أتدري الريحُ من ملكتْ زمامهْ
الأبيات 61
أتـدري الريـحُ من ملكتْ زمامهْ تشــقُّ الغـربَ أو تطـوي ظلامـهْ
هَفَـتْ للشـرق فـاختلجتْ جناحـاً بــهِ واسـتقبلت لثمـاً غمـامهْ
وقيــلَ دنــا وحـوَّم فاشـرأبّتْ ضـفافُ النيـل تسـتهدي حِيـامَهْ
وعـانقه الصـباحُ علـى رُباهـا غضـيضَ الطَّـرفِ لـم ينفضْ منامهْ
يضــيء بــورده الأزلـيِّ أُفقـاً تُظلِّلــهُ الرعايــةُ والســلامهْ
وواكبَــهُ علــى ســيناءَ بـرقٌ بعيـنِ الملهميـن رنـا فشـامهْ
تمثَّـــلَ إذْ تـــألّقَ ذكريــاتٍ وأمجـــاداً مشـــهّرةً مُســامهْ
لمحــتربٍ مِــنَ الأبطــال فـادٍ يخـاف الـدهرُ أن يَلقـى عُرامهْ
حـــواريٌّ علــى كفّيــهِ قلــبٌ أَبـى غيـرَ الشـهامة والكرامهْ
نحيـفٌ مِـن شـُراةِ الخلـد يحمِي تـراثَ الشـرق أو يرْعـى ذمامهْ
كســَتهُ خُشــنةً غِيـرُ الليـالي وســلَّتْ عزمــه وجلــتْ حُسـامهْ
أَشــدّ علــى قواضـبها مراسـاً وأَنفــذ مِـن مضـاربها هُمـامهْ
أَقـام علـى الفلاة طريـدَ ظلـمٍ وذِيـدَ فمـا أطـاق بهـا مقامهْ
وبـايعَ فـي شـبيبته المنايـا فعــادت منــه وادَّرأتْ حمـامهْ
أحلُّـــوا قتلـــه وتطلّبـــوهُ دمــاً حــراً وروحـاً مسـتهامهْ
تُنَسـِّي الحـربُ كـلَّ فـتىً هـواه ولا يَنسـَى الكمـيُّ بهـا غرامـهْ
زئيــرُ الليـثِ يطـربُ مسـمَعيهِ وتُشــجيهِ بِرَنَّتِهــا الحمــامهْ
ووثـبُ الخيـل أفـراسُ الأمـاني إِلــى خَطَــرٍ تعشــَّقه ورامــهْ
يَصـُفُّ الـبيض والسـُّمر العوالي ويرقـبُ مِـن فم الصُّبح ابتسامهْ
ويفــرُك راحـتيهِ دمـاً ونـاراً يُغَنِّــي حُبَّــهُ ويُــديرُ جــامهْ
كذاك رأى الحياة فما احتواها ولا عــرفَ الملالــة والســآمهْ
مفــازعُ للــرَّدى إن لاح فَــرّتْ وراءَ خطــاهُ وارتــدّتْ أمـامهْ
أخـا الهيجـاءِ كيفَ شهِدْتَ حَرْباً يُــذكّرُ هولُهـا يـومَ القيـامهْ
وكيـف رأيـتَ بعـد الحرب سِلْماً تملأُ بالضــــغينةِ واللآمــــهْ
وقــالوا عــالَمٌ قــد جَمّلـوهْ فلـم يَعْـدُ الشـناعةَ والدمامهْ
تنــاثرتِ الممالـكُ فيـهِ حـتى لتعجـزَ أن تُـبينَ لهـا حطـامهْ
متاهــاتٌ تضـلُّ بهـا الليـالي ولا يــدري بهــا فَلَـكٌ نظـامهْ
فلســطينُ الشـهيدةُ فـي دجـاه مَفزّعــةُ الخــواطِرِ مستضــامهْ
أَقــام المسـتبدُّ علـى حماهـا فعــاث بهـا وأفردهـا طغـامهْ
وجـــاء بـــآبقٍ لَفظَتْــهُ دارٌ وأفَّـــاقٍ يُحمِّلُهـــا أثـــامهْ
أبــاح لـه علـى كيْـدٍ جناهـا وشــاطره علــى خُبــثٍ مـدامهْ
وعلّمــهُ الرمايــةَ واجتبــاه فســدّد فــي مقــاتله سـهامهْ
نــديمُ الأمــس ســَقَّاهُ بكــأسٍ أحــسَّ لهيبهــا ورأى ضــرامهْ
