عَلى مِثلِها مِن أَربُعٍ وَمَلاعِبِ

قال الصولي في أخبار أبي تمام:

حدثني محمد بن عبد الله التميمي أبو عبد الله الحزنبل قال، حدثني سعيد بن جابر الكرخي قال، حدثني أبي قال: حضرت أبا تمام، وقد أنشد أبا دلف قصيدته البائية التي امتدحه بها، وعنده جماعة من أشراف العرب والعجم، التي أولها:

عَلَى مِثْلهِا من أَرْبُعٍ ومَلاعبِ         أُذيِلَتْ مَصُوناتُ الدُّموعِ السَّواكبِ

فلما بلغ إلى قوله:

إذَا العيِسُ لاقَتْ بي أبا دُلَفٍ فقدْ         تقَطّع ما بيْنِي وَبيْنَ الَّنوائِبِ

إذا ما غَدا أَغْدَى كَريَمةَ مَالِهِ         هَدِيّاً ولو زُفَّتْ لألأَمِ خَاطِبِ

وأَحْسَنُ مِنْ نَوْرٍ يُفتِّحُهُ الَّندَى         بَيَاضُ العَطَايا في سَوَادِ المَطالبِ

إذا أَلْجَمَتْ يَوْماً لُجَيْمٌ وَحَوْلهَا         بنو الحِصْنِ نَجْلُ المُحصَنَاتِ النَّجائبِ

فإنَّ المنَايَا والصَّوَارمَ والقَنا         أَقارِبُهم في الرَّوْع دُونَ الأَقَارِبِ

إذا افْتَخَرتْ يَوْماً تَمِيمٌ بِقَوْسِها         وزَادَتْ على ما وَطَّدَتْ مِنْ مَنَاقبِ

فأَنْتُمْ بِذِي قَارٍ أَمَالَتْ سُيُوفُكُمْ         عُرُوشَ الذينَ اسْتَرهَنُوا قَوْسَ حَاجِبِ

مَحاسِنُ منْ مَجْدٍ مَتَى يَقْرِنُوا بِهَا         مَحَاسِنَ أَقْوَامٍ تَكُنْ كاَلْمعَائِبِ

مكارمُ لَجَّتْ في عُلُوّ كأَنَّما         تُحَاوِلُ ثَأراً عِنْدَ بَعْضِ الكَوَاكِبِ

قال أبو دلف: يا معشر ربيعة ما مدحتم بمثل هذا الشعر قط، فما عندكم لقائله؟ قال: فبادروه بمطارفهم وعمائمهم يرمون بها إليه، فقال أبو دلف: قد قبلها وأعاركم لبسها، وسأنوب في ثوابه عنكم، تمم يا أبا تمام، فلما بلغ إلى قوله:

ولو كان يَفْنَى الشعرُ أَفنْاهُ ما قَرَتْ         حياضُك منه في العُصورِ الذَّواهِبِ

ولكنَّهُ صَوْبُ العقولِ إذا انْثَنَتْ         سحائبُ منها أُعقِبَتْ بسحائبِ

فقال أبو دلف: إدفعوا إلى أبي تمامٍ خمسين ألف درهمٍ، ووالله إنها لدون شعره، ثم قال له: ما مثل هذا القول إلا ما رثيت به محمد بن حميد، قال: وأي ذلك أراد الأمير؟ قال قولك:

وما ماتَ حتى ماتَ مَضْرِبُ سيفه         من الضَّربِ واعتلَّتْ عليه القَنا السُّمْرُ

وقد كان فَوْتُ الموْتِ سهلاً فردَّه         إليه الحَفَاظُ المُرُّ والخُلُقُ الوَعْرُ

فأَثْبتَ في مُسْتَنُقِعِ الموْتِ رِجْلَهُ         وقال لها: من تحتِ أَخْمُصِكِ الحشْرُ

غَدَا غَدْوَةً والحمدُ حَشْوُ رِدائه         فلمْ ينصرفْ إلاَ وَأَكْفانُه الأجْرُ

كأنَّ بني نَبْهانَ يومَ وفاتِه         نُجومُ سماءٍ خَرَّ من بيْنِها البَدْرُ

يُعَزَّوْنَ عن ثَاوٍ تُعزَّى به العُلاَ         ويَبْكِي عليه الجُودً والبأسُ والشِّعرُ

وددت والله أنها لك فيَّ! فقال: بل أفدي الأمير بنفسي وأهلي، وأكون المقدم قبله، فقال له:

لم يمت من رثي بمثل هذا الشعر.

