وقفت على (تمقاد) وقفة جائل

القصيدة في الديوان بعنوان

"وقفة على تمقاد"

وتيمقاد (القاف تنطق جيما مصرية)، خرائب مدينة رومانية عظيمة، لا تزال حتى الآن محتفظة بتصميمها الأولي، وقد شيدها الإمبراطور الروماني تراجان حوالي السنة المائة للميلاد، إلا أن بحثي عنها في كتب الوراق لم يأت بنتيجةـ أما في موقع المسالك فعثرت على ذكر لها مرة واحدة جاء فيه (إن التخطيط الأصلى المبكر لمدينة القاهرة يوضح تأثر جوهر القائد وسيده المعز بما شاهداه في شمال أفريقيا من التخطيط الروماني للمدن، فانما هناك تشابها بين مدينة تيمقاد)

الأبيات 39
وقفـت علـى (تمقاد) وقفة جائل وطفـت بهـا مسترشـدا بالـدلائل
أردد فــي آثارهـا طـرف عـبرة لعلــي منهـا أن أعـود بطـائل
وأسـألها مسـتفهما عـن عهودها وأنـى لهـا أن تسـتجيب لسـائل
عجبــت لهـا مـن بلـدة أثريـة خلـت منـذ أجيـال طـوال دوائل
لقـد عمـرت من قبل عيسى وبعده بحــزبين: كفــار بــه قـوائل
صــحائفها منقوشــة بلســانها علـى مـن يرى معروضة كالرسائل
فكـم مـن تواريـخ ومن حكم ومن بيــان تقاليــد بهـا وفعـائل
تماثيلهـا تبـدي لنـا كل بادن قـويم مـن الأجسام جعد الخصائل
تـدل علـى عيـش بهـا طال حقبة ولكنــه ولــى كــأحلام قـائل
طرائقهـا بالصـخر رصـت ودورها فمـا انقـض منها غير دور قلائل
مبـان كأمثـال الجبـال شـماخة تـروع النهى بالذكريات الجلائل
فمســرحها ذكـرى لإبـداع فنهـا وسـاحتها ذكـرى لعـرض المسائل
معهــدها ذكــرى لبـث علومهـا وديوانهـا ذكـرى لصون الفضائل
وكـم مسـتحمات وكـم بـرك بهـا وأقبيــة معقــودة كالخمــائل
وكـم مـن كراسـي بهـا مرمريـة ممهــدة كــانت مــراح الخلائل
ومسـتودعات أقفـرت مـن عروضها وباعتهـا والمشـترين العوائل
وكـم من سوار ينطح الجو هامها تنـم علـى فـن مـن النحت هائل
ومـن فيفسـاء بالتصـاوير جملت بمـا لـم يمثلـه الخيال لخائل
فمتحفهــا يحــوي زخـارف جمـة إلى اليوم باق لونها غير حائل
وآلاتهــا معروضــة فـي خـزائن زجاجيــة للقــافلات الجــوائل
فأين بنو الرومان في عز ملكهم وتمقـادهم فـي عهدها المتفائل
لقـد أخليت من ساكنيها وأحرقت قـديما وهـدت باتفـاق القبائل
برابـر كـانت تحـت نيـر مذلـة مسـخرة للسـعي مـن غيـر نـائل
يجرعهــا الرومــان كـل مجـرع مريـر بهـا مفض إلى الموت آيل
فضــجت أخيــرا منهـم وتـبرمت بحكـم لهـم عـات عن الحق مائل
وثـارت بإجمـاع عليهـم ووحـدة فـأجلتهم عنهـا بكـل الوسـائل
ولم يغنهم (جوبتير) رب ربوبهم ولكـن هـوى من عرشه غير شائل
ولـم تغنهم (لمبيس) وهي معسكر عظيـم لهـم آوى مئات الفصـائل
أقـام بهـا سـبعون الـف مدجـج مـن الجنـد لا يخشون صولة صائل
ولكـن أسـاؤوا للرعايا ونكبوا بها واستباحوا فعل كل الرذائل
فصـب عليهـم ربنـا سـوط بأسـه وعــاقبهم عمــا جنـوه بغـائل
لقـد نصبوا شتى الحبائل للورى فـأوقعهم فـي مثل تلك الحبائل
فمـن مبلـغ الرومان أن عبيدهم غـدوا سـادة غرا كرام الشمائل
رعـت دولة الإسلام بالعدل أرضهم فصـار ابن مازيغ أخا لابن وائل
وجــدت مجــالا لادكــار وعـبرة فجلـت بـرأي صـائب غيـر فائل
ورددت فـي سـري (فتلك بيوتهم) وحســبي بـه قـولا لأصـدق قـائل
فهـل ترعـوى عن ظلمها وفسادها أواخـر لـم تجهـل مآل الأوائل
لقـد جـر شـرا للبرايا جميعها تنافسـها فـي ملكهـا المتضائل
ولا ملـك إلا ملـك مـن دام حكمه إذا زالـت الـدنيا فليس بزائل
محمد العيد آل خليفة
44 قصيدة
1 ديوان
محمد العيد بن محمد علي بن خليفة من أشهر الشعراء الجزائريين الذين واكبوا الثورة التحررية والاستقلال، ويعد شعره مرآة لتلك الفترة من تاريخ الجزائر الحديث. لقبه الشيخ عبد الحميد بن باديس بأمير شعراء الجزائر، يقول الشيخ محمد البشير الإبراهيمي: (رافق شعره النهضة الجزائرية في جميع مراحلها، وله في كل ناحية من نواحيها، وفي كل طور من أطوارها، وفي كل أثر من آثارها- القصائد الغر، والمقاطع الخالدة، فشعره- لو جمع- سجل صادق لهذه النهضة، وعرض رائع لأطوارها.)

