قَدِمْتَ قدومَ الغادياتِ السَّواجمِ
الأبيات 57
قَــدِمْتَ قــدومَ الغاديـاتِ السـَّواجمِ فبُرِكْــتَ مــن دانٍ إلَينــا وقــادم
طلعـتَ طلـوعَ البـدرِ في غاسق الدُّجى علـى حالـك مـن غيهـب اللَّيـل فاحم
وأَقبَلْــتَ إقبــالَ الســَّعادةِ كلّهـا بأَبلـــجَ وضــَّاحِ الأَســارير باســم
تحــفُّ بــك الآمــال مـن كـلّ جـانب ويحجُبُــك الفرســان مـن كـلّ صـارم
فلــم تُبْـقِ ريقـاً مـاحلاً مـا سـقته فأَخْصـَبَ فـي خفـضٍ مـن العيـش نـاعم
مــتى شــئتَ غــادَرْتَ البلاد كأَنَّمـا سـَقَتْها الغـوادي سـاجماً بعـد ساجم
وإن قُلــتَ لـم تـترك مقـالاً لقـائل ولا تختشــي فــي اللــه لومـة لائم
أتيــتَ أَتـيَّ الغيـثِ والغيـثُ دونـه إذا انهــلَّ فـي أعلامهـا والمعـالم
وجئتَ بأَبطـــال الرِّجــال تقودُهــا أَماثِيــلَ ســيل العـارض المـتراكم
إذا ائْتَمَــرَتْ يومـاً بـأَمرِكَ بـادَرَتْ إلـى أَمـرك العـالي بـدار الضراغم
تَشــُكُّ صــدور الــدَّارعين رماحهــا فهــل كــانت الخطـيّ سـلكاً لنـاظم
أَعــاريبُ مـا دانَـتْ لسـكنى مدينـةٍ ولا دَنَّســــَتْ أَخلاقَهـــا بالأَعـــاجم
مطاعينُ في الهيجا مغاويرُ في الوغى وقــائِعُهمْ معلومــةٌ فــي الملاحــم
ولـم يَغْنَمـوا غيـر الفخـار غَنيمـةً ومـا الفخـر إلاَّ مـن أجـلِّ المقاسـم
لقـد زُرْتَ مَـنْ لـو شـكَّ أنْ لا تَـزورَهُ رأى عــزَّه الموجــودَ أضـغاثَ حـالم
تَشـــرَّفَ قـــومٌ أكرَمــوكَ بِرَغْمهــم ومُيِّــزتَ فيمــا بينهــم بــالعلائم
لئنْ عــدَّدوا تَوفيقَـك القـومَ نعمـةً فــأَنت بحمْـد اللـه فـوقَ النعـائم
لهـم بـك فخـرٌ مـا بقيـتَ لهـم بـه ولا فخــر إلاَّ منــك يومــاً بــدائم
وقمـــتَ بـــأَمرٍ لا يقــومُ بمثلــه ســواك ومــا كــلٌّ عليــه بقــائم
وقـد نُبـتَ فينـا بعـد عيسـى وبندر منـابَ الغـوادي واللّيـوث الضـياغم
ومـا هـدم اللـه البنـاءَ الَّذي بهم وأنْــتَ لهُــمْ بَيـتٌ رفيـع الـدعائم
ومــا أخْلَفَــتْ تلـك النجـومُ بصـيّبٍ مــن المُـزنِ مرجـوٍّ بتلـك المواسـم
فقـد صـُلْتَ حتَّـى خافـك الحتـف نفسُهُ ومـا استعْصـمَ المفـراق منـك بعاصم
وبـارَزْتَ حتَّـى لـم تجـد مـن مبـارزٍ وصـادَمْتَ حتَّـى لـم تجـد مـن مصـادم
وأَرْغَمْــتَ آنــاف الخطــوب فـأَدبَرَتْ بذلَّـــةِ مرغـــومٍ لعـــزَّةِ راغـــم
فلـم نـرَ مـن صـرف الزَّمـان محارباً تنـــازله الأَرزاء غيـــر مســـالم
إذا كنـتَ للمظلـوم في الدَّهر ناصراً فمـا صـالَ هـذا الـدَّهر صـولة ظالم
بَسـَطْتُمْ يـداً فـي بطنهـا نَيْـلُ نائل وفـي ظهرهـا طـول المـدى لثـم لاثم
نشــَرتُمْ بهــا أخبـارَ كعـب وحـاتم وقــد طُــوِيَتْ أخبــارُ كعـب وحـاتم
نزلتـم علـى الشـمّ الرعـاف منازلاً غـــواربَ أعلام العُلــى والمناســم
