أبي! هل تـرى في لوعـة عبراتـي؟

أبي 

(في طريقه الى اداء فريضة الحج بعد زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة توفي والد الشاعر الاستاذ محمد علي لقمان المحامي صاحب صحيفة فتاة الجزيرة اليومية و "ايدن كرونيكل" الاسبوعية في 24 مارس 1966 وقد صلى عليه الحجاج في الكعبة وشيع نعشه عشرات الالوف الى مرقده الاخير في "مقبرة سيدتنا خديجة" رضى الله عنها.)
الأبيات 59
أبي! هـل تــرى فـي لوعـة عبراتـي؟ لقــد كنــت تــأبى علّـتي وشـكاتي!
تكفكــف دمعــي، فـي حنــان ورقّــة وتحـــرس ايـــامي مـــن الحســرات
وترحــم بؤســي، فـي مصـاب وفاجــع فمــن راحمــي فـي أحلـك الظلمـات؟
ولــم أر كالآبــاء فـي الناس رحمـة ولا مثلهـــم حـــدبا وطــول أنــاة
وتكثـــر حســـّادي بأنــك لـــي أب وتعفــو، فــأعفو عــن ضـلال عـداتي
وأجــدر خلـق اللـه بالصفــح، حسـّد لمــا وهــب الرحمــن مــن بركــات
وتسـعى الـى الخيــر العميـم وانـّه ســبيل ضــنى مــن غاشــمين عتــاة
وتدعـو الـى الحقّ القويـم، وحربـه غبــــاء طغــــاة، أو بلاء بغـــاة
وتهتــف بالديــن الحنيــف مجلجـلا ومــا فيــه مــن فضـل ومـن حسـنات
وتـأبى حيـاة الدجـل والقـوم هجَّــع ايعـــتزُّ قـــوم فــي دوام ســبات؟
تعـاف خضـوع النـاس للظلـم والخنـا فتنصــــرهم مـــن ذلَّـــة وشـــتات
تهــز عـروش الجـور والسـيف مصلــت بإيمـــان حـــرّ ثـــائر الــدعوات
وتبنـي عقـولا فـي الشعــوب معلّـمـا ولــولاك تــاه القـوم فـي الفلـوات
وتسـتقبل الاحــرار مــن كــل امــة ابــا مؤمنــاً فــي جــرأة وثبــات
رأوا فيكـ، والـدنيا نفـوس تضعضـعت فــتى عطفــه الغــالي أحــبّ نجـاة
فلاذوا بظــــل وارفـ، فـي مديــده، امـــانُ غريـــبٍ أمــن مغتربــات
ديـــارك أهــل للكريــم مشــــرّدا ودنيـــا لاحـــرار ســـعوا وأبــاة
لقـد كنــت تبكــي كـل خــلّ فقدتـه قـم انظـر! فأهـل الأرض رهـط بكـاة!
نعــاك إلــيّ البـرق فانهـلّ مدمعـي ومــا مــدمعي بالسـهل فـي الازمـات
بكيــت الــذي يبكيــه علـم وحكمـة وحرِّيـــــة محمــــودة الحركــــات
وتندبــه الاخــلاق فــي كــل مجمـع نصـــير مســـاكين وكهـــف عفـــاة
واستــاذ اجيـــال الــى كـل سـؤدد احـــاديثه مـــن غاليـــات عظــات
ومصــباح شعــب فــي ظــلام ومحنــة وصـــــوت بلاد جمّــــة العــــبرات
ففـي "اليمن الميمون" مـن صوته صدى وفــي بلــد "الصـومال" رجـع حيـاة
وفــي "القـدس" من انفاسـه وبيانـه صـــرير جهـــاد صـــادق العزمــات
وفـــي كـــل دار للعروبــة صيحــة دوت مـــن يــراع خالــد النفثــات
يهيــب بهــا الاحــرار ان يتقدمـوا الـــى عـــزّة مقصـــودة العرصــات
لـه غــرر الامثــال فــي كـل معضـل مــن الحكــم الغـرّاء فـي الصـفحات
اعـاد الــى الفصحــى جلال مجالهــا واحيـــا هنــا مغمــورة الصــدفات
يسهـــده شعـــب يئـــنّ توجّعـــــا بغيـــر ظهيــر تحــت رحمــة عــات
ويحزنــه مـن يحمــل القيـد مرسفـا رعايـــا، صــحايا فــاجرين رعــاة
ايرضـى ابـو الاحـرار حكمـا مسلّطــا علـــى أمـــة فــي فرقــة وفــوات
ايرضـى ابـو الدستور ان يحكم الورى بغيــر كتــاب اللهــ، شــرع عصـاة
وفــي يـــده مستشهـــد، لا يـــردّه عـن اللـه فـي الهيجـاء ضـرب قسـاة
اشــد علـى الكفــار من كـل صارم، اذا شــدّ فــي حربــ، وكــل قنــاة
منابـــر فــي طــول البلاد وعرضـها تنـــوح عليـــه عنـــد كــل صــلاة
فكـم صـاح منهـا هاديـا غيـر خائـف تــــألب اعـــداء ومكـــر جفـــاة
ينـادي الـى العلياء من كـل منبــر ويســــــتنهض الارواح منطويـــــات
ويســتلّ سـمّ الصـلّ مـن نــاب غاصـب ويحمــي حمــى شــعب بغيــر حمــاة
ويخطـو علـى الافعـى الكميـن ويحتمي امينــا بــربّ الـبيت فـي الخطـوات
يصـــول بفكـــر عبقـــريٍّ فتنجلــي غيــــاهب تطـــوي الأرض محتلكـــات
عرائــــس مـــن اسلوبــه وبديعــه حواســــدها مـــن خـــرّد وبنـــات
اذا مـا فتــى هـــزَّت معـانيه شرّدا ســـمعت صــداها عنــد كــل فتــاة
يسيــّر فـي الآفـــاق صـحفا اريجـة معطّـــــرة الانفــــاس مســــتعرات
ســلامٍ علـى الاسلام، نارٍ على العـدا منزّهـــــة عـــــن فتنــــة واذاة
اميـر الصحافييــن فــي كـل منـزل وشــيخ الحقــوقيين فــي النزعــات
وليــث قتــال، دون حـــق يغولــه عـــدوّ اخـــو حمقـــ، وربّ حصـــاة
فيـا رب! مـن نـاديت، استــاذ امّـة ويــا رب! مــن لبــاك، صـوت حيـاة
بقيـــّة جيلـ، مـن بهـاليــل ذادة، بنـــاة، كرامــ، صــالحين، هــداة
سـعوا بكتـاب الله، والكون قاتـم، فكــان كتــاب اللــه نــور ســعاة
بفضـلك نـادى المسـلمين الـى العلى نـــداء دعـــاة، قــانيتن، تقــاة
أبي! الجـم الخطـب العظيـم قصـائدي وان كنـت تـدري فـي الـورى هتفاتي!
ففـي "يـثرب" احرمـت معتصـماً بهــا وفيهــا رســول اللـه فـي الجنبـات
تطــوف وتبكــي فــي خشــوع ولذــّة فــــوالهفي! للأعيـــن الشـــرقات!
وتشتــاق وجــه اللـه شــوق متيــّم الـــى "مكــة"، قدســيّة النفحــات
تجلـى لـك المولى العزيز، ومن يفز بهـ، ينـج فـي الـدنيا مـن العثرات
فـاقبلت فــي البيـت الطهور ملبيا شـــريف المحيـــا نيّــر القســمات
فنــم فـي هنــاء، في جوار "خديجة" ونــم فــي رحـاب الباسـط النضـرات
حننــت الـى البيـت العتيق، تبتـّلا، الا‍! فــاطمئنّ اليـوم فـي عرفـات !
علي محمد لقمان
10 قصيدة
1 ديوان
ولد علي محمد لقمان في عدن يوم 6 أغسطس 1918و توفي في أمريكا يوم 24 ديسمبر 1979 ونقل جثمانه الى صنعاء حيث دفن في مقبرة خزيمة في يناير 1980.