 
الأبيات 45
عَلــى مِثلِهــا مِــن أَربُـعٍ وَمَلاعِـبِ أُذيلَـت مَصـوناتُ الـدُموعِ السـَواكِبِ
أَقـولُ لِقُرحـانٍ مِـنَ البَيـنِ لَم يُضِف رَسـيسَ الهَـوى تَحتَ الحَشا وَالتَرائِبِ
أَعِنّــي أُفَــرِّق شـَملَ دَمعـي فَـإِنَّني أَرى الشـَملَ مِنهُـم لَيـسَ بِالمُتَقارِبِ
وَمـا صـارَ فـي ذا اليَومِ عَذلُكَ كُلُّهُ عَــدُوِّيَ حَتّــى صــارَ جَهلُـكَ صـاحِبي
وَمـا بِـكَ إِركـابي مِنَ الرُشدِ مَركَباً أَلا إِنَّمــا حــاوَلتَ رُشـدَ الرَكـائِبِ
فَكِلنـي إِلـى شـَوقي وَسِر يَسِرِ الهَوى إِلــى حُرُقـاتي بِالـدُموعِ السـَوارِبِ
أَمَيـدانَ لَهـوي مَـن أَتاحَ لَكَ البِلى فَأَصـبَحتَ مَيـدانَ الصـَبا وَالجَنـائِبِ
أَصــابَتكَ أَبكــارُ الخُطـوبِ فَشـَتَّتَت هَــوايَ بِأَبكـارِ الظِبـاءِ الكَـواعِبِ
وَرَكــبٍ يُســاقونَ الرِكــابَ زُجاجَـةً مِـنَ السـَيرِ لَـم تَقصِد لَها كَفُّ قاطِبِ
فَقَـد أَكَلـوا مِنها الغَوارِبَ بِالسُرى فَصــارَت لَهـا أَشـباحُهُم كَـالغَوارِبِ
يُصـــَرِّفُ مَســراها جُــذَيلُ مَشــارِقٍ إِذا آبَـــهُ هَـــمٌّ عُــذَيقُ مَغــارِبِ
يَـرى بِالكَعـابِ الـرَودِ طَلعَـةَ ثائِرٍ وَبِــالعِرمِسِ الوَجنــاءِ غُــرَّةَ آيِـبِ
كَــأَنَّ بِــهِ ضـِغناً عَلـى كُـلِّ جـانِبٍ مِـنَ الأَرضِ أَو شـَوقاً إِلـى كُـلِّ جانِبِ
إِذا العيـسُ لاقَـت بـي أَبا دُلَفٍ فَقَد تَقَطَّــعَ مـا بَينـي وَبَيـنَ النَـوائِبِ
هُنالِـكَ تَلقـى الجـودَ حَيـثُ تَقَطَّعَـت تَمــائِمُهُ وَالمَجـدَ مُرخـى الـذَوائِبِ
تَكـــادُ عَطايــاهُ يُجَــنُّ جُنونُهــا إِذا لَــم يُعَوِّذهــا بِنَغمَــةِ طـالِبِ
إِذا حَرَّكَتــهُ هِــزَّةُ المَجــدِ غَيَّـرَت عَطايـاهُ أَسـماءَ الأَمـاني الكَـواذِبِ
تَكـــادُ مَغــانيهِ تَهِــشُّ عِراصــُها فَتَركَــبُ مِـن شـَوقٍ إِلـى كُـلِّ راكِـبِ
إِذا مـا غَـدا أَغـدى كَريمَـةَ مـالِهِ هَـــدِيّاً وَلَـــو زُفَّــت لِأَلأَمِ خــاطِبِ
يَــرى أَقبَــحَ الأَشـياءِ أَوبَـةَ آيِـبٍ كَســَتهُ يَــدُ المَـأمولِ حُلَّـةَ خـائِبِ
وَأَحســَنُ مِــن نَـورٍ تُفَتِّحُـهُ الصـَبا بَيـاضُ العَطايـا فـي سَوادِ المَطالِبِ
إِذا أَلجَمَــت يَومـاً لُجَيـمٌ وَحَولَهـا بَنـو الحِصنِ نَجلُ المُحصِناتِ النَجائِبِ
فَـإِنَّ المَنايـا وَالصـَوارِمَ وَالقَنـا أَقـارِبُهُم فـي الـرَوعِ دونَ الأَقـارِبِ
جَحافِـــلُ لا يَـــترُكنَ ذا جَبَرِيَّـــةٍ سـَليماً وَلا يَحرُبـنَ مَـن لَـم يُحـارِبِ
يَمُــدّونَ مِــن أَيــدٍ عَـواصٍ عَواصـِمٍ تَصـــولُ بِأَســيافٍ قَــواضٍ قَواضــِبِ
إِذا الخَيلُ جابَت قَسطَلَ الحَربِ صَدَّعوا صـُدورَ العَـوالي فـي صُدورِ الكَتائِبِ
إِذا اِفتَخَـرَت يَومـاً تَميـمٌ بِقَوسـِها وَزادَت عَلـى مـا وَطَّـدَت مِـن مَنـاقِبِ
فَـأَنتُم بِـذي قـارٍ أَمـالَت سـُيوفُكُم عُـروشَ الَّـذينَ اِسـتَرهَنوا قَوسَ حاجِبِ
مَحاسـِنُ مِـن مَجـدٍ مَـتى تَقرِنوا بِها مَحاســِنَ أَقــوامٍ تَكُــن كَالمَعـايِبِ
مَكــارِمُ لَجَّــت فــي عُلُــوٍّ كَأَنَّهـا تُحـاوِلُ ثَـأراً عِنـدَ بَعـضِ الكَـواكِبِ
وَقَـد عَلِـمَ الأَفشـينُ وَهـوَ الَّـذي بِهِ يُصـانُ رِداءُ المُلـكِ عَـن كُـلِّ جـاذِبِ
بِأَنَّـكَ لَمّـا اِسـحَنكَكَ الأَمـرُ وَاِكتَسى أَهـابِيَّ تَسـفي فـي وُجـوهِ التَجـارِبِ
تَجَلَّلتَــهُ بِــالرَأيِ حَتّــى أَرَيتَــهُ بِــهِ مِلـءَ عَينَيـهِ مَكـانَ العَـواقِبِ
بِأَرشــَقَ إِذ ســالَت عَلَيهِـم غَمامَـةٌ جَـرَت بِـالعَوالي وَالعِتـاقِ الشَوازِبِ
نَضــَوتَ لَـهُ رَأيَيـنَ سـَيفاً وَمُنصـَلاً وَكُــلٌّ كَنَجــمٍ فــي الدُجُنَّـةِ ثـاقِبِ
وَكُنــتَ مَــتى تُهــزَز لِخَطـبٍ تُغَشـِّهِ ضـَرائِبَ أَمضـى مِـن رِقـاقِ المَضـارِبِ
فَـذِكرُكَ فـي قَلـبِ الخَليفَـةِ بَعـدَها خَليفَتُـكَ المُقفـى بِـأَعلى المَراتِـبِ
فَـإِن تَنـسَ يَـذكُر أَو يَقُل فيكَ حاسِدٌ يَفِــل قَــولُهُ أَو تَنـأَ دارٌ تُصـاقِبِ
فَــأَنتَ لَــدَيهِ حاضــِرٌ غَيـرُ حاضـِرٍ جَميعــاً وَعَنــهُ غـائِبٌ غَيـرُ غـائِبِ
إِلَيـكَ أَرَحنـا عـازِبَ الشـِعرِ بَعدَما تَمَهَّـلَ فـي رَوضِ المَعـاني العَجـائِبِ
غَــرائِبُ لاقَــت فـي فِنـائِكَ أُنسـَها مِـنَ المَجـدِ فَهـيَ الآنَ غَيـرُ غَـرائِبِ
وَلَو كانَ يَفنى الشِعرُ أَفناهُ ما قَرَت حِياضـُكَ مِنـهُ فـي العُصـورِ الذَواهِبِ
وَلَكِنَّــهُ صـَوبُ العُقـولِ إِذا اِنجَلَـت ســـَحائِبُ مِنــهُ أُعقِبَــت بِســَحائِبِ
أَقـولُ لِأَصـحابي هُـوَ القاسـِمُ الَّـذي بِـهِ شـَرَحَ الجـودُ اِلتِبـاسَ المَذاهِبِ
وَإِنّــي لَأَرجــو أَن تَــرُدَّ رَكــائِبي مَــواهِبُهُ بَحــراً تُرَجّــى مَواهِــبي
أَبو تَمّام
486 قصيدة
1 ديوان