رمـى الشـيطانُ عـن فخَّارتيهـا وعــضَّ علــى نواجــذه نـدامهْ
ألا لا يمــرح البــاغون فيهـا فلـن ينسـَى لها الحقُّ انتقامهْ
مُحــالٌ أن تَطيــبَ لهـم حيـاةٌ عليهـا أو تـدوم لهـم إِقـامهْ
عروبتُهـا علـى الأدهـار أبقـى وأثبــتُ مـن رواسـخها دِعـامهْ
أتهـدأ وهـي في الغمرات تأسو جريحــاً أو تشــدُّ لـه ضـِمامهْ
ومفتيهــا الأميــنُ ومفتـديها وراءَ تخومهــا يشــكو هيـامهْ
فـتى أحرارهـا مـا عـابَ عنها ولا منـع الخيـالَ بهـا لِمـامهْ
كـأمسِ كعهـدها لـم يغْـفُ عيناً بليـــلٍ أَقســـمتْ ألَّاَ تنــامهْ
يؤلّفُهــا علــى الأحـداث صـفاً جسـورَ النفـس جبّـار العُرامـهْ
جهـادٌ فـي العروبـة واحتشـادٌ لـه التاريـخ قـد أَلقى زمامهْ
أَخـا الصَّبَواتِ هل شَفَتِ الليالي جــراحَ القلـب أو روَّتْ أُوامـهْ
حَللــتَ بسـوريا بعـد اغـتراب وقــد كـاد الجلاءُ يُتِـمُّ عـامهْ
فقلـتُ تحيّـةُ الزمـن المعـادِي لمقتتــلٍ أطــال بــهِ صـدامهْ
وأشــرقتِ الكتـائبُ عـن لـواءٍ يَـدُ الشـهداءِ لـم تتركْ عِصامهْ
لأصـهبَ مـن أُسـودِ الحـرب يمشي بأصـهَبَ تُمسـِكُ الـدنيا لجـامهْ
حــواكَ جلالــة فحنيــت رأسـاً ولــم تخفِــضْ لجبّـارين هـامهْ
طريـقُ المجـد كـم أَثـرٍ عليـه لأهــوالٍ لقِيــتَ وكــم علامــهْ
وكــم جبــل هبطـتَ بـرأس وادٍ يعــزُّ الجـنَّ أن ترقَـى سـنامهْ
حميــتَ الغاصـبين خُطـىً إليـه فصــان عراقــه وحمــى شـآمهْ
بجيــش مـن بَنـي عـدنان فـادٍ تـرَى نسـراً بـهِ وتـرى أُسـامهْ
يروعــكَ خالــدٌ فيــهِ وتلقـى عُبَيْــدَةَ وهـو فـي سـيفٍ ولامـهْ
كــأن الفـاتحين مِـن الأوالـي علـى أسـيافهم رفعـوا خيـامهْ
حُمـاة الشرق كم في الغرب باغٍ عليــهِ أذاقــه بطشـاً وسـامهْ
وكــم أيْــدٍ عليــه مُجــرّداتٍ مخـالبَ كاسـرٍ يبغـي التهـامهْ
ذئاب حـــول جنَّتِـــهِ تعــاوَى كــأن بهـا إِلـى دمـه نهـامهْ
فهـــزُّوه صـــوارمَ مشـــرعاتٍ تشــقُّ بكــلِّ مُعْــتركٍ زحــامهْ
هــو السـيفُ الأصـمُّ إذا تغنَّـى صــغا متجبّــرٌ ووعَــى كلامــهْ
أَعِــدوا حــده لصــراع دهــر صـريعُ الـوهم مـن يرجـو سلامهْ
علي محمود طه
155 قصيدة
1 ديوان

علي محمود طه المهندس.

شاعر مصري كثير النظم، ولد بالمنصورة، وتخرج بمدرسة الهندسة التطبيقية، وخدم في الأعمال الحكومية إلى أن كان وكيلاً لدار الكتب المصرية وتوفي بالقاهرة ودفن بالمنصورة.

له دواوين شعرية، طبع منها (الملّاح التائه)، (وليالي الملاح التائه) و(أرواح شاردة) و(أرواح وأشباه) و(زهر وخمر) و(شرق وغرب) و(الشوق المائد) و(أغنية الرياح الأربع) وهو صاحب (الجندول) أغنية كانت من أسباب شهرته.

1949م-
1369هـ-