مروان بن سليمان بن يحيى ابن أبي حفصة أبو الهيذام ويقال أبو السمط شاعر من اهل اليمامة من كبار شعراء العرب، قدمه ابن خلكان على كل شعراء عصره، وفي كتاب المذاكرة للإربلي: ( كان أبو عمرو الشيباني يقول: ختم الشعر بمروان. ودون شعر القدماء، فلما انتهى إلى شعر بشار لم يكتبه، واستخار عليه شعر مروان) وفي تاريخ بغداد: أن الكسائي كان يقول: (إنما الشعر سقاء تمخض فدفعت الزبدة إلى مروان بن أبي حفصة).. وزوجته آمنة بنت الوليد شاعرة أيضا. (انظر ديوانها في الموسوعة)
وأخبار الموازنة بينه وبين بشار بن برد متواترة في معظم كتب الأدب، وهو من أسرة تعتبر ثاني اعرق الأسر الشعرية في تاريخ العرب، بعد أسرة حسان بن ثابت (ر) وكانت عكل تدعي أنهم منها قال أبو الفرج في أخباره في الأغاني نقلا عن حفيده محمد بن إدريس أنه قال: ( عكلٌ تدعي أن أبا حفصة منهم، يقولون : هو من كنانة بن عوف بن عبد مناة بن طابخة بن إلياس بن مضر، وقد كانوا استعدوا عليه مرروان بن الحكم، وقالوا: إنما باعته عمتهلمجاعةٍ؛ فأبى هو أن يقر لهم بذلك. ثم استعدوا عليه عبد الملك بن مروان أيضاً؛ فأبى إلا أنه رجل من العجم من سبي فارس، نشأ في عكل وهو صغير. قال محمد بن إدريس: وولد السموءل بن عادياء يدعونه والسموءل من غسان.
ولا يزال ديوانه في عداد الدواوين المفقودة، وقد جمع منها الأستاذ حسين عطوان (573) بيتا، وأوصلها الأستاذ قحطان رشيد التميمي إلى (584). وانظر ترجمته في (وفيات الأعيان) لابن خلكان، وفيها: (كان جده أبو حفصة مولى مروان بن الحكم بن أبي العاصي الموي، فأعتقه يوم الدار، لأنه أبلى يومئذ، فجعل عتقه جزاءه، وقيل إن أبا حفصة كان يهودياً طبيباً أسلم على يد مروان بن الحكم ويزعم أهل المدينة أنه كان من موالي اسموأل بن عادياء اليهودي المشهور بالوفاء) وأشهر شعره قصيدته اللامية في مدح معن بن زائدة، وهي زهاء (60) بيتا، كما يقول ابن خلكان. والمنشور منها في الموسوعة (11) بيتا، وأشهر بيت فيها قوله: (بنو مطر يوم اللقاء كأنهم .. أسود لها في غيل خفان أشبل).. قال الشريف المرتضى في أماليه (ج1 ص518): ذاكرني قوم من أهل الأدب بأشعار المحدثين وطبقاتهم وانتهوا إلى مروان بن يحيى بن أبي حفصة، فأفرط بعضهم في وصفه وتقريظه، وآخرون في ذمه وتهجينه والإزراء على شعره وطريقته، واستخبروا عما أعتقده فيه فقلت لهم: كان مروان متساوي الكلام، متشابه الألفاظ، غير متصرف في المعاني ولا غواص عليها ولا مدقق لها، فلذلك قلت النظائر في شعره، ومدائحه مكررة الألفاظ والمعاني، وهو غزير الشعر قليل المعنى، إلا أنه مع ذلك شاعر له تجويد وحذْق، وهو أشعر من كثير من أهل زمانه وطبقته، وأشعر شعراء أهله، ويجب أن يكون دون مسلم بن الوليد في تنقيح الألفاظ وتدقيق المعاني ووقوع التشبيهات، ودون بشار بن برد في الأبيات النادرة السائرة، فكأنه طبقة بينهما، وليس بمقصر دونهما شديدا، ولا منحط عنهما بعيدا. وكان إسحاق بن إبراهيم الموصلي يقدمه على بشار ومسلم، وكذلك أبو عمرو الشيباني، وكان الأصمعي يقول: مروان مولّد، وليس له علم باللغة. واختلاف الناس في اختيار الشعر بحسب اختلافهم في التنبيه على معانيه، وبحسب ما يشترطونه من مذاهبه وطرائقه. فسئلت عند ذلك أن أذكر مختار ما وقع إلي من شعره، وأنبه على سرقاته ونظائر شعره، وأن أملي ذلك في خلال المجالس وأثنائها). انظر النجار (1/ 310) و(نشر الشعر/ 145). وقد ترجم ابن الجراح لولدي مروان فقال: أبو الجنوب وأبو السمط ابنا مروان بن سليمان بن يحيى بن أبي حفصة، شاعران رشيدان مجيدان ..