حبيب بن أوس بن الحارث الطائي.

أحد أمراء البيان، ولد بجاسم (من قرى حوران بسورية)، ورحل إلى مصر واستقدمه المعتصم إلى بغداد فأجازه وقدمه على شعراء وقته فأقام في العراق ثم ولي بريد الموصل فلم يتم سنتين حتى توفي بها،

كان أسمر، طويلاً، فصيحاً، حلو الكلام، فيه تمتمة يسيرة، يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة من أراجيز العرب غير القصائد والمقاطيع.

في شعره قوة وجزالة، واختلف في التفضيل بينه وبين المتنبي والبحتري، له تصانيف، منها فحول الشعراء، وديوان الحماسة، ومختار أشعار القبائل، ونقائض جرير والأخطل، نُسِبَ إليه ولعله للأصمعي كما يرى الميمني.

وذهب مرجليوث في دائرة المعارف إلى أن والد أبي تمام كان نصرانياً يسمى ثادوس، أو ثيودوس، واستبدل الابن هذا الاسم فجعله أوساً بعد اعتناقه الإسلام ووصل نسبه بقبيلة طيء وكان أبوه خماراً في دمشق وعمل هو حائكاً فيها ثمَّ انتقل إلى حمص وبدأ بها حياته الشعرية.

وفي أخبار أبي تمام للصولي: أنه كان أجش الصوت يصطحب راوية له حسن الصوت فينشد شعره بين يدي الخلفاء والأمراء.

845م-
231هـ-

قصائد أخرى لأَبو تَمّام

أَبو تَمّام
أَبو تَمّام

عثرت على هذه الأبيات النادرة اليوم 10 أيلول / 2017 في تاريخ أبي عبد الله الحاكم النيسابوري/ فصل "تبع الأتباع"  في ترجمة الأمير منصور بن طلحة الخزاعي المصعبي وهي الترجمة 621 في الكتاب، والكتاب ضائع منذ زمن قديم  إلا