العديل بالدال المهملة فهو العديل بن الفرخ العجلي) شاعر مشهور). ولما ترجم للمُعْبر العجلي قال: (ذكره العديل في شعره)
وهو عند ابن حمدون في التذكرة (الأخيل العجلي) وليس (أبو الأخيل) وسمى قبله "الأخيل بن مالك الكلابي" وتطرق مرة ثانية لذكر أبيات من الدالية فقال (وقال العديل بن فرخ) ولم يقطع الآمدي أنه مولى لعجل بل قال: (من يقال له أبو الأخيل والأخيل منهم: أبو الأخيل العجلي مولى لهم ويقال مولى لغيرهم. وقد ذكرت حاله في بني عجل وكان أعمى شاعراً وهو صاحب القصيدة التي أولها: ألا يا اسلمي ذات الدماليج والعقد ...إلخ) و"كتاب شعر بني عجل" الذي أحال إليه الآمدي كتاب ضائع، فلا نعرف ماذا قال فيه. ولكن وكما ترى هو لم يسمه (العديل بن فرخ)
وذكر البلاذري العديل بن فرخ ثلاث مرات في "أنساب الأشراف" ولم يكنه ابا الأخيل، ومما ذكره قصيدته لما هرب من الحجاج وأولها:
أخـــوّف بالحجــاج حــتى كأنمــا | يحــرك عظــم فــي الفـؤاد مهيـض |
وقصيدته في مدح شقيق بن ثور السدوسي لما استنقذ أبا الفضل حجار بن أبجر من يدي الشرطة وكانوا خمسمائة شرطي وفيها قوله:
ونجيـت حجـار بـن أبجـر بعـد مـا | بــدت للحرورييــن منــه مقـاتله |
وإن بنــي ثــورٍ إذا مـا لقيتهـم | لهـم زبرتـا مجـد العـراق وكاهله |
وقصيدته في مدح أبي غسان مالك بن مسمع الوائلي الجحدري (سيد ربيعة) لما خلع حمزة بن عبد الله بن الزبير من ولاية البصرة،
وفيها قوله:
بنــي مســمع لــولا الإلـه وأنتـم | بنـي مسـمعٍ لـم ينكر الناس منكرا |
وبيتا من قصيدة في مدح مالك أيضا لما تمكن من دحر خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد وإناخة ناقته على بساطه امام الناس قال:
أنيخـت علـى ظهـر البساط فلم تثر | علـى رغـم مـن أمسـى عـدواً لخالد |
وخالد هذا ممدوح الأخطل في قصيدته التي يقول فيها:
إلــى خالــد حــتى أنحـن بخالـدٍ | فنعـم الفـتى يرجـى ونعـم المؤمل |
وفي الشعراء من اسمه الأخيل وهو الأخيل بن عبيد بن الأعشم بن قيس بن حصن بن عبد الله بن عبد رضا بن عمرو بن غراب بن جذيمة بن معن بن أد بن معن بن عتود الطائي قال الآمدي: (الشاعر المشهور. ذكره ابن الكلبي في أنساب طيء ولم يذكر له شعراً ولا وجدت له في أشعار الطائيين ذكراً)
ومنهم الأخيل بن مالك الكلابي: لم يذكره الآمدي، وذكره ابن حمدون في تذكرته. قال بعدما أورد قطعة للشماخ في حلف اليمين قوله
يقولــون لــي احلـف ولسـت بحـالف | أخــادعهم عنهــا لكيمـا أنالهـا |
ففرجــت غــم المــوت عنـي بحلفـة | كمـا شـقت الشـقراء عنهـا جلالهـا |
ومثل ذلك قول الآخر، وهو الأخيل بن مالك الكلابي: من الطويل
تمنعـت لمـا قيـل لي احلف هنيهة | لتحلـو فـي النوكى الخساس يميني |
فلمـا رأوا منـي التمنـع خيلـوا | صــعوبتها عنــدي كقطــع وتينــي |
ولـم يعلمـوا أنـي قـديماً أعـدها | لفــك خنــاقي مــن وثـاق ديـوني |
ثم قال بعدما اورد قطعة أخرى له نقلا عن البحتري:
وحلف الأخيل العجلي بالطلاق والعتاق أن لا يهرب فهرب وقال:
إذا أحلفــوني بــالطلاق منحتهــم | يمينــاً كســحق الأتحمــي المخـرق |
وإن أحلفــوني بالعتــاق فقـد درى | ســحيم غلامــي أنــه غيــر معتــق |
وإن أحلفـــوني بــالطلاق رددتهــا | كأحســن مـا كـانت إذا لـم تطلـق |
وممن ذكرهم الآمدي من الشعراء ممن كنيته أبو الأخيل: أبو الأخيل الخزاعي قال: وهو عبيدة بن هريرة لم يرفع نسبه وهو القائل:
أيــا نــدم لمــا أطعــن بكـاهن | أمــور الغــواة وانقلبـت بأسـهم |
ولــم أدر أن الغــي يكــره عنـده | قــديماً وأن الرشـد بعـد التفهـم |
وأول من لقب بالأخيل من العرب عبادة بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة جد ليلى الأخيلية.
في "طبقات فحول الشعراء" لابن سلام (حدثني أبو الغراف، عن الأخيل ابن أبي الأخيل قال، حدثني أدهم التميمي قال: لقيني كثير عزة فقال ...إلخ)
وفي شرح الحماسة للمرزوقي: (ويقال للشاهين الاخيل)
وفيما يلي ما حكاه الزركلي في ترجمة العُدَيل قال:
العديل بن الفرخ
(000 - نحو 100 هـ = 000 - نحو 718 م)
العُدَيل بن الفرْخ العجلي، من رهط أبي مالنجم، ويلقب بالعباب: شاعر فحل. اشتهر في ما لعصر المرواني. وهجا الحجاج بن يوسف، وهرب منه إلى بلاد الروم، فبعث الحجاج إلى قيصر: لترسلن به أو لأجهزن إليك خيلا يكون أولها عندك وآخرها عندي، فبعث به إليه، فأنشده شعرا في مدحه يقول فيه:
بنــى قبــة الإســلام حـتى كأنمـا | عـدى النـاس مـن بعـد الضـلال رسول |
فعفا عنه وأطلقه (ورجع الزركلي في ترجمته إلى: خزانة البغدادي 2: 367 - 368 والتبريزي 2: 126 ورغبة الآمل 5: 14)