إلخ. وهذا يدل على أن (أبا السمط) كنية ولده. ولكن ابن النديم جعل أبا السمط ابن أبي الجنوب فقال: (أبو السمط، مروان بن أبي الجنوب بن مروان شاعر، شعره مائة وخمسين ورقة) انظر أخبار أسرته في صفحة ديوان أخيه إدريس وقد نقل البيهقي صاحب "المحاسن والمساوئ" سيرة مروان وأخباره عن أخيه إدريس وهي من نوادر الأخبار تقع في زهاء عشر صفحات اولها: (فحدثنا إدريس بن سليمان بن يحيى بن يزيد بن أبي حفصة قال: كان سبب اتصال مروان بخلفاء بني العباس أن جارية يمانية أهديت إلى أبي جعفر المنصور فأنشدته شعراً لمروان)
قال ابن خلكان: حكى ابن سيف عن أبي خليفة عن ابن سلام قال: لما أنشد مروان بن أبي حفصة المهدي قصيدته التي يقول فيها:
إليك قسمنا النصف من صلواتنا مسير شهر بعد شهر نواصلهفلا نحن نخشى أن يخيب رجاؤنا لديك ولكن أهنأ العيش عاجله
فقال له المهدي، قف بحيث أنت، كم قصيدتك هذه من بيت؟ قال: سبعون بيتاً، قال: فلك سبعون ألفاً، لا تتم إنشادك حتى يحضر المال، فأحضر المال، فأنشد القصيدة وقبضه وانصرف
وذكره أبو العابس بن المعتز في كتاب "طبقات الشعراء" فقال في حقه: وأجود ما قاله مروان قصديته الغراء اللامية، وهي التي فضل بها على شعراء زمانه، يمدح فيها معن بن زائدة الشيباني، ويقال إنه أخذ منه عليها مالاً كثيراً لا يقدر قدره، ولم ينل أحد من الشعراء الماضين ما ناله مروان بشعره، فمما ناله ضربة واحدة ثلثمائة ألف درهم من بعض الخلفاء
بسبب بيت واحد؛ انتهى كلام ابن المعتز.
والقصيدة اللامية طويلة تناهز الستين بيتاً ولولا خوف الإطالة لذكرتها، ولكن نأتي ببعض مديحها وهو في أثنائها:
بنو مطر يوم اللقاء كأنهم أسود لهم في بطن خفان أشبل
ثم قال ابن خلكان بعدما أورد قطعة من القصيدة: (هذا لعمري عز الدولة السحر الحلال المنقح لفظاً ومعنى، وحقه أن يفضل على شعراء عصره وغيرهم، وله في مدائح معن المذكور ومرائيه كل معنى بديع، وسيأتي شيء من ذلك في أخبار معن إن شاء الله تعالى).
وحكى ابن المعتز أيضاً عن شراحيل بن معن بن زائدة أنه قال: عرضت في طريق مكة ليحيى بن خالد البرمكي، وهو في قبة، وعديله القاضي أبو يوسف الحنفي وهما يريدان الحج، قال شراحيل: فإني لأسير تحت القبة إذ عرض له رجل من بني أسد في شارة حسنة، فأنشده شعراً، فقال له يحيى بن خالد في بيت منها: ألم أنهك عن مثل هذا البيت أيها الرجل؟ ثم قال: يا أخا بني أسد، إذا قلت الشعر فقل كقول الذي يقول، وأنشده الأبيات اللامية المقدم ذكرها، فقال له القاضي أبو يوسف، وقد أعجبته الأبيات جداً: من قائل هذه البيات يا أبا الفضل؟ فقال يحيى: يقولها مروان بن أبي حفصة يمدح بها أبا هذا الفتى الذي تحت القبة، قال شراحيل: فرمقني أبو يوسف بعينيه وأنا راكب على فرس لي عتيق وقال لي: من أنت يا فتى حياك الله تعالي وقربك قلت: أنا شراحبيل بن معن بن زائدة الشيباني، قال شراحبيل: فوالله ما أتت علي ساعة قط كانت أقر لعيني من تلك الساعة ارتياحاً وسروراً.
ويحكى أن ولداً لمروان بن أبي حفصة المذكور دخل على شراحبيل المذكور فأنشده:أبا شراحيل من معن بن زائدة يا أكرم الناس من عجم ومن عرب
أعطي أبوك أبي مالاً فعاش به فأعطيني مثل نا أعطى أبوك أبي
ما حل قط أبي أرضاً أبوك بها إلا وأعطاه قنطاراً من الذهب
فأعطاه شراحيل قنطاراً من الذهب.