أدموعُ النساء والأَطفالِ

هذه قصيدة في وصف زلزال مدينة نابلس عام 1927م وهي مسقط راس المرحوم إبراهيم طوقان صاحب النشيد الخالد (موطني موطني) وهو أجل أناشيد العرب على الإطلاق، وأعرضها شهرة، وأطولها دويا، وأعمقها أثرا في الوجدان.

وقع هذا الزلزال في الساعة الثالثة من بعد ظهر الحادي عشر من تموز 1927 ،ضرب أرض فلسطين وشرق الأردن وفي مقال منشور على الشبكة وصف مطول لهذا الزلزال بقلم الأستاذ د. وائل أبو صالح بعنوان "زلزال سنة 1927 وأثره على مدينة نابلس"  . وأشار في مقدمته إلى اختلاف الجهات الرسمية والأهالي في تقدير عدد ضحايا الزلزال من 50 إلى 303 قتلى و350 جريحا و25 تحت الردم

واختار الكاتب قطعة من قصيدة إبراهيم طوقان هذه نوه  بالمساعدات التي تسلمها رئيس بلدية نابلس سليمان طوقان، من داخل فلسطين وخارجها وهي:

الأبيات 45
أدمـــوعُ النســاء والأَطفــالِ تجـرح القلـب أم دموع الرجالِ
بلــدٌ كــان آمنــاً مطمئنــاً فرمــاه القضــاء بــالزلزالِ
هـــزَّةٌ إثـــر هــزَّةٍ تركتــه طللاً دارســـــاً مــــن الأَطلال
مــادت الأَرضُ ثـم شـَبَّتْ وألقـت مـا علـى ظهرهـا مـن الأَثقـالِ
فتهــاوتْ ذات اليميــن ديـار لفظــت أهلهــا وذات الشـمالِ
بعجــاجٍ تُـثيره تَـرَكَ الـدنيا ظلامــاً وشمســها فـي الـزوالِ
فـإذا الـدور وهـي إمَّـا قبورٌ تحتهــا أهلُهــا وإمـا خـوال
وأرقُّ النسـيم لـو مـرَّ بالقـا ئم منهــا لــدكَّه فهــو بـالِ
لا تقـف سـائلاً بنـابلس الثكلى فمــا عنــدها مجيــبُ ســؤالِ
أرأيــت الطيـور تنفـر ذعـراً مـن خفـافٍ عـن سـرحها وثقـال
هكـذا نُفِّـرتْ عـن الـدور أهـلٌ عمروهــا إلـى كهـوف الجبـالِ
أرســومٌ وكــن قبــل صــروحاً كـلُّ صـرحٍ عـاتٍ على الدهر عال
فالتحفنـا السـماء بعـد ستورٍ وشــــفوفٍ مُذالـــةٍ وحجـــال
وليـالي الأَعـراس يا لهف قلبي عطلتْهــا تقلُّبــاتُ الليــالي
أضحك الدهر يا ابن ودي وأبكى يـوم لـم يخطـر الأَسـى في بالِ
رب وادٍ كـــأنّه النَّهَـــرُ الأَخ ضـر يختـال فـي بـرودِ الجمال
خطـــرات النســيم ذاتُ اعتلالٍ فيــه الـدّوح مـائس باختيـال
غَشـــِيَتْهُ الطيــور مختلفــات رائعــات الأَلــوان والأشــكال
صــادحات علـى أرائك فـي الأَيْ ك يَصـــِلْنَ الغـــدوَّ بالآصــالِ
نغمــات أرســلنَها ذات تسـجي ع وكـرِّ فـي اللحـن واسترسـال
يـا طيـور الوادي غليل فؤادي كـان يشـفيه بـردُ تلـكَ الظلال
يـا طيـور الوادي رزايا بلادي مَزَجَــتْ لـي الغنـاء بـالأعوال
كــان واديـك اللسـرور مـآلاً فغــدا بــالثبور شــرَّ مــآل
كـان عيبال من صدى الأُنس يهتز زُ فمــاذا ســمعت فـي عيبـال
كـان جرزيـم منزهـاً والغواني فـــي ظلال منـــه ومــاءٍ زلالِ
أدمــــوع عيـــونه أَصـــباه زفـــرات الأَرمــال والأَثكــال
يـا يـد الموت ما عهدت أُلوفاً منــك هوجــاً تمتـد للاغتيـالِ
طغـت الحـرب خمسـةً مـا دهتنا كثــوانٍ مَــرَّتْ بغيــر قتــال
ووجــوه المنـون شـتى فبـانت كلُّهــا عنــد هــذه الأَهــوال
مـــن وحيـــد لأُمِّــه وأبيــه جمعــــوه مفـــرَّقَ الأَوصـــال
ومكـــبّ علــى بنيــه بــوجهٍ خلـط الـدمع بـالثرى المنهال
وفتــاةٍ لاذتْ بحقــويْ أبيهــا جزعــاً وهــو ضـارع بابتهـال
وحريـضٍ رأى ابنـه يسـلم الرو ح قريبـاً منـه بيعـدَ المنـال
ومريــضٍ وعُــوَّدٍ صــرخ المــو ت وكــانوا يــدعون بــالابلال
خُسـِفَ الـبيتُ بـالمريض ومَنْ عا د وبالمحْصــــنات والأَطفـــال
قـد رأينـا فـي لحظـةٍ وسمعنا كيــف تلهـو المنـون بالآجـال
ههنــا نســوة جيــاع بلا مـأ وى ســترن الجســوم بالأَسـمال
ههنــا أســرة تهـاجر والغـم م بـديل الأَثـاث فـوق الرحـالِ
ههنــا مبتلــىً بفقــد ذويـه ههنــا معــدم كـثير العيـال
ملأ الحــزنُ كــلَّ قلــبٍ وأودتْ ريــح يــأسٍ بنضــرة الآمــال
دخلاءَ البلاد إنَّ فلســــــــطي ن لأَرضٌ كنوزهـــا مــن نكــال
تِبْرُهــا صـفرةُ الـرَّدى فخـذوه عـن بنيهـا وآذنـوا بارتحـالِ
ربِّ لطفــاً فقـد أتانـا نـذيرٌ بوبـاءِ مـن بعـد هـذا الوبال
وجــــراد وكـــل آتٍ قريـــب أوَ بعــد الإمحـال مـن إمحـال
ربِّ إن الكــروب تـترى علينـا حســبنا كــرب هجــرة واحتلال
إبراهيم طوقان
131 قصيدة
1 ديوان

إبراهيم بن عبد الفتاح طوقان.

شاعر غزل، من أهل نابلس (بفلسطين) قال فيه أحد كتابها: (عذب النغمات، ساحر الرنات، تقسم بين هوى دفين ووطن حزين) تعلم في الجامعة الأمريكية ببيروت، وبرع في الأدبين العربي والإنكليزي، وتولى قسم المحاضرات في محطة الإذاعة بفلسطين نحو خمس سنين، وانتقل إلى بغداد مدرساً ، وكان يعاني مرضاً في العظام ، فأنهكه السفر فمات شاباً.

وكان وديعاً مرحاً.

له (ديوان شعر).

1941م-
1360هـ-