الأبيات 29
أرى زمنـاً قـد جاء يقتنص المها بلا جــارح والأسـد فـي فلواتهـا
رأى القيـض مبيضا بمزبلة الحمى فقـال كفـاني إنـه مـن صـفاتها
أنــي أهلــه يهـوى وبشـر أنـه بربقــة مـن ظبيانهـا ومهاتهـا
فـألقى قشـوراً باليـات وقد رمى بـدائه أربـاب الحجى من نهانها
كمـن رام أن يـبرى العليل يحية وزارع شــوك يرتجــى ثمراتهــا
إلا أيهـا النحريـر مـه عن مذمة فمـا في الأواني بان من قطراتها
طرابلــسٌ لا تقبــل الـذم انهـا لهــا حســنات جـاوزت سـيئاتها
إذا أمّهــا مـن قـد نـأته بلاده وأوحشـه ذو أمرهـا مـن حماتهـا
تطـأ مـن عـن نفـس ومـال وعشرة ويضـحى بعـز مـا ثـوى بجهاتهـا
فكـم مـن ديـور أخربـت وكنـائس وكـم مـن حصـون حوصـرت بسراتها
وكــم مــن بلاد للصـليبي مركـز أحـاطوا بها ليلا فأفنوا طغاتها
وكـم مـن جـوار للكـوافر ضـيقت علـى سـفُن الاسـلام مـن نفحاتهـا
قـد أضـحت بمرساها أسيرة فلكها وعسـكرها فـي جيراها من حفاتها
وكـم مـن أويسـي بهـا ذي معارف وكـم مـن جنيـدي علـى شـرفاتها
بهـا فضـلاءٌ مـا الفضـيلُ يفوقُهم فـوارس انجـادٌ وهـم مـن حماتها
قد اختارها الزروق دارا وموطنا كـذا ابـن سـعيد مقتـد بهداتها
تـواترت الأقطـاب تـترى بارضـها وكـم سـيد رام المقـام بـذاتها
بهــا علمــاء عـاملون بعلمهـم خمـول عـن الأظهـار فـي خلواتها
ولـم تـر غشـا قط من جمع أهلها ولا قسـما فـي بيعهـم من جفاتها
إذا حــان وقـتٌ للصـلاة رأيتهـم سـراعا وخلّوا الربح في عرصاتها
رويــدا فلا تعجــل بـذمك الـتي تبـاهى بهـا الاسـلام من غزواتها
بهـا ملـك أنـدى من السحب راحة وأرأف بــالاغراب مــن والـدتها
لــه همــةٌ تعلـو لتأييـد سـنة بحفــظ مبانيهـا وجمـع رواتهـا
لعمـرُك تلقـى سـوء قصـدك عاجلا وتسـلب نـور العلـم من بركانها
فتـب وانتصـح للّه ان كنت عارفا ودع سـوء مـا أبديته من صفاتها
فلا تهــج أمّــا للثغـور حنونـة كفاهــا مـديحا عـدكم هفواتهـا
ويكفـى أهاليهـا من الفضل انها ربـاطٌ لمـن قـد قام في حجراتها
فجاءتـك فـي شـرقيّ تسعى فراعها وكـن منصـفاً ثم أجن من ثمراتها
وصـلّ وسـلم يـا إلهـي على الذي نهـى عن حظوظ النفس مع شهواتها

أحمد بن عبد الدائم الطرابلسي.

شاعر بليغ، حسن الطريقة في شعره، من رجال القرن الثاني عشر للهجرة، كان يضرب به المثل في ظرفه وفصاحته، وصلته لأقاربه والفقراء، كان حافظاً، له معرفة بالتواريخ الإسلامية والأخبار الملوكية، غاية في الذكاء والفطنة والعقل الراجح، ومن الغرائب ما اختص به من الحكمة حيث كان يقول: لي معرفة بسبعين حكمة وعمري الآن ما ينيف على الخمسين ولم يسألني أحد من أهالي طرابلس عن واحدة منها، ومن جملتها استخراج الماء من الأرض حتى يصعد إلى قمتها بغير مشقة.

قصائد أخرى لأحمد بن عبد الدائم الطرابلسي