ولد بعين البيضاء بولاية أم البواقي وسط عائلة محافظة متصوفة تنتمي إلى الطريقة التجانية تنحدر من بلدة كوينين من ولاية واد سوف. حفظ القرآن وبدأ تلقي علوم الدين على شيوخ بسكرة، ثم بجامع الزيتونة، وبعد ذلك على علماء الجزائر. درّس في عدة مدارس بمختلف ولايات الجزائر وتولى إدارتها خلال الحقبة الاستعمارية، كما أسهم في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة 1931، ونشر شعره في جريدة البصائر لسان حال الجمعية وفي العديد من الجرائد الوطنية كجريدة الشهاب وصدى الصحراء ، وكان عضوا مراسلا في مجمع اللغة العربية بدمشق. 

احتك بأعمدة الحركة الوطنية الإصلاحية مثل العلامة عبد الحميد بن باديس والشيخ محمد البشير الإبراهيمي والشيخ محمد العقبي وكان لذلك أثر كبير على إنتاجه الشعري.

اعتقلته السلطات الفرنسية بعد اندلاع الثورة الكبرى بسبب شعره الإصلاحي الدعوي ومواقفه الوطنية، ثم وضع تحت الإقامة الجبرية ببسكرة إلى غاية الاستقلال.

بعد الاستقلال تفرغ الشاعر للعبادة وآثر الخلوة إلى أن وافته المنية بمستشفى باتنة سنة 1979م.

جمع ديوانه أول مرة تلميذه أحمد بوعدو سنة 1952 وعلق على قصائده الشيخ محمد البشير الإبراهيمي وتمت طباعته ويحوي 6797 بيتا، تحت إشراف نجله أحمد طالب الإبراهيمي سنة 1967.

وتمت طباعة تكملة للديوان سنة 2003 لمحمد بن سمينة تحت عنوان العيديات المجهولة

بالتصرف عن محمد العيد آل خليفة: دراسة تحليلية لحياته، تأليف أ/محمد ابن سمينة /ديوان المطبوعات الجامعية، ابن عكنون –الجزائر

 

1979م-
1399هـ-

قصائد أخرى لمحمد العيد آل خليفة

محمد العيد آل خليفة
محمد العيد آل خليفة

يقول الشاعر في إهداء الديوان:

محمد العيد آل خليفة
محمد العيد آل خليفة

وفي خاتمة الديوان يشير إلى الفضل الذي يعود للأستاذ أحمد طالب الإبراهيمي نجل الشيخ البشير الإبراهيمي في طباعة الديوان، وكان حينها وزيرا للإعلام والثقافة، يقول:

محمد العيد آل خليفة
محمد العيد آل خليفة

القصيدة في الديوان بعناون (أسطر الكون) ويفهم من البيت الرابع أنه كتبها وهو في العشرين من عمره