رَقِيتُــم بـأطراف المعـالي معاليـاً مــن المجـد مـا لا تُرقـى بالسـَّلالم
مَغــــانيكُمُ للوافـــدين مغـــانمٌ فـأَكرِمْ بهاتيـك المغـاني المغـانم
أرى النَّـاس أَفواجـاً إلى ضَوْءِ نارِكم حِثــاث المطايـا عاليـات العـزائم
فمِــنْ مُعْتَــفٍ يرجــو ســماحةَ سـيِّدٍ ومــن ضــارعٍ يرجــو تعَطُّــفَ راحـم
نَعَـــمْ هــذه للطــارقين بيــوتكم بيـوت المعـالي والنـدى والمكـارم
غيـــاثٌ لملهـــوفٍ وأمــنٌ لخــائفٍ ومـــأوًى لمـــأمونٍ ووِرْدٌ لحـــائم
منـازل لـم ينـزل بهـا غيـر ماجـد كريــم السـَّجايا مـن قـروم أكـارم
وقـد سـُدْتُم السـَّادات بأسـاً ونائلاً بفضـــلٍ وإحســـانٍ ورمــحٍ وصــارم
فلا تحفِلُــوا مـن بعـد هـذا بقاعـدٍ كمـا لـم تبـالوا إنْ قَعَـدْتُم بقائم
فلا يَحْســَبَنْ مـن لـم ترعـه سـيوفكم إطــاعتكم عــن ريبــةٍ حكـمَ حـاكم
فلـــم تـــكُ إلاَّ طاعـــةً وتَفَضــُّلاً علـى مـن لكـم مـن مثلـه ألف خادم
فكــان رضــاه مــا رضـيتم لحزمـه وليــس الَّـذي يـأبى رضـاكم بحـازم
فلــو قـارعتكم منـه يومـاً قـوارعٌ لأَصــبَحَ منكــم قارعــاً ســنَّ نـادم
رَأَتْ عينُــه مـن بأسـكم بعـض رؤيـة فكــانت لــه إذ ذاك إيقـاظ نـائم
إذ اسـتعظمت مـا قـد رأت وأراعهـا جلال عظيــم فــي الأُمــور العظـائم
ومــا قــد رأى الـرَّاؤون آل محمَّـد نظيـراً لكـم فـي عصـرها المتقـادم
وجــوهٌ كمــا لاحَ الصــَّباحُ مضــيئة وأيــدٍ ولكـن فـوقَ أيـدي الغمـائم
وبيـــضٌ حِـــدادٌ جُـــرِّدَتْ بــأكُفِّكم فأَغْمَـدْتُموها فـي الحشـا والجمـاجم
تنـوح علـى القتلـى غـداة صـليلها نــواحَ حِمــامٍ لا نــواح الحمــائم
إذا ابتَسـَمَتْ والقـرمُ تـدمى كلـومُهُ بكَــتْ بــدمٍ قــانٍ بتلـك المباسـم
حَمَيْــتَ بهــا أرضَ العــراق وأهلَـهُ وســـوَّرْتُموها بالقنــا والصــَّوارم
فَـــدَتْكَ ملــوكٌ لا يُرَجّــى نوالهــا ومــا لاحَ منهــا بـرق جـود لشـايم
قـد اجتنبـت هـذي الملوك الَّتي ترى مطــامع راجيهـا اجتنـاب المحـارم
أمـا والَّـذي أعطـاكَ مـا أنـتَ أَهْلُهُ وولاّك فــي الـدُّنيا رقـاب العـوالم
لـوَ انِّـي اسـْتَغْنَيْتُ عـن سائر الورى فَــوِرْدي إذَنْ مــن بحــريَ المتلاطـم
فمـا قلـتُ بيتـاً فـي سـواك ولا جرى بــه قلمــي يومـاً بمـدح ابـن آدم
فعـش سـالماً واسـلمْ لنـا ولغيرنـا فمــا المجـد إلاَّ مـا سـَلِمتَ بسـالم
الأخرس
377 قصيدة
1 ديوان

عبد الغفار بن عبد الواحد بن وهب.

شاعر من فحول المتأخرين، ولد في الموصل، ونشأ في بغداد، وتوفي في البصرة.

ارتفعت شهرته وتناقل الناس شعره، ولقب بالأخرس لحبسة كانت في لسانه.

له ديوان يسمى (الطراز الأنفس في شعر الأخرس -ط).

1873م-
1290هـ-