•درس في عدن وحصل في نهاية المرحلة الثانوية على شهادة كامبردج ثم واصل الدراسة في جامعة اليجره الاسلامية في الهند ثم في الجامعة الامريكية في القاهرة حيث حصل عام 1947 على بكالوريوس آداب (قسم الصحافة) بدرجة الشرف.

•عمل مديراً لصحيفة والده رجل النهضة في عدن المحامي محمد علي لقمان المسماة "فتاة الجزيرة" في عدن، وهي أول صحيفة عربية أسبوعية مستقلة في جنوب الجزيرة تأسست عام 1940 حتى تحولها الى صحيفة يومية واستقال من ادارتها في يوليو 1962. وأصدر صحيفته الاسبوعية "القلم العدني" عام 1953 واستمر يرأس تحريرها إلى أن حولها الى صحيفة يومية باسم "الاخبار" عام 1963.

•نشر 8 دواوين شعرية (أولها الوتر المغمور) وديواناً واحداً بلهجة عدن العامية (يا هوه الوراد) و خمس مسرحيات شعرية (أولها بجماليون) ورسالة سياسية عن الحكم الذاتي. كما نشر كتيباً باللغة الانكليزية  بعنوان "فتاة الجزيرة" وكتيباً يحوي ترجمات من الشعر الانجليزي نشره مكتب النشر البريطاني بعدن أثناء سنوات الحرب. وهو خال الشاعر د. شهاب غانم ووالد زوجته وقد نشر شهاب غانم أول كتاب عن حياة علي لقمان مع مختارات من شعره. وقد نشرت أعمال علي لقمان الشعرية السابقة بعد وفاته (مع إضافة ديوان عاشر هو "يا ليل في عصيفرة" كان مخطوطا لدى شهاب غانم) في مجلد واحد وأعماله المسرحية في مجلد آخر. 

•لعب دوراً رئيسياً في السياسة في عدن وكان الأمين العام للجمعية العدنية وخاض الانتخابات في عدن وفاز فيها، وكان في قيادة المعارضة في المجلس التشريعي.

•نزح عن عدن التي سماها في إحدى قصائده "المدينة الفاضلة" إلى تعز في الشطر الشمالي من اليمن في مطلع السبعينيات من القرن الماضي فرارا من النظام الشمولي. 

 

1980م-
1401هـ-

قصائد أخرى لعلي محمد لقمان